838ـ خطبة الجمعة: من هو أسوتنا في تربية الأبناء؟

838ـ خطبة الجمعة: من هو أسوتنا في تربية الأبناء؟

838ـ خطبة الجمعة: من هو أسوتنا في تربية الأبناء؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ القَضَايَا التي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُولِيَهَا اهْتِمَامَنَا، تَرْبِيَةَ الأَوْلَادِ ذَوِي النُّفُوسِ الصَّافِيَةِ، الذينَ هُمْ أَحْوَجُ النَّاسِ إلى الرَّحْمَةِ، وَالعَطْفِ، فَهُمْ يُحِسُّونَ بِحُسْنِ المُعَامَلَةِ حَسَبَ مَدَارِكِهِمْ، وَيَهْتَمُّونَ بِمَنْ يُوَادُّهُمْ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِمْ.

يَا عِبَادَ اللهِ: حُسْنُ تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا سِرُّ سَعَادَتِنَا وَجَنَّةُ أَحْلَامِ العُقَلَاءِ؛ سَعَادَتُنَا لَيْسَتْ بِالمَالِ الوَفِيرِ، وَالعَيْشِ الرَّغِيدِ، وَلَيْسَتْ في المَنَاصِبِ العَالِيَةِ، وَلَا بِالشُّهْرَةِ وَالجَاهِ العَرِيضِ؛ سَعَادَتُنَا أَنْ نَرَى أَبْنَاءَنَا قُرَّةَ عَيْنٍ لَنَا، أَنْ نَرَى أَبْنَاءَنَا مِنْ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ وَالأَدَبِ وَالأَخْلَاقِ، أَنْ نَرَاهُمْ مَضْرِبَ مَثَلٍ في الأَخْلَاقِ وَالمُعَامَلَاتِ، أَنْ نَرَاهُمْ سَبَبًا لِدُعَاءِ الآخَرِينَ لَنَا لَا عَلَيْنَا، سَعَادَتُنَا بِصَلَاحِ أَبْنَائِنَا الذينَ هُمْ سَبَبٌ لِصَلَاحِ المُجْتَمَعِ، وَبِفَسَادِهِمْ فَسَادُ المُجْتَمَعِ.

مَنْ هُوَ أُسْوَتُنَا في تَرْبِيَةِ الأَبْنَاءِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: فَكِّرُوا مَنْ هُوَ أُسْوَتُكُمْ في تَرْبِيَةِ أَبْنَائِكُمْ؟ هَلَّا جَعَلْنَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُسْوَتَنَا وَقُدْوَتَنَا في تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا؟

هَلُمُّوا نَنْظُرْ إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُعَلِّمِ وَالمُرَبِّي الأَوَّلِ، الذي عَلَّمَنَا كَيْفَ نُرَبِّي أَبْنَاءَنَا تَرْبِيَةً صَالِحَةً حَتَّى يَكُونُوا سِرَّ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعَلَى ظَهْرِهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَهُوَ يَقُولُ: «نِعْمَ الْجَمَلُ جَمَلُكُمَا، وَنِعْمَ الْعِدْلَانِ أَنْتُمَا».

وَفي رِوَايَةٍ للبَزَّارِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا عَلَى عَاتِقَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: نِعْمَ الْفَرَسُ تَحْتَكُمَا.

قَالَ: «وَنِعْمَ الْفَارِسَانِ هُمَا».

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَلْعَبَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَفِي حِجْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُحِبُّهُمَا؟

قَالَ: «وَكَيْفَ لَا أُحِبُّهُمَا وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا أَشُمُّهُمَا».

وَفي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَهُوَ حَامِلُهُمَا عَلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، نِعْمَتِ الْمَطِيَّةُ.

قَالَ: «وَنِعْمَ الرَّاكِبَانِ».

وَفي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَه عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ، فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي السِّكَّةِ، قَالَ: فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَامَ الْقَوْمِ، وَبَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَفِرُّ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَيُضَاحِكُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقْنِهِ، وَالْأُخْرَى فِي فَأْسِ رَأْسِهِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ: «حُسَيْنٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ».

وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، أَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مُلَاطَفَةَ الأَبْنَاءِ لِكَسْبِ قُلُوبِهِمْ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِمْ لَا يُنَافِي الوَقَارَ وَالهَيْبَةَ وَالإِجْلَالَ، بَلْ يَزِيدُ المَوَدَّةَ بَيْنَ الآبَاءِ وَالأَبْنَاءِ، حَسِّنُوا أَخْلَاقَكُمْ مَعَ أَبْنَائِكُمْ انْطِلَاقًا مِنْ مُنَادَاتِهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ بِأُسْلُوبٍ لَطِيفٍ، واسْعَوْا إلى التَّصَابِي مَعَهُمْ حَتَّى تَتَمَكَّنُوا مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَإِذَا تَمَكَّنْتُمْ مِنْ قُلُوبِهِمْ سَهُلَ عَلَيْكُمْ تَوْجِيهُهُمْ إلى مَا يُرْضِي اللهَ تعالى وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 18/ربيع الأول /1444هـ، الموافق: 14/ تشرين الأول / 2022م

 2022-10-14
 4320
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

24-04-2025 119 مشاهدة
935ـ خطبة الجمعة: سلامة الصدر نعمة ربانية

مِنْ أَهَمِّ مَا يُمَيِّزُ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ، أَنَّهَا أُمَّةٌ مُتَوَادَّةٌ مُتَرَاحِمَةٌ مُتَكَاتِفَةٌ مُتَحَابَّةٌ، تَبْنِي أَفْرَادَهَا، وَتُقِيمُ مُجْتَمَعَاتِهَا عَلَى أُسُسِ التَّعَاوُنِ المُشْتَرَكِ، وَالتَّقْدِيرِ وَالاحْتِرَامِ ... المزيد

 24-04-2025
 
 119
17-04-2025 289 مشاهدة
934ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (2)

لَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ، وَوَعْدُهُ تَعَالَى لَا يُخْلَفُ، بَلْ أَوْضَحَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ أَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ ... المزيد

 17-04-2025
 
 289
10-04-2025 628 مشاهدة
933ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (1)

مِنَ المَعْلُومِ عِنْدَ كُلِّ إِنْسَانٍ مُسْلِمٍ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعَدَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرَ هَذَا الدِّينَ، وَأَنْ يُمَكِّنَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ... المزيد

 10-04-2025
 
 628
28-11-2024 4084 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 4084
22-11-2024 1522 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 1522
14-11-2024 1778 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 1778

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5682
المقالات 3210
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422766317
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :