652ـ خطبة الجمعة: من رُحِمَ في شهر رمضان فهو المرحوم

652ـ خطبة الجمعة: من رُحِمَ في شهر رمضان فهو المرحوم

652ـ خطبة الجمعة: من رُحِمَ في شهر رمضان فهو المرحوم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ عَادَ إِلَيْنَا، وَمَرَّةً أُخْرَى يُنَادِينَا المُنَادِي: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَهَا هُوَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ الغَنِيُّ عَنَّا يُنَادِينَا بِقَوْلِهِ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

مَنْ رُحِمَ في شَهْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ المَرْحُومُ، وَمَنْ حُرِمَ في شَهْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ المَحْرُومُ، وَمَنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ في شَهْرِ رَمَضَانَ الذي غُلَّتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، وَفُتِّحَتْ فِيهِ أَبْوَابُ الجِنَانِ، وَغُلِّقَتْ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، فَهُوَ المَلُومُ.

أَتَـى رَمَـضَانُ مَزْرَعَةُ الـعِـبَادِ   ***   لِتَطْهِيرِ القُلُوبِ مِنَ الفَسَادِ

فَأَدِّ حُـقُـوقَـهُ قـَوْلَاً وَفـِعــْلَاً   ***   وَزَادَكَ فَـاتَّـخِـذْهُ للـمَـعَادِ

فَمَنْ زَرَعَ الحُبُوبَ وَمَا سَقَاهَا    ***   تَأَوَّهَ نَادِمَاً يَـوْمَ الحَـصَـــادِ

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنُسَارِعْ إلى التَّوْبَةِ وَالاصْطِلَاحِ مَعَ اللهِ تعالى، وَاللهُ يَكْفِينَا مَا اقْتَرَفَتْهُ أَيْدِينَا مِنَ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا خَيْرَاً فِيهَا، مَاذَا نَنْتَظِرُ؟

يَـا ذَا الَّذِي مَا كَفَاهُ الذَّنْبُ في رَجَبٍ   ***   حَـتَّـى عَـصَى رَبَّهُ في شَهْرِ شَعْبَانِ

لَـقَـدْ أَظَـلَّـكَ شَـهْرُ الصَّوْمِ بَعْدَهُمَا   ***   فَلَا تُـصَـيِّــرْهُ أَيْضَاً شَهْرَ عِصْيَانِ

وَاتْلُ الـقُـرَانَ وَسَـبِّـحْ فِـيـهِ مُجْتَهِدَاً   ***   فَإِنَّهُ شَهْرُ تَـسْـبِـيـــــــحٍ وَقُرْآنِ

كَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ مَّمَنْ صَـامَ في  سَلَفٍ   ***   مِنْ بَيْنِ أَهْلٍ وَجِـيـرَانٍ وَإِخْــوَانِ

أَفْنَاهُمُ المَوْتُ وَاسْـتَـبْـقَـاكَ بَـعْدَهُمُ   ***   حَيَّاً فَمَا أَقْرَبَ القَاصِي مِنَ الدَّانِـي

فَوَائِدُ شَهْرِ رَمَضَانَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ تعالى بِفَرِيضَةِ صِيَامِ رَمَضَانَ، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

وَللهِ الحَمْدُ أَنَّهُ فَرَضَهُ عَلَيْنَا كَمَا فَرَضَهُ عَلَى الأُمَمِ السَّابِقَةِ، حَتَّى تَبْقَى لَنَا الخَيْرِيَّةُ وَالأَفْضَلِيَّةُ عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ، وَحَتَّى يَصْدُقَ فِينَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ فَوَائِدُهُ كَثِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ وَعَظِيمَةٌ، مِنْ هَذِهِ الفَوَائِدِ:

أولاً: أَنَّهُ سَبَبٌ للمَغْفِرَةِ وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» يَعْنِي إِيمَانَاً بِاللهِ تعالى وَإِيمَانَاً بِفَرْضِيَّةِ صِيَامِهِ، وَاحْتِسَابَاً لِثَوَابِهِ وَأَجْرِهِ، فَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمْعَةُ إِلَى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ».

ثانياً: ثَوَابُ شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يَتَقَيَّدُ بِحَدٍّ مُعَيَّنٍ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ».

وفي رِوَايَةٍ للإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي».

لَقَدْ تَكَفَّلَ اللهُ تعالى بِمُجَازَاةِ الصَّائِمِ عَلَى صِيَامِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصِّيَامَ عِبَادَةٌ بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ إِخْلَاصٍ وَاسْتِجَابَةٍ للهِ تعالى، وَنَصَبٍ وَتَعَبٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَى قَدْرِهِ إِلَّا اللهُ تعالى، فَلِذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ لَهُ أَجْرٌ مَحْدُودٌ يُضَاعَفُ حَتَّى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ إِلَّا الصَّوْمُ فَإِنَ ّأَجْرَهُ بِدُونِ حِسَابٍ.

فَالصِّيَامُ وِقَايَةٌ مِنَ النَّارِ، وَحَاجِزٌ عَنِ ارْتِكَابِ المَعَاصِي وَالآثَامِ، وَأَجْرُ الصَّائِمِ عَلَى اللهِ تعالى.

ثالثاً: صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ يَكُونُ سَبَبَاً للشَّفَاعَةِ، روى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَيُشَفَّعَانِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ أَتَانَا، وَاللهُ يُحِبُّ أَنْ نُرِيَهُ مِنْ أَنْفُسِنَا خَيْرَاً «فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرَاً، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مِنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَلُمُّوا لِمَيْدَانِ التَّنَافُسِ وَالتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 5/ رمضان /1440هـ، الموافق: 10 / أيار / 2019م

 2019-05-10
 4223
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

11-07-2025 47 مشاهدة
947ـ خطبة الجمعة: احذر الغرور ساعة العطاء

أَقْبَحُ وَصْفٍ فِي الإِنْسَانِ العُجْبُ وَالغُرُورُ بِمَا أَسْبَغَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ؛ وَالأَقْبَحُ مِنْهُ مَنْ ظَنَّ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِ وَلَو كَانَ مُقِيمًا عَلَى المَعْصِيَةِ؛ وَالأَقْبَحُ مِنْ ... المزيد

 11-07-2025
 
 47
04-07-2025 400 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 400
25-06-2025 641 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 641
19-06-2025 964 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 964
12-06-2025 1110 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 1110
04-06-2025 437 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 437

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3236
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424831832
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :