689ـ خطبة الجمعة: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾

689ـ خطبة الجمعة: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾

689ـ خطبة الجمعة: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ في تَقَلُّبِ الدَّهْرِ عَجَائِبَ، وَفي تَغَيُّرِ الأَحْوَالِ مَوَاعِظَ، تَوَالَتْ عَلَيْنَا الهُمُومُ وَالأَحْزَانُ، وَتَوَالَتْ وَتَكَاثَرَتْ عَلَيْنَا النَّكَبَاتُ، وَطَغَتِ المَادَّةُ عَلَى القُلُوبِ حَتَّى مَلَأَتِ القُلُوبَ قَلَقَاً وَاضْطِرَابَاً، وَضَعْفَاً وَهَوَانَاً، وَعَمَّ الخَوْفُ وَالهَلَعُ مِنَ المُسْتَقْبَلِ، وَنَسِيَ الكَثِيرُ رَبَّهُمْ فَنَسِيَهُمُ اللهُ تعالى، مَعَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَذَّرَنَا مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾. وَبِقَوْلِهِ: ﴿نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ﴾. مَعَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.

كُلُّنَا فُقَرَاءُ إلى اللهِ تعالى، في جَمِيعِ شُؤُونِنَا، بَلْ في كُلِّ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ، فُقَرَاءُ إلى اللهِ تعالى في صِحَّتِنَا قَبْلَ سَقَمِنَا، فُقَرَاءُ إلى اللهِ تعالى في غِنَانَا قَبْلَ فَقْرِنَا، فُقَرَاءُ إلى اللهِ تعالى في أَمْنِنَا قَبْلَ خَوْفِنَا، فُقَرَاءُ إلى اللهِ تعالى في حَيَاتِنَا قَبْلَ مَوْتِنَا، وَلَيْسَ لَنَا في الحَقِيقَةِ إِلَّا اللهُ تعالى.

﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ طَلَبَ مِنَّا الغَنِيُّ عَنَّا أَنْ نَفِرَّ إِلَيْهِ تعالى ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾ فَالفَرَارُ إلى اللهِ تعالى وَاللُّجُوءُ إِلَيْهِ في كُلِّ حَالٍ وَفي كُلِّ كَرْبٍ وَفي كُلِّ هَمٍّ وَغَمٍّ هُوَ السَّبِيلُ للتَّخَلُّصِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَمٍّ وَغَمٍّ وَكَرْبٍ وَبَلَاءٍ وَغَلَاءٍ وَتَسَلُّطٍ مِنَ الأَعْدَاءِ.

الفَرَارُ إلى اللهِ تعالى هو السَّبِيلُ الوَحِيدُ للتَّخَلُّصِ مِنَ الضَّعْفِ، وَالفُتُورِ وَالذُّلِّ وَالهَوَانِ.

فَيَا صَاحِبَ المَصَائِبِ وَالرَّزَايَا، فِرَّ إلى اللهِ تعالى.

يَا صَاحِبَ المَصَائِبِ والمِحَنِ وَالبَلَايَا، فِرَّ إلى اللهِ تعالى.

يَا صَاحِبَ العَيْنِ البَاكِيَةِ وَالقَلْبِ الحَزِينِ، فِرَّ إلى اللهِ تعالى.

أَيْنَ إِيمَانُنَا بِاللهِ تعالى الفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ، الذي يَقُولُ للشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ، وَالذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالذي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ؟

أَيْنَ تَوَكُّلُنَا عَلَى اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾. وَالقَائِلِ: ﴿وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾؟

أَيْنَ يَقِينُنَا بِاللهِ تعالى الذي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ؟

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

وَإِذَا عَــرَتْكَ بَلِيَّةٌ فَاصْبِرْ لَهَا   ***   صَـبْـرَ الــــكَرِيمِ فَإِنَّهُ بِكَ أَعْلَمُ

وَإِذَا شَكَوْتَ إِلَى ابْنِ آدَمَ إِنَّمَا   ***   تَشْكُو الرَّحِيمَ إِلَى الَّذِي لَا يَرْحَمُ

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِكُلِّ مَرِيضٍ: وَلِكُلِّ مَدِينٍ: وَلِكُلِّ مَكْرُوبٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَلِكُلِّ مُعْسِرٍ، وَلِكُلِّ فَقِيرٍ، وَلِكُلِّ مَحْرُومٍ، وَلِكُلِّ صَاحِبِ حَاجَةٍ، وَلِكُلِّ مَنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، اشْكُ أَمْرَكَ إلى مَنْ قَالَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.

اشْكُ أَمْرَكَ إلى مَنْ قَالَ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

قَوِّ صِلَتَكَ مَعَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامَاً﴾.

قَوِّ صِلَتَكَ مَعَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾.

خَاطِبْ مَوْلَاكَ عَزَّ وَجَلَّ قَائِلَاً لَهُ:

أَنْـتَ المَلَاذُ إِذَا مَا أَزْمَةٌ شَمِلَتْ    ***   وَأَنْتَ مَلْجَأُ مَـنْ ضَاقَتْ بِهِ الْحِيَلُ

أَنْـتَ المُنَادَى بِهِ فِي كُــلِّ حَادِثَةٍ   ***   أَنْتَ الْإِلَهُ وَأَنْــتَ الذُّخْرُ وَالأَمَلُ

أَنْتَ الغِيَاثُ لِمَنْ سُدَّتْ مَذَاهِبُهُ   ***   أَنْتَ الدَّلِيلُ لِمَنْ ضَـلَّـتْ بِهِ السُّبُلُ

إِنَّـا قَـصَـدْنَـاكَ وَالآمَالُ وَاقِعَةٌ   ***   عَـلَـيْـكَ وَالكُلُّ مَلْهُوفٌ وَمُبْتَهِلُ

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

كَـمْ حَارَبَتْنِي شِدَّةٌ بِجَيْشِهَا    ***   فَضَاقَ صَدْرِي مِنْ لِقَاهَا وَانْزَعَجْ

حَـتَّى إِذَا أَيِسْتُ مِـنْ زَوَالِهَا   ***   جَـاءَتْنِي الأَلْطَافُ تَسْعَى بِالفَـرَجْ

يَا رَبِّ، عَجِّلْ بِالفَرَجِ عَنِ الأُمَّةِ كُلِّهَا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 15/ جمادى الأولى /1441هـ، الموافق: 10/ كانون الثاني / 2020م

 2020-01-10
 17057
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

24-04-2025 119 مشاهدة
935ـ خطبة الجمعة: سلامة الصدر نعمة ربانية

مِنْ أَهَمِّ مَا يُمَيِّزُ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ، أَنَّهَا أُمَّةٌ مُتَوَادَّةٌ مُتَرَاحِمَةٌ مُتَكَاتِفَةٌ مُتَحَابَّةٌ، تَبْنِي أَفْرَادَهَا، وَتُقِيمُ مُجْتَمَعَاتِهَا عَلَى أُسُسِ التَّعَاوُنِ المُشْتَرَكِ، وَالتَّقْدِيرِ وَالاحْتِرَامِ ... المزيد

 24-04-2025
 
 119
17-04-2025 289 مشاهدة
934ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (2)

لَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ، وَوَعْدُهُ تَعَالَى لَا يُخْلَفُ، بَلْ أَوْضَحَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ أَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ ... المزيد

 17-04-2025
 
 289
10-04-2025 628 مشاهدة
933ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (1)

مِنَ المَعْلُومِ عِنْدَ كُلِّ إِنْسَانٍ مُسْلِمٍ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعَدَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرَ هَذَا الدِّينَ، وَأَنْ يُمَكِّنَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ... المزيد

 10-04-2025
 
 628
28-11-2024 4084 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 4084
22-11-2024 1522 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 1522
14-11-2024 1778 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 1778

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5682
المقالات 3210
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422766544
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :