781ـ خطبة الجمعة: علاج واقعنا المرير

781ـ خطبة الجمعة: علاج واقعنا المرير

781ـ خطبة الجمعة: علاج واقعنا المرير

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: وَاقِعُ الأُمَّةِ مَرِيرٌ لَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهُ، كَمَا لَا يُمْكِنُ تَجَاهُلُهُ، وَاقِعُ الأُمَّةِ يُحْزِنُ القَلْبَ وَيُدْمِعُ العَيْنَ، ظُلْمٌ وَقَهْرٌ، غَلَاءٌ مَعَ قِلَّةِ الدَّخْلِ، مَعَ الأَمْرَاضِ وَالأَسْقَامِ وَالأَوْجَاعِ، ضَاقَ الخِنَاقُ، وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ.

هَلْ هَذَا الوَاقِعُ المَرِيرُ يُبِيحُ للإِنْسَانِ المُؤْمِنِ أَنْ يَعِيشَ حَيَاةَ اليَائِسِينَ؟ هَلْ يُبِيحُ هَذَا الوَاقِعُ المَرِيرُ للإِنْسَانِ المُؤْمِنِ أَنْ يَتَزَعْزَعَ إِيمَانُهُ، وَيَشُكَّ في وَعْدِ اللهِ تعالى؟

مَنْ عَاشَ في هَذَا الوَاقِعِ المَرِيرِ حَيَاةَ اليَائِسِينَ، وَتَزَعْزَعَ إِيمَانُهُ، وَشَكَّ في وَعْدِ اللهِ تعالى فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَفي الحَقِيقَةِ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِخَسَارَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

عِلَاجُ وَاقِعِنَا المَرِيرِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ الحَقُّ لَا تَزِيدُهُ المِحَنُ إِلَّا صَلَابَةً في دِينِهِ، وَلَا تَزِيدُهُ إِلَّا يَقِينًا بِوَعْدِ اللهِ تعالى الذي لَا يُخْلَفُ، المُؤْمِنُ الحَقُّ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، كَيْفَ يَعِيشُ حَيَاةَ اليَائِسِينَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَزَعْزَعَ إِيمَانُهُ، وَهُوَ يَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾. وَيَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾؟

كَيْفَ يَعِيشُ حَيَاةَ اليَائِسِينَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَزَعْزَعَ إِيمَانُهُ، وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ قَضَاءَ اللهِ تعالى وَقَدَرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، كَمَا عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

كَيْفَ يَعِيشُ حَيَاةَ اليَائِسِينَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَزَعْزَعَ إِيمَانُهُ، وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟

قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» رواه الترمذي عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ.

وَهُوَ الذي سَمِعَ الحَدِيثَ الذي رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟

قَالَ: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ».

قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟

قَالَ: «أَجَلْ، ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا».

كَيْفَ يَعِيشُ حَيَاةَ اليَائِسِينَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَزَعْزَعَ إِيمَانُهُ، وَهُوَ الذي سَمِعَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ»؟ رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا خُلِقْنَا في هَذَهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا إِلَّا للاخْتِبَارِ وَالابْتِلَاءِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ﴾ ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾.

فَأَحْسِنُوا ضِيَافَةَ البَلَاءِ الذي جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ تعالى، فَهُوَ وَاللهِ عَابِرُ سَبِيلٍ، لَقَدْ عَافَانَا اللهُ تعالى أَعْوَامًا، وَابْتَلَانَا أَيَّامًا، فَأَحْسِنُوا ضِيَافَةَ البَلَاءِ، وَأَحْسِنُوا قِرَاهُ، حَتَّى إِذَا رَحَلَ إلى دَارِ الجَزَاءِ رَحَلَ مَادِحًا لَا قَادِحًا، رَحَلَ شَاهِدًا لَكُمْ لَا عَلَيْكُمْ، أَحْسِنُوا قِرَاهُ بِالصَّبْرِ وَالمُصَابَرَةِ، وَأَنْتُمْ تَسْتَحْضِرُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ﴾.

وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾.

وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَوْلَا البَلَاءُ لَمَا مُيِّزَ وَفُرِّقَ بَيْنَ المُؤْمِنِ وَغَيْرِهِ ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.

لَوْلَا البَلَاءُ لَانْقَلَبْنَا إلى دَارِ الجَزَاءِ مَفَالِيسَ، فَلَنَا في الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الأُسْوَةُ وَالقُدْوَةُ، فَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً كَمَا بَيَّنَ الحَدِيثُ الشَّرِيفُ.

وَاللهِ لَو نَظَرَ أَحَدُنَا إلى الغَيْبِ لَاخْتَارَ الوَاقِعَ، وَلَكِنْ لَا نَعْلَمُ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَأْخُذْ بِأَسْبَابِ رَفْعِ البَلَاءِ بِصِدْقِ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ وَالرُّجُوعِ إلى اللهِ تعالى، وَلْنَصْبِرْ وَلْنَحْتَسِبْ، وَاللهِ رَبُّنَا رَحِيمٌ فَهُوَ القَائِلُ: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.

عَالِجُوا وَاقِعَكُمُ المَرِيرَ بِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ تُسْعَدُوا بِإِذْنِ اللهِ تعالى.

يَا غَارَةَ اللهِ جُدِّي السَّيْرَ مُسْرِعَةً في حَلِّ عُقْدَتِنَا يَا غَارَةَ اللهِ، عَدَتِ العَادُونَ وَجَارُوا وَرَجَوْنَا اللهَ مُجِيرًا، وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا، وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 17/ صفر الخير /1443هـ، الموافق: 24/ أيلول / 2021م

 2021-09-24
 8515
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-07-2025 311 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 311
25-06-2025 564 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 564
19-06-2025 913 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 913
12-06-2025 1052 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 1052
04-06-2025 428 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 428
04-06-2025 333 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 333

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424798674
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :