671ـ خطبة الجمعة: عناية الله تعالى بعبده

671ـ خطبة الجمعة: عناية الله تعالى بعبده

671ـ خطبة الجمعة: عناية الله تعالى بعبده

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ رَأْسُ السَّنَةِ الهِجْرِيَّةِ قَدْ أَطَلَّتْ عَلَيْنَا، وَالنَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ فِيهَا عَنْ هِجْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالحَدِيثُ عَنِ الهِجْرَةِ الشَّرِيفَةِ يَحْلُو.

عِنَايَةُ اللهِ تعالى بِعَبْدِهِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ حَدَثَ الهِجْرَةِ هِجْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ يُعَلِّمُنَا دَرْسَاً عَمَلِيَّاً، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾. وَمِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾.

حَدَثُ الهِجْرَةِ يُعَلِّمُنَا بِأَنَّ اللهَ تعالى لَا يُسْلِمُ أَوْلِيَاءَهُ لِأَعْدَائِهِ، وَلَا يَخْذُلُ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ، فَهَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَاطَ المُشْرِكُونَ بِبَيْتِهِ إِحَاطَةَ السِّوَارِ بِالمِعْصَمِ، وَفي يَدِ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَيْفٌ صَلْتٌ، يُرِيدُونَ ضَرْبَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنْ يُفَرِّقُوا دَمَهُ بَيْنَ القَبَائِلِ، وَلَكِنْ ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

لَقَدْ خَرَجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَهُوَ ثَابِتُ القَلْبِ، رَابِطُ الجَأْشِ، مُطْمَئِنُّ النَّفْسِ، وَهُوَ يَتْلُو صَدْرَ سُورَةِ ﴿يس﴾ حَتَّى وَصَلَ إلى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدَّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدَّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾. وَالقَوْمُ وُقُوفٌ عَلَى بَابِهِ.

وَأَبُو جَهْلٍ يَقُولُ لِإِخْوَانِهِ مِنْ أَهْلِ الكُفْرِ وَالفِسْقِ وَالفُجُورِ: إِنَّ مُحَمَّدَاً يَزْعُمُ أَنَّكُمْ إنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، فَجُعِلَتْ لَكُمْ جِنَانٌ كَجِنَانِ الْأُرْدُنِّ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَهُ فِيكُمْ ذَبْحٌ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، ثُمَّ جُعِلَتْ لَكُمْ نَارٌ تُحْرَقُونَ فِيهَا. /من سيرة ابن هشام.

يَا عِبَادَ اللهِ: رَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:

وَإِذَا العِنَايَةُ لَاحَظَتْكُ عُيُونُهَا   ***   نَمْ فَالمَخَاوِفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ

اسْمَعُوا يَا عِبَادَ اللهِ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَهَذَا مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ حِفْظِ اللهِ، امْتَثِلُوا أَمْرَهُ يُنْجِزْ لَكُمْ وَعْدَهُ.

الأَمَلُ مِنْ وَسَطِ الأَلَمِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ حَدَثَ الهِجْرَةِ هِجْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا دَرْسَاً بِأَنَّ المُسْلِمَ يَنْظُرُ وَهُوَ في وَسَطِ الأَلَمِ إلى الأَمَلِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا فَقَدَ الأَمَلَ وَلَا في لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ الشَّرِيفَةِ، حَتَّى في هَذِهِ الرِّحْلَةِ الخَطِيرَةِ.

لَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ بِالطَّرِيقَةِ التي عَرَفْنَاهَا، وَهُوَ مَطْلُوبٌ مِنْ قِبَلِ قُرَيْشٍ، لَا يَأْمَنُ عَلَى حَيَاتِهِ وَلَا عَلَى حَيَاةِ أَصْحَابِهِ، وَعِنْدَمَا أَدْرَكَهُ سُرَاقَةُ مَا تَزَعْزَعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ ـ بَلْ عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامَاً بَشَّرَ سُرَاقَةَ، مَا بَشَّرَهُ بِظُهُورِ الإِسْلَامِ عَلَى قُرَيْشٍ وَعَلَى العَرَبِ، بَلْ بَشَّرَهُ بِسُقُوطِ عَرْشِ كِسْرَى تَحْتَ أَقْدَامِ المُسْلِمِينَ، وَأَخْذِ كُنُوزَ كِسْرَى غَنِيمَةً، فَقَالَ لِسُرَاقَةَ: «كَأَنِّي بِكَ وَقَدْ لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِـسْرَى» كذا في البداية والنهاية.

تَفَاؤُلٌ وَأَمَلٌ في أَحْلَكِ الظُّرُوفِ في حَقِّ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ تعالى حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى هُوَ القَائِلُ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾. وَهُوَ القَائِلُ: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: حَدَثُ الهِجْرَةِ يُعَلِّمُنَا دَرْسَاً عَمَلِيَّاً إِذَا كَانَ اللهُ مَعَكَ فَأَنْتَ غَالِبٌ وَلَسْتَ مَغْلُوبَاً، وَأَنْتَ رَابِحٌ وَلَسْتَ خَاسِرَاً.

كَلِمَةُ: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾ يَجِبُ أَنْ نَتَذَوَّقَهَا حَقَّاً وَصِدْقَاً، بَعْدَ أَنْ رَأَيْنَاهَا وَاقِعَاً في هِجْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا رَأَيْنَاهَا وَاقِعَاً في تَوَكُّلِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهُوَ يَهْوِي في قَذِيفَةِ المِنْجَنِيقِ إلى النَّارِ، فَيَقُولُ لَهُ سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا؛ وَقَالَ: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ.

فَصَارَتِ النَّارُ بَرْدَاً وَسَلَامَاً عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

يَا رَبَّنَا وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ حَقَّاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 7/ محرم /1441هـ، الموافق: 6/ أيلول / 2019م

 2019-09-05
 3889
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-11-2024 2292 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 2292
22-11-2024 742 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 742
14-11-2024 920 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 920
04-10-2024 3997 مشاهدة
929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. ... المزيد

 04-10-2024
 
 3997
27-09-2024 2382 مشاهدة
928ـ خطبة الجمعة: الآداب المطلوبة من كل مسلم

لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَتَأَدَّبُ مَعَ حَبِيبِهِ ... المزيد

 27-09-2024
 
 2382
20-09-2024 1697 مشاهدة
927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد

 20-09-2024
 
 1697

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5632
المقالات 3201
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 419947361
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :