893ـ خطبة الجمعة: مكانة المرأة في الإسلام

893ـ خطبة الجمعة: مكانة المرأة في الإسلام

893ـ خطبة الجمعة: مكانة المرأة في الإسلام

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الحَقِيقَةُ تُقَالُ: عِنْدَمَا رَأَى الغَرْبُ في الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ الخَطَرَ عَلَيْهِمْ، وَعَجَزُوا عَنْ مُصَارَعَةِ الحَقِّ الذي يَحْمِلُهُ دِينُ اللهِ تعالى، رَفَعُوا شِعَارَاتٍ بَرَّاقَةً تُوهِمُ البُسَطَاءَ مِنَ الخَلْقِ، وَتَدْفَعُهُمْ لِتَقَبُّلِ هَذِهِ الشِّعَارَاتِ البَرَّاقَةِ.

مِنْ هَذِهِ الشِّعَارَاتِ: حُقُوقُ المَرْأَةِ، فَقَدْ أَلَّبَ هَذَا الشِّعَارُ المَرْأَةَ عَلَى الإِسْلَامِ وَآدَابِهِ، بِحُجَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْصِفِ المَرْأَةَ، وَلَمْ يَرْعَ إِنْسَانِيَّتَهَا، وَلَمْ يَضْمَنْ لَهَا كَامِلَ حُقُوقِهَا، فَأَوْهَمَهَا الغَرْبُ أَنَّهُ هُوَ الشَّفُوقُ الرَّحِيمُ بِهَا، وَأَنَّ نِظَامَهُ هُوَ الوَحِيدُ الذي يَرْعَى حُقُوقَهَا وَيَحْمِي كَرَامَتَهَا، وَأَنَّهُ سَوْفَ يُسَوِّي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ، وَصَدَّقَتِ المَرْأَةُ المِسْكِينَةُ هَذَا الكَلَامَ، فَانْجَرَفَتْ في نِظَامِ الغَرْبِ، فَضَاعَتْ وَضَيَّعَتْ، وَوَجَدَتْ نَفْسَهَا سِلْعَةً رَخِيصَةً مِنْ حَيْثُ تَشْعُرُ أَو لَا تَشْعُرُ، وَجَدَتْ نَفْسَهَا أَدَاةً لِمُتْعَةِ الرَّجُلِ، وَمَصْرِفًا لِتَفْرِيغِ غَرَائِزِهِ.

مَكَانَةُ المَرْأَةِ في الإِسْلَامِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: عَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَمَحَارِمَكُمْ أَنَّ الإِسْلَامَ هُوَ الذي كَرَّمَ المَرْأَةَ أَعْظَمَ تَكْرِيمٍ، كَرَّمَهَا بِنِعْمَةِ القُرْآنِ بَعْدَ الإِيمَانِ، وَطَهَّرَهَا وَرَفَعَ مَنْزِلَتَهَا أَيَّمَا رِفْعَةٍ، وَلَمْ تُرْفَعْ مَنْزِلَتُهَا تَحْتَ أَيِّ مِظَلَّةٍ، كَمَا رُفِعَتْ تَحْتَ مِظَلَّةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ؛ لَيْسَ هَذَا فَحَسْبُ، بَلْ أَنْزَلَ اللهُ تعالى فِيهَا سُورَةً كَامِلَةً أَسْمَاهَا سُورَةَ النِّسَاءِ، وَسُورَةً أُخْرَى أَسْمَاهَا سُورَةَ مَرْيَمَ، وَسُورَةً أُخْرَى أَسْمَاهَا سُورَةَ المُجَادِلَةِ.

لَقَدْ رَفَعَ الإِسْلَامُ شَأْنَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ سِلْعَةً رَخِيصَةً مُمْتَهَنَةً لَا قِيمَةَ لَهَا، بَلْ كَانَتْ عَارًا عَلَى وَلِيِّهَا، وَعَلَى أَهْلِهَا، وَعَارًا عَلَى مُجْتَمَعِهَا الذي تَعِيشُ فِيهِ، وَكَانَتِ البَهَائِمُ مُفَضَّلَةً عَلَيْهَا.

ذَكِّرُوا نِسَاءَكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَمَحَارِمَكُمْ بِقَوْلِ اللهِ تعالى عِنْدَمَا حَدَّثَ عَنْ مَاضِي المَرْأَةِ: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾. ذَكِّرُوهُنَّ بِذَلِكَ لِيَحْمَدْنَ اللهَ أَوَّلًا وَآخِرًا، ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عَلَى نِعْمَةِ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ.

أَسْمِعُوهُنَّ تَكْرِيمَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُنَّ لِتَرَدُّنَّ عَلَى دُعَاةِ الإِبَاحِيَّةِ وَالشُّذُوذِ الذي يُسَمُّونَهُ مِثْلِيَةً وَالسُّفُورِ الذينَ تَبَاكَوْا عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ (لَا يُبْغِضْ) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلَّا كَرِيمٌ وَمَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ» رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلْ سَمِعَ الغَرْبُ هَذَا؟ هَلْ سَمِعَ دُعَاةُ التَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ هَذَا؟ هَلْ سَمِعَ أَدْعِيَاءُ الذُّلِّ وَالبَاطِلِ هَذَا؟ بَلْ هَلْ سَمِعَتِ المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ وَغَيْرُ المُسْلِمَةِ هَذَا؟ هَلْ هُنَاكَ مَكَانَةٌ أَعْظَمُ مِنْ مَكَانَةِ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

يَا أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، مَنْ أَنْتُنَّ لَوْلَا الإِسْلَامُ وَالإِيمَانُ وَالقُرْآنُ؟ بِالإِسْلَامِ أَصْبَحْتُنَّ ذَوَاتِ كَرَامَةٍ، بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

يَا أَيَّتُهَا المَرْأَةُ، أَنْتِ المُكَرَّمَةُ، وَالمُقَدَّمَةُ عَلَى الأَبِ في البِرِّ، وَأَنْتِ الزَّوْجَةُ المُكَرَّمَةُ التي أَوْصَى بِكِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتِ البِنْتُ التي اعْتَنَى بِكِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتِ الرَّاعِيَةُ في بَيْتِ زَوْجِكِ، وَأَنْتِ الأُمُّ المُرَبِّيَةُ الفَاضِلَةُ، وَأَنْتِ مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

هَلْ عَرَفْتِ مَنْزِلَتَكِ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْ لَا؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 24/ جمادى الأولى /1445هـ، الموافق: 8/ كانون الأول / 2023م

 2023-12-08
 1979
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

26-07-2024 44 مشاهدة
919ـ خطبة الجمعة: خلق الراعي الأعظم

قَالَ اللهُ تعالى مَادِحًا حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وجَاءَ في الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَتَيْتُ ... المزيد

 26-07-2024
 
 44
18-07-2024 474 مشاهدة
918ـ خطبة الجمعة: المعايير العامة في التعامل مع الآخرين

مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الإِيمَانِ أَنْ يَضَعَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ مَوْضِعَ غَيْرِهِ عِنْدَ التَّعَامُلِ مَعَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ ... المزيد

 18-07-2024
 
 474
12-07-2024 359 مشاهدة
917ـ خطبة الجمعة: نصائح للمرشحين

مِنَ المُسْتَقِرِّ في العُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ نِهَايَةً، وَأَنَّ المَوْتَ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ، إِمَّا إلى جَنَّةٍ وَإِمَّا إلى نَارٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. ... المزيد

 12-07-2024
 
 359
30-05-2024 1860 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 1860
23-05-2024 1671 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 1671
17-05-2024 2022 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 2022

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5619
المقالات 3174
المكتبة الصوتية 4811
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 416306470
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :