783ـ خطبة الجمعة: صاحب الفأل الحسن   

783ـ خطبة الجمعة: صاحب الفأل الحسن   

783ـ خطبة الجمعة: صاحب الفأل الحسن صلى الله عليه وسلم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَطَلَّ شَهْرُ رَبِيعٍ الأَنْوَرُ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ الأَعْظَمُ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ شَهْرُ رَبِيعٍ الأَنْوَرُ قُرَّةَ عَيْنٍ للبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ لِمَا رَأَتْ مِنَ الخَيْرِ العَظِيمِ، وَالبَرَكَةِ الشَّامِلَةِ لَهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: ظُهُورُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في شَهْرِ رَبِيعٍ فِيهِ إِشَارَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَنْ تَفَطَّنَ إِلَيْهَا بِالنِّسْبَةِ إلى اشْتِقَاقِ لَفْظَةِ رَبِيعٍ، إِذْ إِنَّ فِيهِ تَفَاؤُلًا حَسَنًا بِبِشَارَتِهِ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَالتَّفَاؤُلُ لَهُ أَصْلٌ أَشَارَ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

صَاحِبُ الفَأْلِ الحَسَنِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَئِنْ كَانَ النَّاسُ يَسْتَبْشِرُونَ بِفَصْلِ الرَّبِيعِ عِنْدَمَا يُشَاهِدُونَ أَرْزَاقَهُمُ المَادِّيَّةَ تَنْبُتُ في الأَرْضِ، فَالمُؤْمِنُونَ يَتَفَاءَلُونَ في شَهْرِ الرَّبِيعِ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي كَانَ يُحِبُّ الفَأْلَ الحَسَنَ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ.

لَقَدْ أَطَلَّ شَهْرُ رَبيعٍ وَأَظَلَّ الأُمَّةَ لِيُذَكِّرَهَا بِالنَّبِيِّ الكَرِيمِ الذي أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تعالى: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ﴾. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.

لَقَدْ أَطَلَّ شَهْرُ رَبيعٍ لِيُذَكِّرَ الأُمَّةَ بِنَبِيِّهَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي زَرَعَ في نُفُوسِ أَتْبَاعِهِ الأَمَلَ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ اليَأْسَ مِنْ نُفُوسِهِمْ، لَقَدْ زَرَعَ الأَمَلَ في نُفُوسِ الأُمَّةِ وَهِيَ في أَحْلَكِ الظُّرُوفِ وَأَقْسَاهَا، فَقَالَ لِسَيِّدِنَا عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في أَحْلَكِ الظُّرُوفِ وَأَقْسَاهَا: «صَبْرًا يَا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ» رواه الحاكم عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.

وَقَالَ للصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في أَحْلَكِ الظُّرُوفِ وَأَقْسَاهَا: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾.

وَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» رواه الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «يَا زَيْدُ، إِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ» كذا في الرحيق المختوم.

وَقَالَ للصَّحْبِ الكِرَامِ يَوْمَ الأَحْزَابِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الأَحْزَابِ، حَيْثُ جَاءَتِ الأَحْزَابُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَتَحَالَفَتْ كُلُّ القُوَى العُظْمَى في ذَلِكَ الوَقْتِ عَلَى الصَّحَابَةِ، وَالمُسْلِمُونَ كَانُوا قِلَّةً في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَحُوصِرُوا حِصَارًا اقْتِصَادِيًّا وَعَسْكَرِيًّا، وَظَنَّ النَّاسُ بِاللهِ الظُّنُونَ، وَارْتَابَ المُنَافِقُونَ، حَيْثُ قَالَ قَائِلُهُمْ: الوَاحِدُ مِنَّا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَذْهَبَ في قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَمُحَمَّدٌ يَعِدُنَا كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ.

وَهُنَا تَأْتِي البِشَارَةُ، وَيَزْرَعُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأَمَلُ في نُفُوسِ أَصْحَابِهِ، عِنْدَمَا ضَرَبَ الصَّخْرَةَ في الخَنْدَقِ وَبَرَقَتْ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الضَّرْبَةِ الأُولَى: «اللهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا».

وَفي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا».

وَفي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ قَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا» رواه الإمام أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

كُلُّ ذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ: وَأُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا.

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَظَلَّ شَهْرُ الرَّبِيعِ لِيُذَكِّرَ الأُمَّةَ بِنَبِيِّهَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي كَانَ أَشَدَّ مَا يَكُونُ تَفَاؤُلًا في الأَزَمَاتِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَطَلَّ شَهْرُ الرَّبِيعِ وَأَنْتُمْ تَسْتَعِدُّونَ للاحْتِفَالِ بِذِكْرَى مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَيَا أَيُّهَا المُسْتَعِدُّونَ للاحْتِفَالَاتِ بِذِكْرَى مَوْلِدِهِ، تَأَسَّوا بِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُلُوكًا وَعَمَلًا، كُونُوا مُتَفَائِلِينَ في الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ، وَكُلَّمَا قَسَتْ عَلَيْكُمْ زِيدُوا تَفَاؤُلَكُمْ تَفَاؤُلًا، وَثِقَتَكُمْ بِاللهِ تعالى ثِقَةً، وَاحْذَرُوا مِنَ التَّزَعْزُعِ.

وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ قَتْلِ الفَأْلِ الحَسَنِ في نُفُوسِ النَّاسِ بِكَلِمَاتٍ يَقُولُهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَرُبَّمَا تُسْخِطُ اللهَ تعالى، وَاسْمَعُوا أَمْرَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 2/ ربيع الأول /1443هـ، الموافق: 8/ تشرين الأول / 2021م

 2021-10-08
 2820
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 135 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 135
12-04-2024 760 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 760
09-04-2024 592 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 592
04-04-2024 703 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 703
28-03-2024 606 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 606
21-03-2024 1061 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1061

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413109239
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :