874ـ خطبة الجمعة: احذروا الغش أيها الطلاب

874ـ خطبة الجمعة: احذروا الغش أيها الطلاب

874ـ خطبة الجمعة: احذروا الغش أيها الطلاب

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: العَقْلُ السَّلِيمُ لَا يَرْضَى بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالكَاذِبِ، وَلَا يَرْضَى بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ المُؤْمِنِ وَالكَافِرِ، وَلَا يَرْضَى بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا وَمَنْ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ، وَلَا يَرْضَى بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ المُتَّقِينَ وَالفُجَّارِ.

هَذَا هُوَ دِينُنَا، وَهَذَا هُوَ إِرْشَادُ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: دِينُنَا هُوَ دِينُ الإِنْصَافِ، وَهُوَ الذي يُعْطِي لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَحَتَّى يَأْخُذَ العَبْدُ حَقَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الامْتِحَانِ، قَالَ تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.

مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ أَقُولُ: إِنَّ الغِشَّ في الامْتِحَانَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ مُسْتَوَيَاتِهَا لَا يَقْبَلُهُ العَقْلُ السَّلِيمُ، لِأَنَّ الغِشَّ في الامْتِحَانَاتِ يُسَاوِي بَيْنَ الطَّالِبِ البَلِيدِ الكَسُولِ مَعَ الجَادِّ المُجْتَهِدِ الذَّكِيِّ؛ الغِشُّ في الامْتِحَانَاتِ يُسَاوِي بَيْنَ طَالِبٍ قَضَى عَامَهُ بِالجِدِّ وَالمُوَاظَبَةِ مَعَ طَالِبٍ قَضَى عَامَهُ بِاللَّهْوِ وَالغَفْلَةِ وَالكَسَلِ وَالتَّسْلِيَةِ وَضَيَاعِ الوَقْتِ، وَهَذَا مَا تَأْبَاهُ الشَّرِيعَةُ المُطَهَّرَةُ، لِذَلِكَ حَرَّمَتْهُ حُرْمَةً مُطْلَقَةً، وَاعْتَبَرَتْهُ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ، حَتَّى تَبَرَّأَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الغَاشِّ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا».

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

المَفَاسِدُ وَالآثَامُ التي تَتَرَتَّبُ عَلَى الغِشِّ:

يَا أَيُّهَا الطُّلَّابُ وَالطَّالِبَاتُ، احْذَرُوا الغِشَّ في امْتِحَانَاتِكُمْ في جَمِيعِ مَرَاحِلِ دِرَاسَتِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الغِشَّ مِنْ أَخْطَرِ الكَوَارِثِ التي تُصِيبُ الأُمَّةَ، حَيْثُ يَسْتَلِمُ الغَاشُّ في المُسْتَقْبَلِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ، وَهَذَا عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَالغَاشُّ يَتَسَلَّمُ مَكَانًا لَيْسَ هُوَ بِأَهْلٍ لَهُ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ فَاسِدًا وَمُفْسِدًا.

أَيُّهَا الطُّلَّابُ وَالطَّالِبَاتُ، اعْلَمُوا أَنَّ الغِشَّ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

كَيْفَ لَا يَكُونُ الغِشُّ تَعَاوُنًا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَفِيهِ خِيَانَةٌ للمُجْتَمَعِ، حَيْثُ يُبْطِلُ الغَايَةَ مِنَ الامْتِحَانِ، وَيَجْعَلُ البَلِيدَ كَالذَّكِيِّ؟

كَيْفَ لَا يَكُونُ الغِشُّ تَعَاوُنًا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَفِيهِ زَرْعٌ للأَحْقَادِ في نُفُوسِ المُتَفَوِّقِينَ الذينَ قَضَوْا أَوْقَاتَهُمْ بِالجِدِّ وَالاجْتِهَادِ وَالدِّرَاسَةِ؟

كَيْفَ لَا يَكُونُ الغِشُّ تَعَاوُنًا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَهُوَ يُضَيِّعُ العِلْمَ، وَيَجْعَلُ الجَاهِلَ كَالعَالِمِ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾. بِالغِشِّ يَضِيعُ العِلْمُ، وَإِذَا ضَاعَ العِلْمُ ضَاعَتِ الأُمَّةُ.

كَيْفَ لَا يَكُونُ الغِشُّ تَعَاوُنًا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَمِنْ خِلَالِ الغِشِّ يَتَوَلَّى الغَاشُّ مَسْؤُولِيَّةً إِمَّا في الطِّبِّ أَو الهَنْدَسَةِ أَو غَيْرِهَا، وَيَكُونُ مُؤْتَمَنًا عَلَى مَا تَوَلَّى؟

كَيْفَ لَا يَكُونُ الغِشُّ تَعَاوُنًا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَالغَاشُّ يَنَالُ بِغِشِّهِ شَهَادَةً مُزَوَّرَةً، وَهَذِهِ عَيْنُ الخِيَانَةِ، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. أَيُّ شَهَادَةٍ يَنَالُهَا الغَاشُّ؟

أَيُّهَا الطُّلَّابُ وَالطَّالِبَاتُ، الغِشُّ في الامْتِحَانَاتِ يَعْنِي فَسَادَ الأَعْمَالِ، وَفَسَادَ الإِدَارَاتِ، وَفَسَادَ التَّخَصُّصَاتِ، وَيَجْعَلُ الفَاشِلَ الكَسُولَ مُؤَهَّلًا لِاسْتِلَامِ الأَعْمَالِ وَالإِدَارَاتِ وَالتَّخَصُّصَاتِ التي لَا يَسْتَحِقُّهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا أَيُّهَا الطُّلَّابُ وَالطَّالِبَاتُ، لَا خَيْرَ في الغِشِّ، لِأَنَّهُ يَقْلِبُ مَوَازِينَ المُجْتَمَعِ، حَيْثُ تُسْنَدُ الأُمُورُ لِغَيْرِ أَصْحَابِهَا، وَهَذَا مِنْ عَلَامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَالغَاشُّ يَصْدُقُ فِيهِ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

الغَاشُّ وَالمُسَاعِدُ لَهُ عَلَى الغِشِّ، كُلٌّ مِنْهُمَا خَائِنٌ، وَالخِيَانَةُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ المُنَافِقِينَ.

كُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنَ الغِشِّ في امْتِحَانَاتِكُمْ، جِدُّوا وَاجْتَهِدُوا، ثُمَّ تَوَكَّلُوا عَلَى الحَيِّ الذي لَا يَمُوتُ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى السَّدَادَ لِجَمِيعِ الطُّلَّابِ في جَمِيعِ مَرَاحِلِ دِرَاسَتِهِمْ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 27/ ذو القعدة /1444هـ، الموافق: 16/ حزيران / 2023م

 2023-06-15
 688
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

01-12-2023 243 مشاهدة
892ـ خطبة الجمعة: الإسلام رفع الإنسان فوق كل المقدسات

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدِ اعْتَادَ شَيَاطِينُ الإِنْسِ الذينَ دَارُوا في فَلَكِ شَيَاطِينِ الجِنِّ عَلَى التَّسَتُّرِ وَرَاءَ شِعَارَاتٍ بَرَّاقَةٍ وَاهِيَةٍ، تَبْدُو في ظَاهِرِهَا مَعْقُولَةً وَجَمِيلَةً وَحَسَنَةً، يُلْقِي ... المزيد

 01-12-2023
 
 243
23-11-2023 1188 مشاهدة
891ـ خطبة الجمعة: قوم لن يغلبوا

إِنَّ مَعْرَكَةَ الإِسْلَامِ مَعَ الكُفْرِ لَيْسَتْ وَلِيدَةَ اليَوْمِ، بَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ مُنْذُ أَنْ وُجِدَ الإِنْسَانُ، وَلَنْ يَخْلُوَ زَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ مِنْ تِلْكَ المَعْرَكَةِ الضَّارِيَةِ، غَيْرَ أَنَّ النُّورَ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا ... المزيد

 23-11-2023
 
 1188
16-11-2023 2132 مشاهدة
890ـ خطبة الجمعة: لا تزال الابتلاءات الأمة

إِنَّ مَعْرَكَةَ الإِسْلَامِ مَعَ الكُفْرِ لَيْسَتْ وَلِيدَةَ اليَوْمِ، بَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ مُنْذُ أَنْ وُجِدَ الإِنْسَانُ، وَلَنْ يَخْلُوَ زَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ مِنْ تِلْكَ المَعْرَكَةِ الضَّارِيَةِ، غَيْرَ أَنَّ النُّورَ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا ... المزيد

 16-11-2023
 
 2132
05-10-2023 3229 مشاهدة
889ـ خطبة الجمعة: القرآن العظيم منهج حياة

يَا مَنْ أَسْعَدَكُمُ اللهُ تعالى بِالإِيمَانِ، وَشَرَحَ صُدُورَكُمْ للإِسْلَامِ، اعْلَمُوا أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ لَكُمْ مِيرَاثًا، إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ نِلْتُمْ مَا نَالَهُ ... المزيد

 05-10-2023
 
 3229
28-09-2023 2185 مشاهدة
888ـ خطبة الجمعة: ميراث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

لَقَدْ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا تَكُونَ حَياَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَوِيلَةً، فَكَانَتِ الأَرْبَعُونَ عَامًا مِنْهَا تَهْيِئَةً رَبَّانِيَّةً للمُهِمَّةِ العَظِيمَةِ ... المزيد

 28-09-2023
 
 2185
21-09-2023 1601 مشاهدة
887ـ خطبة الجمعة: اختياره صلى الله عليه وسلم من الأزل

في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ يَتَجَدَّدُ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ حُبُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي هُوَ أَصْلُ شَرَفِنَا وَمَصْدَرُ فَخْرِنَا وَعِزِّنَا في هَذَا العَالَمِ. نَعَمْ، ... المزيد

 21-09-2023
 
 1601

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5601
المقالات 3123
المكتبة الصوتية 4671
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 410681454
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :