685ـ خطبة الجمعة: سبب زوال النعم

685ـ خطبة الجمعة: سبب زوال النعم

685ـ خطبة الجمعة: سبب زوال النعم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّنَا اليَوْمَ يَتَحَدَّثُ عَنِ الغَلَاءِ، وَكُلُّنَا يَتَحَدَّثُ عَنِ الانْهِيَارِ الاقْتِصَادِيِّ، وَكُلُّنَا يَخَافُ مِنَ الفَقْرِ وَيَخْشَاهُ، وَجُلُّنَا رَبَطَ الأَمْرَ بِالدُّولَارِ وَالعُمْلَةِ الصَّعْبَةِ، وَالكَثِيرُ مِنَّا نَسِيَ مَا سَطَّرَهُ رَبُّنَا في كِتَابِهِ العَظِيمِ لِمَنْ كَانَ يَخْشَى الفَقْرَ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقَاً﴾.

فَيَا مَنْ يَخَافُ الفَقْرَ وَيَخْشَاهُ اسْتَحْضِرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلَاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدَاً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: عِوَضَاً مِنَ الحَدِيثِ عَنْ غَلَاءِ الأَسْعَارِ لِيَكُنْ حَدِيثُنَا عَنِ التَّقْوَى وَالإِيمَانِ اللَّذَيْنِ هُمَا سَبَبُ رَغَدِ العَيْشِ، لِيَكُنْ حَدِيثُنَا عَنِ التَّحْذِيرِ مِنْ كُفْرَانِ النِّعَمِ التي هِيَ سَبَبٌ لِزَوَالِ النِّعَمِ، فَأَمْرُنَا بِيَدِ اللهِ تعالى مُدَبِّرِ الأُمُورِ وَمُسَبِّبِ الأَسْبَابِ.

عَدَمُ الإِيمَانِ سَبَبُ زَوَالِ النِّعَمِ:

يَا عِبَادَ اللهِ:إنَّ عَوْدَةً جَادَّةً إلى كِتَابِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ تَجْعَلُنَا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا، وَخَاصَّةً في أَزْمَةِ الحَرْبِ وَالغَلَاءِ، فَلَو رَجَعْنَا إلى كِتَابِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَوَجَدْنَا رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ يُبَيِّنُ لَنَا بَيَانَاً وَاضِحَاً حَالَ الأُمَمِ قَبْلَنَا، وَالعَجَبُ أَنَّهُ مَا مِن أُمَّةٍ أَهْلَكَهَا اللهُ تعالى إِلَّا وَهِيَ في حَالَةِ القَوَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾. هَؤُلَاءِ الذينَ قَالُوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾.

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾. هَؤُلَاءِ الذينَ نَحَتُوا الجِبَالَ، وَبَنَوْا وَشَادُوا المَصَانِعَ.

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾. هَؤُلَاءِ الذينَ قَالَ زَعِيمُهُمْ وَمُجْرِمُهُمُ الذي بَلَغَتْ بِهِ الوَقَاحَةُ وَالجُرْأَةُ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ أَنْ يَقُولَ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾. وَأَنْ يَقُولَ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحَاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾.

هَؤُلَاءِ الأَقْوَامُ قَالَ تعالى في حَقِّهِمْ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾.

لَقَدْ أَخَذَهُمُ اللهُ تعالى في أَوْجِ قُوَّتِهِمْ وَسَطْوَتِهِمْ وَعَظَمَتِهِمْ، ثُمَّ قَالَ مُؤَدِّبَاً للجَمِيعِ، مُؤَدِّبَاً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّعِظَ وَيَعْتَبِرَ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا نَبِيُّنَا وَحَبِيبُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُنَا بِقَوْلِهِ: «فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» رواه الشيخان عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

نَعَمْ، سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي كَانَ يَخْشَى عَلَيْنَا مِنْ أَيِّ ضَرَرٍ وَلَو كَانَ قَلِيلَاً، يَقُولُ لَنَا: «فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ». لَا يَخْشَى عَلَيْنَا مِنَ الفَقْرِ، بَلْ يَخْشَى عَلَيْنَا مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ».

قِيلَ: وَمَا بَرَكَاتُ الأَرْضِ؟

قَالَ: «زَهْرَةُ الدُّنْيَا» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟».

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: عَالِجُوا غَلَاءَ الأَسْعَارِ، عَالِجُوا الانْهِيَارَ الاقْتِصَادِيَّ بِالإِيمَانِ وَتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنَ التَّقْوَى التَّرَاحُمُ «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

اللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عَاجِلَاً غَيْرَ آجِلٍ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 16/ ربيع الثاني /1441هـ، الموافق: 13/ كانون الأول / 2019م

 2019-12-13
 12510
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

11-07-2025 75 مشاهدة
947ـ خطبة الجمعة: احذر الغرور ساعة العطاء

أَقْبَحُ وَصْفٍ فِي الإِنْسَانِ العُجْبُ وَالغُرُورُ بِمَا أَسْبَغَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ؛ وَالأَقْبَحُ مِنْهُ مَنْ ظَنَّ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِ وَلَو كَانَ مُقِيمًا عَلَى المَعْصِيَةِ؛ وَالأَقْبَحُ مِنْ ... المزيد

 11-07-2025
 
 75
04-07-2025 406 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 406
25-06-2025 654 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 654
19-06-2025 979 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 979
12-06-2025 1122 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 1122
04-06-2025 440 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 440

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3236
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424853838
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :