149ـ إياكم والتقصير في الدعوة إلى الله تعالى

149ـ إياكم والتقصير في الدعوة إلى الله تعالى

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

149ـ إياكم والتقصير في الدعوة إلى الله تعالى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ إِبْلَاغَ كَلِمَةِ الحَقِّ للنَّاسِ إِعْذَارٌ إلى اللهِ تعالى، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمَاً اللهِ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابَاً شَدِيدَاً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.

فَإِبْلَاغُ النَّاسِ دِينَ اللهِ تعالى يَكُونُ لَنَا عُذْرٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى، وَهَذَا هَدَفٌ عِنْدَ الإِنْسَانِ المُسْلِمِ، وَهَذَا الهَدَفُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، سَوَاءٌ اسْتَجَابَ النَّاسُ أَمْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا، قَبِلُوا الدَّعْوَةَ أَمْ لَمْ يَقْبَلُوهَا؛ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الأَمْرِ أَثَابَهُ اللهُ تعالى عَلَيْهِ في الآخِرَةِ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ في الدُّنْيَا بِمَنْعِ نُزُولِ العِقَابِ العَامِّ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾.

دَعْوة سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَو نَظَرْنَا في حَيَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَوَجَدْنَاهُ أَفْنَى حَيَاتَهُ الشَّرِيفَةِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى عَلَى مُسْتَوَى الأَفْرَادِ وَعَلَى مُسْتَوَى الجَمَاعَةِ، لَقَدْ دَعَا الأُمَّةَ جَمِيعَاً وَأَشْتَاتَاً، بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ.

جَاءَ في كِتَابِ الاسْتِيعَابِ: عَنْ دَاوُدَ بْنِ الحُصَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ: دَخَلْتُ عَلَى خَالَتِي أَعُودُهَا أَرْوَى بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ شَأْنِهِ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ؛ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «مَالَكَ يَا عُثْمَانُ؟».

قُلْتُ: أَعْجَبُ مِنْكَ وَمِنْ مَكَانِكَ فِينَا، وَمَا يُقَالُ عَلَيْكَ.

قَالَ عُثْمَانُ: فَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» فَاللهُ يَعْلَمُ، لَقَدِ اقْشَعْرَرْتُ.

ثُمَّ قَالَ: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾.

ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ، فَخَرَجْتُ خَلْفَهُ وَأَدْرَكْتُهُ فَأَسْلَمْتُ.

دَعْوتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جَاءَ في البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَهُمَا يُصَلِّيَانِ؛ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا مُحَمَّدُ، مَا هَذَا؟

قَالَ: «دِينُ اللهِ الَّذِي اصْطَفَى لِنَفْسِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، فَأَدْعُوكَ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِلَى عِبَادَتِهِ، وَأَنْ تَكْفُرَ بِاللَّاتِ وَالعُزَّى».

فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَسْمَعْ بِهِ قَبْلَ اليَوْمِ، فَلَسْتُ بِقَاضٍ أَمْرَاً حَتَّى أُحَدِّثَ بِهِ أَبَا طَالِبٍ.

فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْشِيَ عَلَيْهِ سَرَّهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْلِنَ أَمْرَهُ.

فَقَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ، إِذَا لَمْ تُسْلِمْ فَاكْتُمْ».

فَمَكَثَ عَلِيٌّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ أَوْقَعَ فِي قَلْبِ عَلِيٍّ الإِسْلَامَ، فَأَصْبَحَ غَادِيَاً إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَهُ فَقَالَ: مَاذَا عَرَضْتَ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ؟

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ وَتَكْفُرُ بِاللَّاتَ وَالعُزَّى، وَتَبْرَأُ مِنَ الأَنْدَادِ».

فَفَعَلَ عَلِيٌّ وَأَسْلَمَ، وَمَكَثَ يَأْتِيهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ أَبِي طَالِبٍ؛ وَكَتَمَ عَلِيٌّ إِسْلَامَهُ وَلَمْ يُظْهِرْهُ.

وروى الإمام أحمد عَنْ حَبَّةَ العُرَنِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّا ضَحِكَ عَلَى المِنْبَرِ لَمْ أَرَهُ ضَحِكَ ضَحِكَاً أَكْثَرَ مِنْهُ، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: ذَكَرْتُ قَوْلَ أَبِي طَالِبٍ، ظَهَرَ عَلَيْنَا أَبُو طَالِبٍ، وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نُصَلِّي بِبَطْنِ نَخْلَةَ، فَقَالَ: مَاذَا تَصْنَعَانِ يَا ابْنَ أَخِي؟

فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلامِ.

فَقَالَ: مَا بِالَّذِي تَصْنَعَانِ بَأْسٌ، أَوْ بِالَّذِي تَقُولَانِ بَأْسٌ، وَلَكِنْ وَاللهِ لَا تَعْلُوَنِي اسْتِي أَبَدَاً، وَضَحِكَ تَعَجُّبَاً لِقَوْلِ أَبِيهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا أَعْتَرِفُ أَنَّ عَبْدَاً لَكَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عَبَدَكَ قَبْلِي غَيْرَ نَبِيِّكَ ـ ثَلاثَ مِرَارٍ ـ لَقَدْ صَلَّيْتُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ سَبْعَاً.

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الإِثْنَيْنِ، وَصَلَّتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا يَوْمَ الإِثْنَيْنِ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، وَصَلَّى عَلِيٌّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، فَمَكَثَ عَلِيٌّ يُصَلِّي مُسْتَخْفِيَاً سَبْعَ سِنِينَ وَأَشْهُرَاً قَبْلَ أَنَ يُصَلِّيَ أَحَدٌ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِيَّايَ وَإِيَّاكُمْ مِنَ التَّقْصِيرِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، كُونُوا دُعَاةً إلى اللهِ تعالى في حِلِّكُمْ وَتَرْحَالِكُمْ، وفي سَائِرِ أَحْوَالِكُمْ، اجْعَلُوا عَمَلَكُمْ دَعْوَةً إلى اللهِ تعالى، اجْعَلُوا دِرَاسَتَكُمْ دَعْوَةً إلى اللهِ تعالى، أَعْطُوا الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عَنْ دِينِكُمْ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

**   **   **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 16/ شوال /1440هـ، الموافق: 20/ حزيران / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1395 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1395
13-02-2020 1956 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1956
23-01-2020 2589 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2589
16-01-2020 990 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 990
09-01-2020 1328 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1328
03-01-2020 1023 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1023

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413012578
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :