703ـ خطبة الجمعة: يا من طالت غيبته وخسارته

703ـ خطبة الجمعة: يا من طالت غيبته وخسارته

703ـ خطبة الجمعة: يا من طالت غيبته وخسارته

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَهَلَّ عَلَيْنَا شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهَا نَحْنُ نَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالْإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ».

«اللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللهُ».

«هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكَ ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا، وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا».

اللَّهُمَّ كَمَا أَرَيْتَنَا أَوَّلَهُ فَأَرِنَا آخِرَهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوَّلَهُ بِدَايَةَ خَيْرٍ وَسُرُورٍ وَفَرَحٍ لِأُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَفْرِيجِ كُرَبِهَا، وَحَقْنِ دَمَائِهَا، وَسَتْرِ أَعرَاضِهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَاجْعَلْ نِهَايَتَهُ نِهَايَةً لِهَذِه الأَزْمَةِ التي أَحْرَقَتِ القُلُوبِ، وَأَدْمَعَتِ العيُونَ، وَشَتَّتَتْ شَمْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ مَزْرَعَةٌ للإِنْسَانِ المُسْلِمِ، يَغْتَنِمُهُ مِنْ أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِهِ، يُؤَدِّي الذي عَلَيْهِ فِيهِ، وَيَنْتَظِرُ وَعْدَ اللهِ تعالى الذي لَا يُخْلَفُ للصَّائِمِينَ، وَمِنْ وَعْدِ اللهِ تعالى للصَّائِمِينَ:

أولًا: للصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ.

ثانيًا: لَا يَعْلَمُ أَجْرَ الصَّائِمِ إِلَّا اللهُ تعالى.

ثالثًا: دُخُولُ الجَنَّةِ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَهُوَ خَاصٌّ للصَّائِمِينَ، وَمَنْ دَخَلَهُ لَا يَظْمَأُ أَبَدًا.

رابعًا: وِقَايَةُ اللهِ تعالى للصَّائِمِينَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ.

خامسًا: الصِّيَامُ شَفِيعٌ يَوْمَ القِيَامَةِ للصَّائِمِينَ.

سادسًا: دُعَاءُ الصَّائِمِ مُسْتَجَابٌ.

وَيَكْفِي الصَّائِمَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رَبَّكُمْ يَقُولُ: كُلُّ حَسَنَةٍ بِـعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

تَوِّجُوا صِيَامَكُمْ بِالأَخْلَاقِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: تَعَالَوا لِنُعْطِ الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عَنْ عِبَادَتِنَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَعَالَوا لِنَعْرِضْ إِسْلَامَنَا العَمَلِيَّ عَرْضًا حَسَنًا، فَكُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الإِسْلَامِ.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى ثَغْرَةٍ مِنْ ثُغَرِ الإِسْلَامِ، اللهَ اللهَ أَنْ يُؤْتَى الإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِكَ» رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة.

تَوِّجْ صِيَامَكَ يَا أَخِي بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، فَإِنَّ الخُلُقَ الحَسَنَ مَا وُجِدَ في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا فُقِدَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، تَفَقَّدِ الأَخْلَاقَ الحَسَنَةَ بَيْنَ جَوَانِحِكَ مَعَ زَوْجَتِكَ وَأَوْلَادِكَ وَالنَّاسِ جَمِيعًا، لَا تُبَرِّرْ سُوءَ الأَخْلَاقِ بِسَبَبِ الصِّيَامِ، فَالصِّيَامُ يُهَذِّبُ الأَخْلَاقَ، يَضْبِطُ النَّفْسَ الأَمَّارَةَ، إِنْ قُوبِلْتَ بِالإِسَاءَةِ مِنْ أَيِّ مَخْلُوقٍ فَاكْظِمْ غَيْظَكَ، وَخُذْ بِوَصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَو شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ» رواه الإمام البخاري. فَلَا تُضَيِّعْ صِيَامَكَ بِسُوءِ الأَخْلَاقِ.

لِتُصَوِّمْ جَوَارِحَكَ عَنِ المَعَاصِي، كَمَا صَامَ فَمُكَ وَفَرْجُكَ عَنِ الطَّعَامِ وَالمُعَاشَرَةِ، وَتَذَكَّرْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ».

قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ للهِ.

قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ» رواه الإمام أحمد والترمذي.

احْفَظْ سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ وَلِسَانَكَ وَفُؤَادَكَ مِنْ كُلِّ مُخَالَفَةٍ وَمَعْصِيَةٍ، لِأَنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى يَنْتَهِي أَجَلُكَ، فَقَدْ يُخْتَمُ للعَبْدِ عَلَى المَعْصِيَةِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى مِنْ سُوءِ الخَاتِمَةِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ حُسْنَ الخَاتِمَةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: فَيَا مَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ وَإِعْرَاضُهُ عَنِ اللهِ تعالى، هَا هِيَ أَيَّامُ المُصَالَحَةِ.

وَيَا مَنْ دَامَتْ خَسَارَتُهُ وَكَثُرَتْ، هَا هِيَ أَيَّامُ التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ قَدْ أَقْبَلَتْ.

لِنَسْمَعْ جَمِيعَاً النِّدَاءَ في شَهْرِ رَمَضَانَ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ؛ لِنَسْمَعْ نِدَاءَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ يُخَاطِبُنَا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.

فَيَا أَيُّهَا الفُقَرَاءُ إلى اللهِ، وَكُلُّنَا فُقَرَاءُ: لِنُقْبِلْ عَلَى اللهِ تعالى في هَذَا الشَّهْرِ تَائِبِينَ مُنِيبِينَ لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِمَقَامِ مَنْ قَالَ فِيهِمْ: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

أُنَاسٌ أَعْـرَضُوا عَـنَّا    ***   بِـلَا جُرْمٍ وَلَا مَعْنَى

أَسَاؤُوا ظَـنَّـهُمْ فِـينَا    ***   فَهَلَّا أَحْسَنُوا الظَّنَّا

فَإِنْ كَانُوا قَدِ اسْتَغْنَوْا   ***   فَإِنَّا عَنْهـــُمُ أَغْنَى

تَعَالَوا بِنَا نَصْطَلِحْ فَبَابُ الرِّضَا قَدْ فُتِحَ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى الصُّلْحَ مَعَهُ وَصِدْقَ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 1/ رمضان /1441هـ، الموافق: 24/ نيسان / 2020م

 2020-04-24
 2239
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

21-09-2023 468 مشاهدة
887ـ خطبة الجمعة: اختياره صلى الله عليه وسلم من الأزل

في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ يَتَجَدَّدُ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ حُبُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي هُوَ أَصْلُ شَرَفِنَا وَمَصْدَرُ فَخْرِنَا وَعِزِّنَا في هَذَا العَالَمِ. نَعَمْ، ... المزيد

 21-09-2023
 
 468
16-09-2023 422 مشاهدة
886ـ خطبة الجمعة: لا تتعجبوا من البلاء وشدته

يَا مَنْ أَكْرَمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِالانْتِمَاءِ لِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَجَعَلَ هُوِيَّتَنَا الإِسْلَامَ وَالإِيمَانَ بِاللهِ تعالى وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، يَا مَنْ أَكْرَمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَجَعَلَنَا عَلَى بَصِيرَةٍ ... المزيد

 16-09-2023
 
 422
08-09-2023 484 مشاهدة
885ـ خطبة الجمعة: هل فقدت المرأة هويتها؟

فَقْدُ الهُوِيَّةِ وَضَيَاعُهَا هِيَ مَأْسَاتُنَا في هَذِهِ الآوِنَةِ، لَقَدْ أَضَاعَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ هُوِيَّتَهُمُ التي مَيَّزَهُمُ اللهُ تعالى بِهَا، وَشَرَّفَهُمْ بِهَا، فَقَدُوهَا شَكْلًا وَمَضْمُونًا، لَقَدْ ضَيَّعَ بَعْضُهُمْ شَرَفَ ... المزيد

 08-09-2023
 
 484
31-08-2023 1271 مشاهدة
884ـ خطبة الجمعة: مأساتنا فقد هويتنا

هَلْ خَطَرَ عَلَى بَالِ أَحَدِنَا أَنْ يَتَسَاءَلَ مَعَ نَفْسِهِ: مَنْ أَنَا؟ وَمَا هُوِيَّتِي؟ قَدْ يَسْتَغْرِبُ الجَمِيعُ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ، لِأَنَّ الجَوَابَ يَأْتِي مُبَاشَرَةً: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، أَنَا المُهَنْدِسُ، أَنَا الطَّبِيبُ، ... المزيد

 31-08-2023
 
 1271
24-08-2023 1785 مشاهدة
883ـ خطبة الجمعة: تحمل الصعاب سبيل الوصول إلى الجنة

نَحْنُ في أَيَّامِ فِتَنٍ وَمِحَنٍ وَعَقَبَاتٍ كَبِيرَةٍ، وَمَشَقَّاتٍ صَعْبَةٍ، تَعْصِفُ بِالأُمَّةِ عَصْفًا، فَالمُؤْمِنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صُلْبًا في إِيمَانِهِ دَائِمًا وَأَبَدًا، وَيَسْتَحْضِرَ سَاعَةَ الوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ ... المزيد

 24-08-2023
 
 1785
17-08-2023 1736 مشاهدة
882ـ خطبة الجمعة: الفوز الحقيقي

الخُسْرَانُ كُلُّ الخُسْرَانِ أَنْ تَكُونَ صِلَةُ العَبْدِ بِرَبِّهِ هَزِيلَةً وَمُتَقَلِّبَةً، إِنْ رَأَى خَيْرًا اطْمَأَنَّ، وَإِلَّا أَعْرَضَ وَاعْتَرَضَ، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ... المزيد

 17-08-2023
 
 1736

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5600
المقالات 3112
المكتبة الصوتية 4650
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 410681454
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :