929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى.

الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا:

يَا عِبَادَ اللهِ: وَهَذَا الأَدَبُ يَشْمَلُ القَلْبَ وَاللِّسَانَ وَالأَرْكَانَ، فَأَدَبُ القَلْبِ وَهُوَ الأَصْلُ وَالأَسَاسُ لِغَيْرِهِ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ العَبْدُ بِقَلْبِهِ إلى اللهِ تعالى وَحْدَهُ مَحَبَّةً وَخَوْفًا وَرَجَاءً وَتَوَكُّلًا وَاسْتِعَانَةً، وَمِنْ سُوءِ الأَدَبِ أَنْ يَلْتَفِتَ بِقَلْبِهِ لِغَيْرِ اللهِ تعالى، وَكَيْفَ يَلْتَفِتُ بِقَلْبِهِ لِغَيْرِ اللهِ تعالى وَهُوَ خَالِقُهُ وَمُوجِدُهُ وَمُمِدُّهُ، وَأَمْرُهُ كُلُّهُ بِيَدِهِ تَبَارَكَ وتعالى يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَمَا شَاءَ؟

وَأَمَّا أَدَبُ اللِّسَانِ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَقُولَ بِلِسَانِهِ إِلَّا مَا فِيهِ تَعْظِيمٌ لِخَالِقِهِ وَمَوْلَاهُ، وَلَا يَنْطِقَ إِلَّا بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾. وَمِنْ ذَلِكَ ذِكْرُهُ وَتِلَاوَةُ كِتَابِهِ وَتَسْبِيحُهُ.

وَمِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الإِسَاءَةِ: الاسْتِهْزَاءُ بِآيَاتِ اللهِ تعالى، وَسَبُّ آيَاتِهِ وَشَرِيعَتِهِ.

وَأَمَّا آدَابُ الأَرْكَانِ، فَاسْتِخْدَامُهَا فِيمَا يُرْضِي المَوْلَى جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، فَيَجْعَلُ جَمِيعَ أَرْكَانِهِ مُسْتَسْلِمَةً لِأَوَامِرِ اللهِ تعالى، فَلَا يَعْصِي اللهَ تعالى في جَوَارِحِهِ مَا اسْتَطَاعَ إلى ذَلِكَ سَبِيلًا، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾.

وَمِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ سُوءِ الأَدَبِ مَعَ اللهِ تعالى، المُجَاهَرَةُ بِالعِصْيَانِ، وَمُحَارَبَةُ الرَّحْمَنِ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِالأَدَبِ مَعَ اللهِ تعالى بِالقَلْبِ أَوَّلًا، فَنُوقِنُ أَنَّ الفَاعِلَ هُوَ اللهُ تعالى، وَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِالأَدَبِ مَعَ اللهِ بِاللِّسَانِ، وَأَنْ نَسْتَحْضِرَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾.

وَقَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيصْمُتْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَمَنْ أَسَاءَ الأَدَبَ مَعَ اللهِ بِلِسَانِهِ فَلْيَتَذَكَّرْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَيِّدِنَا مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا».

فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟

فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِالأَدَبِ مَعَ اللهِ بِالأَرْكَانِ، فَلَا نَسْتَخْدِمُ هَذِهِ الأَعْضَاءَ الَّتِي وَهَبَنَا اللهُ تعالى إِيَّاهَا إِلَّا وَفْقَ مَا يُرْضِي اللهَ تعالى، فَلَا نَنْظُرُ بِالعَيْنِ إلى مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى، وَلَا نَسْمَعُ بِالأُذُنِ إِلَّا مَا يُرْضِي اللهَ تعالى، وَلَا نَمُدُّ أَيْدِيَنَا إلى مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى، وَلَا نَمْشِي بِأَرْجُلِنَا إلى مَا يُسْخِطُ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 1/ ربيع الآخر /1446هـ، الموافق: 4/ تشرين الأول / 2024م

 2024-10-04
 5240
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-11-2024 3441 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 3441
22-11-2024 1279 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 1279
14-11-2024 1461 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 1461
27-09-2024 3082 مشاهدة
928ـ خطبة الجمعة: الآداب المطلوبة من كل مسلم

لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَتَأَدَّبُ مَعَ حَبِيبِهِ ... المزيد

 27-09-2024
 
 3082
20-09-2024 2224 مشاهدة
927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد

 20-09-2024
 
 2224
13-09-2024 1801 مشاهدة
926ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (2)

العَارُ كُلُّ العَارِ أَنْ لَا يَعْرِفَ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ المَعْرِفَةِ لَمْ يَرْتَبْ وَلَمْ يَشُكَّ في صِدْقِهِ وَفي صِدْقِ مَا جَاءَ ... المزيد

 13-09-2024
 
 1801

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5674
المقالات 3204
المكتبة الصوتية 4879
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 421929748
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :