826ـ خطبة الجمعة: لا عزة إلا بالوحدة
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَتَّفِقُ جَمِيعُ العُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الاجْتِمَاعَ وَالائْتِلَافَ مَطْلَبٌ ضَرُورِيٌّ لَا غِنًى عَنْهُ لِأُمَّةٍ تُرِيدُ الفَلَاحَ وَالنَّجَاحَ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَهُوَ مَطْلَبٌ ضَرُورِيٌّ لَا غِنًى عَنْهُ لِأُسْرَةٍ وَعَائِلَةٍ تُرِيدُ الفَلَاحَ وَالنَّجَاحَ دُنْيَا وَأُخْرَى.
وَوَاقِعُ الأُسَرِ اليَوْمَ، بَلْ وَاقِعُ الأُمَّةِ يُؤَكِّدُ عَلَى وُجُوبِ الاجْتِمَاعِ وَالتَّآلُفِ وَالتَّحَابُبِ، وَإِلَّا فَالخَسَائِرُ سَوْفَ تَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا حَصَلَ وَوَقَعَ.
يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ خَاطَبَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
وَخَاطَبَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَخَاطَبَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا تَرَكَتِ الأُمَّةُ أَمْرَ رَبِّهَا، وَأَمْرَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَعَتْ بَيْنَهَا العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ، وَإِذَا تَفَرَّقَتِ الأُمَّةُ فَسَدَتْ وَهَلَكَتْ وَسَلَّطَ اللهُ تعالى عَلَيْهَا أَبْنَاءَ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ صَلَحَتْ وَمَلَكَتْ وَسَادَتْ، لِأَنَّ الجَمَاعَةَ رَحْمَةٌ، وَالفُرْقَةَ عَذَابٌ.
لَا عِزَّةَ إِلَّا بِالوَحْدَةِ:
يَا عِبَادَ اللهِ: لَا عِزَّةَ إِلَّا بِالوَحْدَةِ، وَلَا وَحْدَةَ بِغَيْرِ أُخُوَّةٍ، تَدَبَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾.
وَتَدَبَّرُوا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَالبُنْيَانُ نِظَامٌ لَا فَوْضَى، وَتَقَارُبٌ لَا تَبَاعُدٌ، وَتَوَاضُعٌ لَا تَكَبُّرٌ، وَسَمَاعٌ لَا كَمٌّ للأَفْوَاهِ، وَصِدْقٌ لَا كَذِبٌ.
وَتَدَبَّرُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
إِنَّهُ تَرَابُطٌ لَا انْفِصَامٌ، اهْتِمَامٌ لَا إِهْمَالٌ.
كَمْ نَحْنٌ بِحَاجَةٍ إلى أَنْ نَتَرَسَّمَ هَذَا الطَّرِيقَ لِنَصِلَ إلى هَذَا التَّعَاوُنِ، وَتَحْقِيقِ الإِصْلَاحِ فِيمَا بَيْنَنَا، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَنْفَعُ الأُمَّةَ في وَقْتِهَا الحَاضِرِ، الذي كَثُرَتْ فِيهِ الفُرْقَةُ بَيْنَ صُفُوفِ أَبْنَائِهَا، وَكَثُرَ الخِلَافُ في آرَائِهَا، وَكَثُرَتِ العَدَاوَةُ فِيمَا بَيْنَهَا إِلَّا مَا رَحِمَ اللهُ تعالى.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ التَّمَاسُكَ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُمَّةِ، وَأَفْرَادِ الأُسْرَةِ، دَلِيلُ الإِيمَانِ، لِأَنَّ الإِيمَانَ يَرْبِطُ القُلُوبَ، وَيُؤَاخِي بَيْنَ النُّفُوسِ، وَإِنَّ التَّحَقُّقَ الصَّحِيحَ بِالإِيمَانِ الصَّادِقِ الكَامِلِ يَقْتَضِي أَنْ يُحِبَّ المُؤْمِنُ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
فَكَمَالُ الإِيمَانِ أَنْ يَمْتَلِئَ قَلْبُكَ حُبًّا لِإِخْوَانِكَ كَمَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ.
في الخِتَامِ، أُنَاشِدُكُمُ اللهَ تعالى يَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَقُولُ لَكُمْ: تَصَافَحُوا، وَتَسَامَحُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، كَفَانَا ظُلْمًا لِبَعْضِنَا، كَفَانَا أَكْلًا لِأَمْوَالِ بَعْضِنَا بِغَيْرِ حَقٍّ، أُنَاشِدُكُمُ اللهَ تعالى أَنْ تَسْلُكُوا طَرِيقًا يَجْمَعُ شَمْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَيُعِيدُ كُلَّ مَغْتَرِبٍ إلى وَطَنِهِ سَالِمًا عَزِيزًا مُكَرَّمًا.
اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا هَذِهِ النِّعْمَةَ. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 23/ذو الحجة /1443هـ، الموافق: 22/ تموز / 2022م
أَقْبَحُ وَصْفٍ فِي الإِنْسَانِ العُجْبُ وَالغُرُورُ بِمَا أَسْبَغَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ؛ وَالأَقْبَحُ مِنْهُ مَنْ ظَنَّ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِ وَلَو كَانَ مُقِيمًا عَلَى المَعْصِيَةِ؛ وَالأَقْبَحُ مِنْ ... المزيد
أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد
لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد
لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد
لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد
مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد