168ـ حفظ الله تعالى لرسوله    من الخطأ (5)

168ـ حفظ الله تعالى لرسوله    من الخطأ (5)

168ـ حفظ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من الخطأ (5)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

الوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ مُوَافَقَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَخْذِ الفِدَاءِ مِنَ الأَسْرَى، فِيهِ حِكْمَةٌ رَشِيدَةٌ وَخِطَّةٌ سَدِيدَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ الذي يَنْزِلُ بَعدَهُ:

إِمَّا: أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى فِعْلِهِ فَهُوَ المَقْصُودُ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَالحَمْدُ للهِ.

وَإِمَّا: أَنْ يَأْمُرَهُ بِرَدِّ الفِدَاءِ وَضَرْبِ الرِّقَابِ، فَحِينَذَاكَ يَرُدُّ الفِدَاءَ عَلَى الأَسْرَى، وَيَضْرِبُ الرِّقَابَ.

وَلَكِنْ لَوْ كَانَ ضَرَبَ أَعْنَاقَ الأَسْرَى، وَجَاءَ الشَّرْعُ بَعْدُ بِقَبُولِ الفِدَاءِ مِنْهُمْ، فَمَاذَا يَعْمَلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ؟ فَكَانَ تَرَيُّثُهُ في القَتْلِ هُوَ عَيْنُ الحِكْمَةِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَلِذَا أَقَرَّهُ سُبْحَانَهُ وَشَرَعَهُ.

وَفِي أَحْكَامِ القُرْآنِ للقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ العَرَبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدِ اخْتَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفِدَاءَ مَعَ الصَّحَابَةِ الذينَ اخْتَارُوا الفِدَاءَ، فَهَلْ يَكُونُ ذَنْبَاً مِنْهُ؟

قُلْنَا: كَذَلِكَ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ مَعْصِيَةً غَيْرَ مَعْنِيَّةٍ.

قَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَحَاشَا للهِ مِنْ هَذَا القَوْلِ، إِنَّمَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَوَقُّفٌ وَانْتِظَارٌ ـ أَيْ: لِأَن يَحْكُمَ اللهُ تعالى في ذَلِكَ ـ وَلَمْ يَكُنِ القَتْلُ لِيَفُوتَ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا الصَّنَادِيدَ، وَأَثْخَنُوا في الأَرْضِ ـ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا مِنْ صَنَادِيدِ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ، ثُمَّ أَسَرُوا سَبْعِينَ ـ فَانْتَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: هَلْ ذَلِكَ كَافٍ ـ أَيْ: في الإِثْخَانِ ـ أَمْ لَا؟ وَهَذَا بَيِّنٌ عِنْدَ أَهْلِ الإِنْصَافِ. اهـ.

الوَجْهُ التَّاسِعُ: كَيْفَ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ في أَسْرَى بَدْرٍ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ أَنْ يُخَيِّرَ أَصْحَابَهُ في ذَلِكَ، ثُمَّ عَمِلَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ.

فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ، بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ تعالى وَجْهَهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُ: «خَيِّرْ أَصْحَابَكَ فِي الْأُسَارَى إِنْ شَاؤُوا الْقَتْلَ، وَإِنْ شَاؤُوا الْفِدَاءَ، عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ ـ أَي: الصَّحَابَةُ ـ في العَامِ المُقْبِلِ مِثْلَهُمْ.

فَقَالُوا: نَخْتَارُ الْفِدَاءُ وَيُقْتَلُ مِنَّا ـ أَيْ: يُقْتَلُ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَغْبَةً في الشَّهَادَةِ في سَبِيلِ اللهِ تعالى ـ.

وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ: فَقَالُوا: بَلْ نُفَادِيهِمْ، فَنَقْوَى بِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَيَدْخُلُ العَامَ القَابِلَ مِنَّا الجَنَّةَ سَبْعُونَ؛ فَفَادُوهُمْ.

قَالَ الحَافِظُ القَسْطَلَانِيُّ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا مَا أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ. اهـ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الوَجْهُ العَاشِرُ: كَيْفَ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ في قَبُولِ الفِدَاءِ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، فَادَى سَرِيَّةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، التي قُتْلَ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الحَضْرَمِيِّ، وَلَمْ يَعْتِبِ اللهُ تعالى عَلَيْهِ في ذَلِكَ.

فَقَدْ جَاءَ في السِّيَرَ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ في سَرِيَّةٍ يَعْتَرِضُ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ، فَنَزَلُوا بَطْنَ نَخْلَةَ ـ مَوْضِعَاً قَرِيبَاً مِنْ مَكَّةَ ـ فَقَتَلُوا عَمْرَو بْنَ الحَضْرَمِيَّ وَأَسَرُوا عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، وَالحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ، وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ، فَاسْتَاقُوا البَعِيرَ.

وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في فِدَاءِ الأَسِيرَيْنِ، وَهُمَا: عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَالحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا نَفْدِيكُمُوهُمَا حَتَّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا ـ يَعْنِي سَعْدَاً وَعُتْبَةَ ـ (أَيْ: لِأَنَّهُمَا كَانَا في السَّرِيَّةِ، وَلَكِنَّهُمَا تَأَخَّرَا في العَوْدَةِ) فَإِنَّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ».

فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ بَعْدَهُمْ بِأَيَّامٍ فَفَدَاهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ بِأَرْبَعِينَ أَوقِيَةً.

فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدَاً.

وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرَاً.

وَلَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ في رَجَبٍ، وَقِيلَ في جُمَادَى الآخِرَةِ، وَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ في رَمَضَانَ، وَكِلَاهُمَا في ثَانِيَةِ الهِجْرَةِ، فَمَا عَتِبَ اللهُ تعالى عَلَى أَخْذِ الفِدَاءِ في تِلْكَ السَّرِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ مَمْنُوعَاً لَعَتِبَ سُبْحَانَهُ (رَاجِعِ المَوَاهِبَ وَشَرْحَهَا وَشَرْحَ الشِّفَا للقَاضِي عِيَاضٌ).

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 18/ جمادى الأولى /1441هـ، الموافق: 13/ كانون الثاني / 2020م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  من كتاب سيدنا محمد رسول الله   

20-03-2021 2696 مشاهدة
203ـ تمسح الملائكة بالقبر الشريف

رَوَى الدَّارَمِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ كَعْبَاً ـ أَيْ: كَعْبَ الأَحْبَارِ ـ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ كَعْبٌ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَطْلُعُ ... المزيد

 20-03-2021
 
 2696
12-03-2021 1503 مشاهدة
202ـ إفاضة القبر الشريف بالأسرار والأنوار

بَابُ مَا أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ المَدِينَةِ قَحْطَاً شَدِيدَاً، ... المزيد

 12-03-2021
 
 1503
19-02-2021 1015 مشاهدة
201ـ بكاء الصحابة لتذكرهم عهوده صلى الله عليه وسلم

عَادَ خَبَّابَاً نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَبْشِرْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَوْضَ! ... المزيد

 19-02-2021
 
 1015
20-11-2020 4216 مشاهدة
200ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (2)

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ... المزيد

 20-11-2020
 
 4216
13-11-2020 1941 مشاهدة
199ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ ... المزيد

 13-11-2020
 
 1941
06-11-2020 1004 مشاهدة
198ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (5)

بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِأَلَمِ فِرَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ مَجَالِسِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ... المزيد

 06-11-2020
 
 1004

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414000167
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :