846ـ خطبة الجمعة: الرضا عن الله تعالى هو البوابة الكبرى

846ـ خطبة الجمعة: الرضا عن الله تعالى هو البوابة الكبرى

846ـ خطبة الجمعة: الرضا عن الله تعالى هو البوابة الكبرى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَرْكَانِ الإِيمَانِ، الإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ، وَالرِّضَا عَنِ اللهِ تعالى بِأَحْكَامِهِ، وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فِيمَا يَبْدُو ذَلِكَ.

أَمَّا الرِّضَا عَنِ اللهِ تعالى في عَطَائِهِ دُونَ مَنْعِهِ، وَفي رَفْعِهِ دُونَ خَفْضِهِ، وَفي تَوْسِيعِهِ دُونَ تَقْتِيرِهِ، وَعِنْدَ مُوَافَقَةِ رَغَبَاتِكَ دُونَ مُخَالَفَتِهَا، فَهَذَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِ المُؤْمِنِ الصَّادِقِ الكَامِلِ في إِيمَانِهِ.

هُنَاكَ أَقْوَامٌ رَضُوا عَنْ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ في الرَّخَاءِ، وَسَخِطُوا في البَلَاءِ، وَانْقَادُوا لِأَوَامِرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في النِّعْمَةِ، وَعَانَدُوا وَأَعْرَضُوا وَاشْمَأَزُّوا وَقْتَ النِّقْمَةِ، هَؤُلَاءِ انْطَبَقَ عَلَيْهِمْ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.

الرِّضَا عَنِ اللهِ تعالى هُوَ البَوَّابَةُ الكُبْرَى:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الرِّضَا عَنِ اللهِ تعالى هُوَ البَوَّابَةُ الكُبْرَى لِنَيْلِ رِضَا اللهِ تعالى، هُوَ البَوَّابَةُ الكُبْرَى لِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالرَّاضِي عَنِ اللهِ تعالى في قَضَائِهِ وَإِنْ كَانَ مُرًّا لَا يَقْبَلُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا بَدَلًا مِنْ رِضْوَانِ اللهِ تعالى، وَلَا عِوَضًا مِنْ نَعِيمِ الجَنَّةِ بِمَعِيَّةِ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

رِضًا عَنِ اللهِ تعالى فَوْقَ مَا يَصِفُهُ الوَاصِفُونَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: سَيِّدُ الرَّاضِينَ عَنِ اللهِ تعالى هُوَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ رَضِيَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ رِضًا فَوْقَ مَا يَصِفُهُ الوَاصِفُونَ، لَقَدْ كَانَ رَاضِيًا عَنِ اللهِ تعالى في الفَقْرِ كَمَا في الغِنَى، وَفي الضَّعْفِ كَمَا في القُوَّةِ، وَفي المَرَضِ كَمَا في الصِّحَّةِ، وَفي الشِّدَّةِ كَمَا في الرَّخَاءِ.

لَقَدْ عَاشَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَارَةَ اليُتْمِ، وَلَوعَةَ اليَتِيمِ، وَكَانَ رَاضِيًا عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَقَدْ رَبَطَ بَطْنَهُ الشَّرِيفَ مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ، وَتَمُرُّ عَلَيْهِ الأَيَّامُ وَلَا يَجِدُ دَقَلَ التَّمْرِ ـ الرَّدِيءَ مِنْهُ ـ وَيَمُرُّ عَلَيْهِ الهِلَالُ ثُمَّ الهِلَالُ ثُمَّ الهِلَالُ، وَلَا يُوقَدُ في بَيْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَارٌ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ عَلَى الحَصِيرِ فَيُؤَثِّرُ في جَنْبِهِ الشَّرِيفِ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ رَاضِيًا عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خُوطِبَ بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا﴾.

وَلَو أَرَادَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَسِيرَ مَعَهُ جِبَالُ مَكَّةَ ذَهَبًا وَفِضَّةً لَكَانَ لَهُ هَذَا، وَلَكِنَّهُ تَرَكَ مُرَادَهُ لِمُرَادِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَضِيَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا، فَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ، وَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَدَعَوْتُكَ» رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: عَالِجُوا وَاقِعَكُمُ المَرِيرَ بِالرِّضَا عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَعَلَيْهِ السُّخْطُ، عَالِجُوا وَاقِعَكُمُ المَرِيرَ مِنْ خِلَالِ التَّأَسِّي بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي حُوصِرَ في الشِّعْبِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ، حَتَّى أَكَلَ الُمسلِمُونَ الُمحَاصَرُونَ وَرَقَ الشَّجَرِ؛ وَكَانَ رَاضِيًا عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

الذي أُخْرِجَ مِنْ بَلَدِهِ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، التي فِيهَا مَرَاتِعُ صِبَاهُ، وَمَلَاعِبُ طُفُولَتِهِ، وَأَفَانِينُ شَبَابِهِ، وَدَّعَهَا وَالدُّمُوعُ تَسِيلُ مِنْ عَيْنَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ، وَهُوَ يَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَالذي لَاقَى مَا لَاقَاهُ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، لَمَّا رَجَمُوهُ بِالحِجَارَةِ حَتَّى أَدْمَوْا عَقِبَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي».

عَالِجُوا وَاقِعَكُمُ المَرِيرَ بِالرِّضَا عَنِ اللهِ تعالى حَتَّى تَنَالُوا الرِّضَا، فَسَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَاضِيًا عَنِ اللهِ تعالى فِيمَا قَضَى وَقَدَّرَ، وَكَانَ أَهْلًا لِأَنْ يُخَاطَبَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾.

رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ التَّبَادُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، فَمَنْ رَضِيَ عَنِ اللهِ تعالى في قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَسَوْفَ يُرْضِيهِ عَاجِلًا وَآجِلًا.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الرَّاضِينَ وَمِنَ الشَّاكِرِينَ وَمِنَ الصَّابِرِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 22/ جمادى الأولى /1444هـ، الموافق: 16/ كانون الأول / 2022م

 2022-12-16
 5055
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-08-2025 2153 مشاهدة
954ـ خطبة الجمعة: يوم المولد يوم مولد المجد

فِي يَوْمِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ وُلِدَ يَوْمُ المَجْدِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، فِي يَوْمِ المَوْلِدِ الـشَّرِيفِ جَاءَتِ البِشَارَاتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لِتَكُونَ أُمَّةً مَتْبُوعَةً لَا تَابِعَةً، لِتَكُونَ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. ... المزيد

 28-08-2025
 
 2153
22-08-2025 2190 مشاهدة
953ـ خطبة الجمعة: ظاهرة الكذب ضيعت الحقوق

الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد

 22-08-2025
 
 2190
14-08-2025 1585 مشاهدة
952ـ خطبة الجمعة: كمال شخصية الداعي

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 14-08-2025
 
 1585
08-08-2025 1975 مشاهدة
951ـ خطبة الجمعة: العدل من صفات أهل الكمال

العَدْلُ وَالْإِنصَافِ عَزِيزَانِ بَيْنَ النَّاسِ، لِأَنَّ طَبِيعَةَ الإِنسَانِ أَنَّهُ مَيَّالٌ لِلظُّلْمِ وَمُحِبٌّ لِلْجَهْلِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾. إِلَّا مَنْ خَالَفَ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ وَشَيْطَانَهُ، وَاتَّبَعَ ... المزيد

 08-08-2025
 
 1975
01-08-2025 2460 مشاهدة
950ـ خطبة الجمعة: حتى نفوز بطوبى «فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»

حَتَّى نَفُوزَ بِطُوبَى لَا بُدَّ أَنْ نَسْمَعَ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى ... المزيد

 01-08-2025
 
 2460
24-07-2025 3034 مشاهدة
949ـ خطبة الجمعة: أسباب الأمن والأمان

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يُصْبِحُوا آمِنِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، مُطْمَئِنِّينَ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ، لَا يَخَافُونَ ظُلْمَ ظَالِمٍ، وَلَا جَوْرَ جَائِرٍ، وَلَا خِيَانَةَ خَائِنٍ، وَقَدْ أَشَارَ سَيِّدُنَا ... المزيد

 24-07-2025
 
 3034

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5703
المقالات 3248
المكتبة الصوتية 4881
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 427924059
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :