855ـ خطبة الجمعة: حالنا مع أوامر الله تعالى ورسوله   

855ـ خطبة الجمعة: حالنا مع أوامر الله تعالى ورسوله   

855ـ خطبة الجمعة: حالنا مع أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ رَتَّبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ السَّعَادَةَ وَالفَلَاحَ، وَالفَوْزَ في الدَّارَيْنِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

كَمَا رَتَّبَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ تَبَارَكَ وتعالى، وَمَعْصِيَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنَ العُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالأُخْرَوِيَّةِ، مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى، وَلَا يُحَدُّ وَلَا يُسْتَقْصَى، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: لِيَحْذَرْ وَلْيَخْشَ الذينَ اجْتَرَؤُوا عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَمَعْصِيَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ في قُلُوبِهِمْ مِنْ كُفْرٍ أَو فِسْقٍ أَو نِفَاقٍ، أَو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ.

وَأَعْظَمُ عُقُوبَةٍ تُصِيبُ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ اللهِ تعالى، وَأَمْرَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَصَرَّ عَلَى المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِيمَانِ الصَّحِيحِ، وَيُبْتَلَى بِزَيْغِ القَلْبِ، وَتَلْبِيسِ الشَّيْطَانِ، فَيَرَى سُوءَ عَمَلِهِ حَسَنًا، وَقَبِيحَهُ صَحِيحًا، وَلَا يَزَالُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَمُوتَ، وَيُبْتَلَى بِسُوءِ الخَاتِمَةِ، قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.

حَالُنَا مَعَ أَوَامِرِ اللهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَتَسَاءَلْ مَعَ أَنْفُسِنَا: أَيْنَ نَحْنُ مِن أَوَامِرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

وَصَلَ بَعْضُ النَّاسِ إلى اتِّخَاذِ أَمْرِ اللهِ تعالى، وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُمْ ظِهْرِيًّا، وَأَصَابَنَا مَا أَصَابَنَا مِنْ سَنَوَاتٍ عَدِيدَةٍ إلى الآنَ، مِنْ حَرْبٍ مُدَمِّرَةٍ، وَوَبَاءٍ، وَغَلَاءٍ، وَتَسَلُّطِ أَعْدَاءٍ، وَزِلْزَالٍ، فَهَلْ غَيَّرْنَا مِنْ وَاقِعِنَا شَيْئًا؟ وَهَلْ عَدَّلْنَا مِنْ سُلُوكِنَا شَيْئًا؟ وَهَلِ اتَّجَهْنَا إلى الطَّاعَاتِ، وَأَدْبَرْنَا عَنِ المَعَاصِي؟ هَلْ تَرَكْنَا أَكْلَ أَمْوَالِ بَعْضِنَا بِغَيْرِ حَقٍّ؟

بِكُلِّ أَسَفٍ، الكَثِيرُ بَاقٍ عَلَى غَيِّهِ، وَمُنْسَاقٌ خَلْفَ شَهَوَاتِهِ، بَلْ بَعْضُهُمُ ازْدَادَ في أَكْلِ الحَرَامِ، حَتَّى سَمِعْنَا وَرَأَى بَعْضُنَا أَنَّ المَعُونَاتِ التي جَاءَتْ للمُتَضَرِّرِينَ تُبَاعُ في مَحَلَّاتِ الجُمْلَةِ.

بِكُلِّ أَسَفٍ، بَعْضُ النَّاسِ اشْتَدَّتْ قَسْوَةُ قُلُوبِهِمْ، فَلَا شَفَقَةَ وَلَا رَحْمَةَ عَلَى مَنْ تَهَدَّمَتْ بُيُوتُهُمْ وَهُمْ فُقَرَاءُ، وَلَا يَرْضَوْنَ بِالآجَارِ إِلَا لِمُدَّةِ سَنَةٍ وَمَا فَوْقَهَا وَبِأَسْعَارٍ خَيَالِيَّةٍ.

وَأَمَّا عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَزِيَادَةِ الأَسْعَارِ فِيهَا، فَحَدِّثْ وَلَا حَرَجَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَمَا قَرَأْنَا في كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِمَنْ عَصَى اللهَ تعالى، وَأَنْبِيَاءَهُ؟ أَمَا قَرَأْنَا قَوْلَهُ تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلْ مِنْ مُعْتَبِرٍ بِمَا طَوَتِ الأَيَّامُ مِنَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ؟

هَلْ مِنْ مُعْتَبِرٍ مِمَّا حَصَلَ مِنْ سَنَوَاتٍ إلى يَوْمِنَا هَذَا؟

هَلْ مِنْ مُعْتَبِرٍ بِمَا نَرَى، كَيْفَ تُتَخَطَّفُ الأَرْوَاحُ مِنْ أَجْسَادِهَا، وَهِيَ رَاقِدَةٌ في مَنَامِهَا، أَو مَاشِيَةٌ في طُرُقَاتِهَا؟

هَلْ مِنْ مُتَذَكِّرٍ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾؟

هَلْ مِنْ مُتَذَكِّرٍ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾؟

وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ للمَغْرُورِ المُتَكَبِّرِ الذي عَرَفَ حَجْمَهُ لَيْلَةَ الزِّلْزَالِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ، وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ، عِنْدَمَا يَأْخُذُهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَعِنْدَهَا يُنَادِي: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 26/ رجب /1444هـ، الموافق: 17/ شباط / 2023م

 2023-02-17
 6200
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

26-07-2024 50 مشاهدة
919ـ خطبة الجمعة: خلق الراعي الأعظم

قَالَ اللهُ تعالى مَادِحًا حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وجَاءَ في الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَتَيْتُ ... المزيد

 26-07-2024
 
 50
18-07-2024 479 مشاهدة
918ـ خطبة الجمعة: المعايير العامة في التعامل مع الآخرين

مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الإِيمَانِ أَنْ يَضَعَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ مَوْضِعَ غَيْرِهِ عِنْدَ التَّعَامُلِ مَعَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ ... المزيد

 18-07-2024
 
 479
12-07-2024 359 مشاهدة
917ـ خطبة الجمعة: نصائح للمرشحين

مِنَ المُسْتَقِرِّ في العُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ نِهَايَةً، وَأَنَّ المَوْتَ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ، إِمَّا إلى جَنَّةٍ وَإِمَّا إلى نَارٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. ... المزيد

 12-07-2024
 
 359
30-05-2024 1863 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 1863
23-05-2024 1674 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 1674
17-05-2024 2024 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 2024

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5619
المقالات 3174
المكتبة الصوتية 4811
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 416310344
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :