757ـ خطبة الجمعة: يا أيها الصائم المراقب لله تعالى

757ـ خطبة الجمعة: يا أيها الصائم المراقب لله تعالى

757ـ خطبة الجمعة: يا أيها الصائم المراقب لله تعالى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: بُلُوغُ شَهْرِ رَمَضَانَ نِعْمَةٌ عُظْمَى، وَإِدْرَاكُهُ مِنَّةٌ كُبْرَى، تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ، وَتَقْتَضِي اغْتِنَامَ الفُرْصَةِ الكُبْرَى، بِمَا يَكُونُ سَبَبًا للفَوْزِ بِدَارِ القَرَارِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ.

روى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَيُشَفَّعَانِ».

شَهْرٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ، وَمَوْسِمٌ عَظِيمٌ، يَحْمِلُ خَيْرَاتٍ كَثِيرَةً، وَبَرَكَاتٍ كَثِيرَةً، فِيهِ مُضَاعَفَةُ الحَسَنَاتِ، وَتَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ، وَإِقَالَةُ العَثَرَاتِ، فَلْيَكُنْ رَمَضَانُ فُرْصَةً لَنَا للتِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ مَعَ اللهِ تعالى.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَا نَجَاةَ لِنَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إِلَّا بِرَجْعَةٍ صَادِقَةٍ إلى اللهِ تعالى، وَبِالْتِزَامٍ حَقِيقِيٍّ بِمَنْهَجِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ المُرَاقِبُ للهِ تعالى:

يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ المُرَاقِبُ للهِ تعالى، لَقَدْ عَلَّمَكَ شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ كَيْفَ يَكُونُ الإِخْلَاصُ، لَقَدِ اسْتَوَى عِنْدَكَ نَظَرُ الخَلْقِ إِلَيْكَ وَعَدَمُ نَظَرِهِمْ، فَأَنْتَ تُرَاقِبُ اللهَ تعالى، وَلَا تُرَاقِبُ الخَلْقَ، الخَلْوَةُ وَالجَلْوَةُ وَاحِدَةٌ عِنْدَكَ، أَنْتَ حَرِيصٌ كُلَّ الحِرْصِ عَلَى صِحَّةِ صِيَامِكَ، فَلَا تَأْذَنُ وَلَا تَسْمَحُ بِقَطْرَةِ مَاءٍ وَاحِدَةٍ تَدْخُلُ جَوْفَكَ.

فَيَا أَيُّهَا الحَرِيصُ عَلَى صَوْمِهِ بِمُرَاقَبَتِهِ للهِ تعالى، هَلَّا نَقَلْنَا هَذِهِ المُرَاقَبَةَ للهِ تعالى عَلَى سَائِرِ جَوَارِحِنَا؟

يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ المُرَاقِبُ للهِ تعالى، رَاقِبِ اللهَ تعالى في لُقْمَةِ عَيْشِكَ، كُنْ حَرِيصًا كُلَّ الحِرْصِ أَنْ لَا يَدْخُلَ إلى جَوْفِكَ وَجَوْفِ زَوْجِكَ وَوَلَدِكَ إِلَّا الحَلَالُ، وَاحْذَرْ مِنْ لُقْمَةِ الحَرَامِ، وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾.

وَقَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» رواه الترمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ المُرَاقِبُ للهِ تعالى، رَاقِبِ اللهَ تعالى في جَارِحَةِ اللِّسَانِ، كُنْ حَرِيصًا كُلَّ الحِرْصِ عَلَى أَنْ لَا يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِكَ إِلَّا القَوْلُ الذي يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾.

فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنَ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالكَذِبِ، وَالسَّبِّ وَالشَّتْمِ، فَكُلُّ هَذِهِ الأُمُورِ تَذْهَبُ بِصِيَامِكَ.

يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ المُرَاقِبُ للهِ تعالى، رَاقِبِ اللهَ تعالى في جَارِحَةِ البَصَرِ، فَلَا يَقَعْ بَصَرُكَ عَلَى مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى، الْتَزِمْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾.

احْذَرْ مِنَ النَّظَرِ إلى النِّسَاءِ، فَالنَّظَرُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام الحاكم عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٌ فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ».

وَتَذَكَرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾.

يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ المُرَاقِبُ للهِ تعالى، رَاقِبِ اللهَ تعالى في بَيْتِكَ عِنْدَ التَّعَامُلِ مَعَ زَوْجَتِكَ، وَأَنْتِ يَا أَيَّتُهَا الصَّائِمَةُ المُرَاقِبَةُ للهِ تعالى، رَاقِبِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ تَعَامُلِكِ مَعَ زَوْجِكِ.

لِأَنَّهُ وَبِكُلِّ أَسَفٍ صَارَتْ بُيُوتُ الكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ في مَهَبِّ الرِّيحِ، كَثُرَ الطَّلَاقُ في شَهْرِ رَمَضَانَ، بِسبَبِ الغَلَاءِ وَسُوءِ الأَخْلَاقِ، خِلَافَاتٌ وَشِجَارَاتٌ وَسَبٌّ وَشَتْمٌ وَلَعْنٌ وَأَيْمَانُ حَرَامٍ، أَيْنَ يَا أَيُّهَا الأَزْوَاجُ وَالزَّوْجَاتُ المُرَاقَبَةُ للهِ تعالى؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: شَهْرُ رَمَضَانَ عَلَّمَنَا الإِخلَاصَ في الأَعْمَالِ، فَخَلْوَتُنَا وَجَلْوَتُنَا وَاحِدَةٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصِيَامِ مِنْ أَجْلِ سَلَامَتِهِ، فَهَلَّا نَقَلْنَا هَذَا الإِخْلَاصَ وَالمُرَاقَبَةَ للهِ تعالى إلى سَائِرِ جَوَارِحِنَا، وَخَاصَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالمَالِ وَالأَخْلَاقِ؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 11/ رمضان /1442هـ، الموافق: 23/نيسان / 2021م

 2021-04-23
 3184
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-11-2024 3410 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 3410
22-11-2024 1259 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 1259
14-11-2024 1432 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 1432
04-10-2024 5217 مشاهدة
929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. ... المزيد

 04-10-2024
 
 5217
27-09-2024 3058 مشاهدة
928ـ خطبة الجمعة: الآداب المطلوبة من كل مسلم

لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَتَأَدَّبُ مَعَ حَبِيبِهِ ... المزيد

 27-09-2024
 
 3058
20-09-2024 2193 مشاهدة
927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد

 20-09-2024
 
 2193

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5670
المقالات 3204
المكتبة الصوتية 4879
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 421863226
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :