889ـ خطبة الجمعة: القرآن العظيم منهج حياة

889ـ خطبة الجمعة: القرآن العظيم منهج حياة

889ـ خطبة الجمعة: القرآن العظيم منهج حياة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ أَسْعَدَكُمُ اللهُ تعالى بِالإِيمَانِ، وَشَرَحَ صُدُورَكُمْ للإِسْلَامِ، اعْلَمُوا أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ لَكُمْ مِيرَاثًا، إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ نِلْتُمْ مَا نَالَهُ الصَّحَابَةُ مِنْ هَذِهِ الخَيْرِيَّةِ التي شَهِدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ بِهَا، فَقَالَ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾.

وَشَهِدَ لَهُمْ بِهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

القُرْآنُ العَظِيمُ مَنْهَجُ حَيَاةٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ تَرَكَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الغَرَّاءَ العَظِيمَةَ المُبَارَكَةَ الكَامِلَةَ السَّمْحَةَ التي تَجْمَعُ المُرُونَةَ وَالثَّبَاتَ مَعًا في تَوَازُنٍ عَجِيبٍ، تَرَكَ لَنَا هَذِهِ الشَّرِيعَةَ التي فِيهَا قِيَادَةٌ للبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ إلى سَعَادَتِهِمْ دُنْيَا وَأُخْرَى، حَتَّى يَرِثَ اللهُ تعالى الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا.

لَقَدْ وَقَفَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ يُوَدِّعُ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ الذينَ وَعَدَهُمُ اللهُ تعالى بِالحُسْنَى جَمِيعًا، بَعْدَ أَنْ رَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهُ الحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: المَصْدَرُ الأَوَّلُ لِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ القُرْآنُ العَظِيمُ الذي كَتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الخُلُودَ مِنْ بَيْنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ، وَأَعْلَنَ اللهُ تعالى حِفْظَهُ دُونَهَا جَمِيعًا، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.

هَذَا القُرْآنُ العَظِيمُ مَنْهَجُ حَيَاةِ المُسْلِمِ، بِهِ صَارَ المُسْلِمُ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَرَفَ مِنْ خِلَالِهِ قِصَّةَ خَلْقِهِ، عَرَفَ المَبْدَأَ وَالمُنْتَهَى، عَرَفَ عَالَمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَعَرَفَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا مِنْ بِدَايَتِهَا إلى نِهَايَتِهَا، وَعَرَفَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَمَا فِيهِ مِنْ بَعْثٍ وَحَشْرٍ وَنَشْرٍ وَحِسَابٍ وَجَنَّةٍ وَنَارٍ.

عَرَفَ مَوْكِبَ الأَنْبِيَاءِ وَسِيرَتَهُمُ الطَّويلَةَ مَعَ أُمَمِهِمْ وَنَتَائِجَ مَنْ آمَنَ وَوَافَقَ، وَنَتِيجَةَ مَنْ أَعْرَضَ وَخَالَفَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا القُرْآنُ العَظِيمُ الذي عَظَّمَ اللهُ تعالى فِيهِ ثَوَابَ التَّالِينَ لَهُ وَالمُرَتِّلِينَ وَالحَافِظِينَ وَالمُتَدَبِّرِينَ وَالعَامِلِينَ فِيهِ، وَبَيَّنَ أَثَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾. وَقَالَ فِيهِ: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾.

وَقَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَقِّ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ، وَعَلَّمَهُ غَيْرَهُ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَفِيهِ الخَيْرِيَّةُ لِمَنْ تَعَلَّقَ بِهِ وَعَمِلَ بِهِ، وَفِيهِ الشِّفَاءُ وَالدَّوَاءُ للقُلُوبِ القَلِقَةِ وَالمَرِيضَةِ، وَالنُّفُوسِ المَضْطَرِبَةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ الذي هُوَ مَنْهَجُ حَيَاةٍ سَعِيدَةٍ وَكَرِيمَةٍ، وَكَيْفَ لَا نَلْتَزِمُ هَذَا القُرْآن العَظِيمَ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ الصَّادِقُ الأَمِينُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كِتَابُ اللهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا رَبِّ لَا تَحْرِمْنَا نِعْمَةَ القُرْآنِ العَظِيمِ تِلَاوَةً وَعَمَلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 21/ ربيع الأول /1445هـ، الموافق: 6/ تشرين الأول / 2023م

 2023-10-05
 6629
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

11-07-2025 47 مشاهدة
947ـ خطبة الجمعة: احذر الغرور ساعة العطاء

أَقْبَحُ وَصْفٍ فِي الإِنْسَانِ العُجْبُ وَالغُرُورُ بِمَا أَسْبَغَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ؛ وَالأَقْبَحُ مِنْهُ مَنْ ظَنَّ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِ وَلَو كَانَ مُقِيمًا عَلَى المَعْصِيَةِ؛ وَالأَقْبَحُ مِنْ ... المزيد

 11-07-2025
 
 47
04-07-2025 400 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 400
25-06-2025 639 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 639
19-06-2025 964 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 964
12-06-2025 1110 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 1110
04-06-2025 437 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 437

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3236
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424829849
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :