30ـ الحكم التكليفي وأقسامه

30ـ الحكم التكليفي وأقسامه

30ـ الحكم التكليفي وأقسامه

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: انْتَهَيْنَا في الدَّرْسِ المَاضِي مِنْ ذِكْرِ سُنَنِ الوُضُوءِ، وَاليَوْمَ نَنْتَقِلُ إلى مَكْرُوهَاتِ الوُضُوءِ.

قَبْلَ الحَدِيثِ عَنْ هَذَا نَذْكُرُ بِأَنَّ الحُكْمَ التَّكْلِيفِيَّ يَنْقَسِمُ إلى أَنْوَاعٍ خَمْسَةٍ:

الأَوَّلُ: الفَرْضُ: هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ مِنَ المُكَلَّفِ طَلَبًا حَتْمًا وَمُلْزِمًا، وَيَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ الإِتْيَانُ بِهِ، وَيُثَابُ فَاعِلُهُ، وَيُعَاقَبُ تَارِكُهُ، وَيَكْفُرُ مَنْ أَنْكَرَهُ إِذَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ.

الثَّانِي: السُّنَّةُ: تُقْسَمُ إلى قِسْمَيْنِ:

أ ـ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَو سُنَّةُ الهُدَى، وَهِيَ التي لَا يَسْتَحِقُّ تَارِكُهَا العِقَابَ، وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ اللَّوْمَ، وَالعِتَابَ، وَيُثَابُ فَاعِلُهَا.

ب ـ سُنَّةٌ غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ، وَهِيَ التي يُثَابُ فَاعِلُهَا، وَلَا يَسْتَحِقُّ تَارِكُهَا عِقَابًا وَلَا لَوْمًا وَلَا عِتَابًا.

وَأَلْحَقَ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ بِالسُّنَّةِ المَنْدُوبَ، وَهُوَ كُلُّ أَمْرٍ فَعَلَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِحَسَبِ العَادَةِ، كَالاقْتِدَاءِ بِأَكْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَشُرْبِهِ، وَاتِّبَاعِ طَرِيقَتَهُ في مَشْيِهِ وَنَوْمِهِ.

وَفَاعِلُ المَنْدُوبِ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ الاقْتِدَاءَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ تَارِكُهُ اللَّوْمَ وَلَا العِتَابَ.

الثَّالِثُ: الحَرَامُ: هُوَ مَا حَكَمَ الشَّارِعُ بِتَحْرِيمِهِ ابْتِدَاءً وَمِنْ أَوَّلِ الأَمْرِ، لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَفْسَدَةٍ رَاجِعَةٍ إلى ذَاتِهِ، فَإِذَا فَعَلَهُ المُكَلَّفُ وَقَعَ بَاطِلًا، لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرٌ مِنَ الآثَارِ المَحْمُودَةِ وَالمَنَافِعِ المَقْصُودَةِ، عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ: الزِّنَا، لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَالإِرْثِ.

وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا لِغَيْرِهِ، كَالصَّلَاةِ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ، وَالبَيْعِ الذي فِيهِ غِشٌّ؛ وَحُكْمُهُ: أنَّهُ مَشْرُوعٌ بِذَاتِهِ، وَغَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ.

وَحُكْمُ الحَرَامِ: فَاعِلُهُ آثِمٌ، وَمُعَاقَبٌ عَلَيْهِ، وَمَنِ اسْتَحَلَّهُ يَكْفُرُ إِذَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِالدَّلِيلِ القَطْعِيِّ.

الرَّابِعُ: المَكْرُوهُ: هُوَ مَا طَلبَ الشَّارِعُ تَرْكَهُ لَا عَلَى وَجْهِ الحَتْمِ وَالإِلْزَامِ، تَارِكُهُ يُمْدَحُ وَيُثَابُ، وَفَاعِلُهُ يَسْتَحِقُّ اللَّوْمَ وَالعِتَابَ؛ وَهُوَ يُقْسَمٌ إلى قِسْمَيْنِ:

أ ـ المَكْرُوهُ تَحْرِيمًا، وَهُوَ مَا طَلبَ الشَّارِعُ تَرْكَهُ عَلَى وَجْهِ الحَتْمِ وَالإِلْزَامِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، مِثْلُ البَيْعِ عَلَى بَيْعِ الغَيْرِ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الحَرَامِ، وَفَاعِلُهُ يَسْتَحِقُّ العِتَابَ وَالذَّمَّ، وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ.

ب ـ المَكْرُوهُ تَنْزِيهًا، وَهُوَ مَا طَلبَ الشَّارِعُ تَرْكَهُ لَا عَلَى وَجْهِ الحَتْمِ وَالإِلْزَامِ، كَالوُضُوءِ مِنْ سُؤْرِ الهِرَّةِ، وَفَاعِلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ عِقَابًا وَلَا ذَمًّا، لَكِنَّهُ يَكُونُ خِلَافَ الأَوْلَى.

خَامِسًا: المُبَاحُ: هُوَ مَا خَيَّرَ الشَّارِعُ المُكَلَّفَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، أَو هُوَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ، وَلَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ عَلَى فِعْلِهِ أَو تَرْكِهِ، إِلَّا إِذَا نَوَى فَاعِلُهُ نِيَّةً صَالِحَةً فِيهِ، فَيُكْتَبُ لَهُ الأَجْرُ عَلَى نِيَّتِهِ.

فَالمُبَاحُ هُوَ مَا سَكَتَ عَنْهُ الشَّرْعُ، فَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، فَمَنْ فَعَلَهُ لَا يُلَامُ وَلَا يُعَاتَبُ، وَمَنْ تَرَكَهُ كَذَلِكَ؛ قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ قَدْ يَكُونُ فَرْضًا، أَو وَاجِبًا، أَو سُنَّةً ﴿وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا، أَو مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَو تَنْزِيهٍ.

وَأَمَّا مَا سَكَتَ عَنْهُ الشَّارِعُ فَهُوَ مُبَاحٌ، لَا يُنْكَرُ عَلَى فَاعِلِهِ إِلَّا إِذَا قَالَ: هَذَا مِنَ السُّنَّةِ، لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَا يُنْكَرُ عَلَى تَارِكِهِ إِلَّا إِذَا قَالَ: هَذَا ـ يَعْنِي التَّرْكَ ـ مِنَ السُّنَّةِ، لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عِنْدَهُ. هذا، والله تعالى أعلم.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَقِّهَنَا في الدِّينِ، وَيُعَلِّمَنَا التَّأْوِيلَ، وَيَرْزُقَنَا العَمَلَ بِمَا نَعْلَمُ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 25/ صفر /1442هـ، الموافق: 12/تشرين الأول / 2020م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الفقه الإسلامي

26-10-2020 1109 مشاهدة
32ـ نواقض الوضوء (1)

النَّوَاقِضُ جَمْعُ نَاقِضٍ أَو نَاقِضَةٍ. يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ في الأَجْسَامِ، وَفي المَعَانِي، فَإِذَا اسْتُعْمِلَ في الأَجْسَامِ فَالمُرَادُ بِهِ: إِبْطَالُ تَأْلِيفِهَا، كَنَقْضِ الحَائِطِ. وَإِذَا اسْتُعْمِلَ في المَعَانِي كَانَ ... المزيد

 26-10-2020
 
 1109
19-10-2020 6142 مشاهدة
31ـ مكروهات الوضوء

مَكْرُوهَاتُ الوُضُوءِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ نَوْعَانِ، مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَهُوَ مَا كَانَ إلى الحَرَامِ أَقْرَبَ، وَتَرْكُهُ وَاجِبٌ، وَهُوَ المُرَادُ عِنْدَهُمْ حَالَةَ الإِطْلَاقِ. وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَهُوَ مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى ... المزيد

 19-10-2020
 
 6142
05-10-2020 657 مشاهدة
29ـ سنن الوضوء (6)

لَقَدْ تَقَدَّمَ مَعَنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ بَعْضًا مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ، وَهِيَ النِّيَّةُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ، ثُمَّ غَسْلُ اليَدَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ، ثُمَّ المَضْمَضَةُ، ثُمَّ الاسْتِنْشاقُ، ثُمَّ الاسْتِنْثَارُ، ... المزيد

 05-10-2020
 
 657
22-09-2020 779 مشاهدة
28ـ سنن الوضوء (5)

قَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ بَعْضًا مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ، وَهِيَ النِّيَّةُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ، ثُمَّ غَسْلُ اليَدَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ، ثُمَّ المَضْمَضَةُ، ثُمَّ الاسْتِنْشاقُ، ثُمَّ الاسْتِنْثَارُ، ... المزيد

 22-09-2020
 
 779
11-06-2020 1344 مشاهدة
27ـ سنن الوضوء (4)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ بَعْضًا مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ، وَهِيَ النِّيَّةُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ، ثُمَّ غَسْلُ اليَدَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ، ثُمَّ المَضْمَضَةُ، ثُمَّ الاسْتِنْشاقُ، ثُمَّ الاسْتِنْثَارُ، ... المزيد

 11-06-2020
 
 1344
11-06-2020 999 مشاهدة
26ـ سنن الوضوء (3)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدَّرْسَيْنِ المَاضِيَيْنِ عَشَرَةً من سُنَنَ الوُضُوءِ، الأُولَى النِّيَّةُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ، ثُمَّ غَسْلُ اليَدَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ، ثُمَّ المَضْمَضَةُ، ثُمَّ الاسْتِنْشاقُ، ثُمَّ الاسْتِنْثَارُ، ... المزيد

 11-06-2020
 
 999

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413108521
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :