789ـ خطبة الجمعة: بورك لأمتي في بكورها

789ـ خطبة الجمعة: بورك لأمتي في بكورها

789ـ خطبة الجمعة: بورك لأمتي في بكورها

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنَ الهُمُومِ التي تُسَيْطِرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مَسْأَلَةَ الرِّزْقِ، وَالبَحْثَ عَنْ لُقْمَةِ العَيْشِ، فَتَرَى بَعْضَ النَّاسِ تَغَرَّبَ عَنْ بَلَدِهِ، وَتَرَكَ زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ وَأَهْلَهُ وَوَطَنَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَتَرَى بَعْضَهُمْ قَدْ ظَهَرَ عَلَى وَجْهِهِ التَّعَبُ وَالإِجْهَادُ مِنْ آثَارِ السَّعْيِ وَرَاءَ لُقْمَةِ العَيْشِ، وَالكَثِيرُ يَعِيشُ تَحْتَ رَحْمَةِ أَرْبَابِ العَمَلِ، فَتَرَى الوَاحِدَ مِنْهُمْ يَعْصِرُهُ الهَمُّ وَالغَمُّ وَالكَمَدُ عَصْرًا.

أَقُولُ لِنَفْسِي وَلَهُمْ، وَلِكُلِّ غَنِيٍّ وَلِكُلِّ مَسْؤُولٍ عَنْ مُوَظَّفٍ وَعَامِلٍ: لِنَعْلَمْ جَمِيعًا عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّهُ لَنْ يَصِلَ لِأَحَدِنَا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قَدَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ـ وَرَبِّ الكَعْبَةِ ـ وَلَنْ يَزِيدَ رِزْقُ أَحَدِنَا مَهْمَا كَانَ حَرِيصًا، وَلَنْ يَنْقُصَ رِزْقُهُ مَهْمَا كَانَ زَاهِدًا فِيهِ، فَرِزْقُنَا مَقْسُومٌ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، فَعَلَيْنَا بِالأَخْذِ بِالأَسْبَابِ المَشْرُوعَةِ للكَسْبِ الحَلَالِ، وَنَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِيمَا رَزَقَنَا، لِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى إِذَا بَارَكَ للعَبْدِ فِيمَا آتَاهُ فَحَدِّثْ وَلَا حَرَجَ عَنْ هَذِهِ البَرَكَةِ.

«بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا»:

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِمَنْ يَشْكُو مِنْ قِلَّةِ الرِّزْقِ: انْظُرْ يَوْمَكَ، هَلِ اغْتَنَمْتَهُ بِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ لَقَدْ خَاطَبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ بِقَوْلِهِ: «بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَدَعَا لَهَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» رواه الترمذي عَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَلْ أَنْتَ يَا مَن يَشْكُو قِلَّةَ الرِّزْقِ تَسْتَيْقِظُ في السَّحَرِ وَتُوقِظُ أَهْلَكَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَرَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى، نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ».

وَتُصَلِّيَانِ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمَا؟ ثُمَّ تَسْأَلَانِ اللهَ تعالى البَرَكَةَ في الرِّزْقِ، لِأَنَّهُ يُنَادِي في جَوْفِ اللَّيْلِ وَقْتَ السَّحَرِ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلِ: «أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثُمَّ بَعْدَ الدُّعَاءِ تَتَوَجَّهُ لِصَلَاةِ الفَجْرِ في جَمَاعَةٍ وَتَبْقَى إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ تُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى، ثُمَّ تَتَنَاوَلُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ تَتَوَجَّهُ إلى عَمَلِكَ؟

وَاللهِ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ أَصْبَحْتَ طَيِّبَ النَّفْسِ، مُرْتَاحَ القَلْبِ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ، بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ».

مَا أَجْمَلَكَ عِنْدَمَا تَتَوَجَّهُ لِعَمَلِكَ بَاكِرًا، وَنُورُ صَلَاةِ الفَجْرِ في وَجْهِكَ، وَقَدْ بَارَكَ اللهُ لَكَ في رِزْقِكَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ، مِنْ أَسْبَابِ البرَكَةِ في الرِّزْقِ التَّبْكِيرُ للعَمَلِ؛ لَقَدْ مُحِقَتِ البَرَكَةُ مِنَ الأَرْزَاقِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى، سَهَرٌ طُولَ اللَّيْلِ، وَنَوْمٌ عَنْ صَلَاةِ التَّهَجُّدِ وَعَنْ صَلَاةِ الفَجْرِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

وَالأَسْوَأُ حَالًا إِذَا كَانَ السَّهَرُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، سَهَرٌ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، سَهَرٌ في النَّظَرِ إلى الأَفْلَامِ الخَلَاعِيَّةِ وَالصُّوَرِ الإِبَاحِيَّةِ، وَالمَعْصِيَةُ تَجُرُّ مِنْ وَرَائِهَا مَعْصِيَةً، فَإِذَا بِهَذَا السَّاهِرِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تَفُوتُهُ صَلَاةُ الفَجْرِ، وَيُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَشْكُو مِنْ قِلَّةِ الرِّزْقِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.

اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في أَعْمَارِنَا وَأَرْزَاقِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَأَزْوَاجِنَا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 14/ ربيع الآخر /1443هـ، الموافق: 19/ تشرين الثاني / 2021م

 2021-11-19
 4904
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-11-2024 3404 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 3404
22-11-2024 1258 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 1258
14-11-2024 1430 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 1430
04-10-2024 5208 مشاهدة
929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. ... المزيد

 04-10-2024
 
 5208
27-09-2024 3057 مشاهدة
928ـ خطبة الجمعة: الآداب المطلوبة من كل مسلم

لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَتَأَدَّبُ مَعَ حَبِيبِهِ ... المزيد

 27-09-2024
 
 3057
20-09-2024 2187 مشاهدة
927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد

 20-09-2024
 
 2187

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5670
المقالات 3204
المكتبة الصوتية 4879
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 421851429
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :