33ـ لا يأخذ أمته بالسنين
مقدمة الكلمة:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اخْتَبَأَ دَعْوَتَهُ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُلِحُّ عَلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَيَسْأَلُهُ مِرَارًا أَنْ لَا يُعَذِّبَهَا بِمَا عَذَّبَ بِهِ الأُمَمَ السَّابِقَةَ، مِنَ السِّنِينَ وَالجُوعِ وَالغَرَقِ، وَاسْتِبَاحَةِ العَدُوِّ لَهَا.
سُؤَالُ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا بِالسِّنِينَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ (أَيْ: جَمَاعَتَهُمْ) وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا ـ أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا ـ».
قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ» أَيْ: أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمُ القَحْطَ وَالجَدْبَ السَّنَةَ كَافَّةً، فَيَهْلِكُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَقَدِ اسْتَجَابَ اللهُ تعالى لَهُ هَذِهِ الدَّعْوَةَ، فَيُجْدِبُ قَوْمًا وَيَخْصِبُ آخَرِينَ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا، أَصَابَهُمُ الجَدْبُ عَامَ الرَّمَادَةِ في زَمَنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَوَقَعَ بِبَغْدَادَ، وَفي البَصْرَةِ، فَهَلَكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ الجُوعِ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ العُمُومِ لِكَافَّةِ الأُمَّةِ.
وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ في القُرْآنِ العَظِيمِ، فَكَمْ جَرَى عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ مِنَ الأُمَمِ التي عَصَتْ رَبَّهَا عَزَّ وَجَلَّ فَعَاقَبَهَا، وَكَمْ مِنْ حَضَارَةٍ سَادَتْ ثُمَّ بَادَتْ حِينَمَا انْحَرَفَتْ عَنِ المَنْهَجِ الصَّحِيحِ، وَكَمْ مِنْ أُمَّةٍ أُخِذَتْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ سَيِّئَاتِهَا، وَهَذِهِ دُرُوسٌ لَنَا.
خَاطَبَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا شَرَفٌ عَظِيمٌ حَظِيَتْ بِهِ أُمَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ دُونِ سَائِرِ النَّاسِ، فَهَلْ قَدَّرْنَا هَذَا الشَّرَفَ العَظِيمَ، وَحَمَلْنَا المَسْؤُولِيَّةَ بَعْدَ هَذَا التَّشْرِيفِ.
أُمَّةٌ جَعَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرَ الأُمَمِ التي أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، الإِسْلَامُ هُوَ الدِّينُ الذي اصْطَفَاهُ اللهُ تعالى مِنْ سَائِرِ الأَدْيَانِ لِنَفْسِهِ العَلِيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ﴾.
أُمَّةٌ وَعَدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهَا أَنْ لَا يُهْلِكَهَا جَمِيعَهَا بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهَا عَدُوًّا مِنْ سِوَى نَفْسِهَا فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهَا، فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تُعْرِضَ عَنْ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ؟
أُمَّةٌ خُلِقَتْ لِيَكُونَ لَهَا البَقَاءُ وَالسِّيَادَةُ وَالرِّيَادَةُ، فَهَل مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تَتَّبِعَ سُنَنَ مَنْ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذَرَاعٍ؟
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الأُمَّةُ لَهَا خُصُوصِيَّاتٌ لَمْ تَكُنْ لِأُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ، دِينُهَا مَحْفُوظٌ، رَغْمَ أُنُوفِ الجَمِيعِ، قَالَ تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
هَذِهِ الأُمَّةُ لَنْ يُسَلَّطَ عَلَيْهَا جَمِيعًا عَدُوُّهَا يَسْتَأْصِلُهَا جَمِيعَهَا، لِأَنَّ الإِسْلَامَ عَزِيزٌ وَبَاقٍ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.
لِذَلِكَ أَقُولُ لِشَبَابِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا: تَدَرَّعُوا بِدِرْعِ الأَوْبَةِ وَالتَّوْبَةِ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَصِدْقِ الالْتِجَاءِ إِلَيْهِ تَبَارَكَ وتعالى، وَبِالإِلْحَاحِ في الدُّعَاءِ، فَهُوَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ اللَّيْلِ التي لَا تُخْطِئُ، بِأَنْ يُثَبِّتَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ وَفي الآخِرَةِ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الاثنين: 26/جمادى الآخرة /1445هـ، الموافق: 8/كانون الثاني / 2024م
ارسل إلى صديق |
مِنْ مَظَاهِرِ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ بِهَذِهِ الأُمَّةِ، مَا كَانَ يُكِنُّهُ قَلْبُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِرْصٍ عَلَى أُمَّتِهِ، وَعَلَى هِدَايَتِهِمْ وَنَجَاتِهِمْ، وَخَلَاصِهِمْ مِمَّا ... المزيد
مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دِينَهُ وَشَرْعَهُ دِينُ يُسْرٍ لَا عُسْرَ فِيهِ، وَدِينُ رَحْمَةٍ لَا غِلْظَةَ فِيهِ، وَهَذَا لَا يَعْنِي التَّسَاهُلَ في أُمُورِ ... المزيد
مِنْ مَظَاهِرِ الرَّحْمَةِ الرَبَّانِيَّةِ بِالخَلِيقَةِ أَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ دِينَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دِينَ ... المزيد
قَالَ اللهُ تعالى في أَصْلِ هَذَا الدِّينِ، وَنِعْمَةِ اللهِ عَلَى البَشَرِيَّةِ بِبِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي ... المزيد
لَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ تعالى أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ رَسُولَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَانًا للنَّاسِ، لِذَا فَلَا يُصَابُونَ بِعَذَابِ اسْتِئْصَالٍ، كَمَا كَانَ في الأُمَمِ السَّابِقَةِ، كَمَا ... المزيد
لَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً للعَالَمِينَ، وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ سِوَاهُ، وَفي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى عُلُوِّ قَدْرِهِ ... المزيد