934ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (2)

934ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (2)

934ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (2)

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ، وَوَعْدُهُ تَعَالَى لَا يُخْلَفُ، بَلْ أَوْضَحَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ أَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾. وَأَوْضَحَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ مَوْلَاهُمْ، فَقَالَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾.

يَجِبُ يَا عِبَادَ اللهِ أَنْ لَا يَتَزَعْزَعَ إِيمَانُنَا بِذَلِكَ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ وَعْدَ اللهِ تَعَالَى الَّذِي وَعَدَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِهِ أَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَسْتَعْجِلَ الأُمُورَ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾؟

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ النَّصْرِ، بَعْدَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الخُطْبَةِ المَاضِيَةِ:

رَابِعًا: عَدَمُ الاسْتِعْجَالِ، لَقَدْ وُعِدَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، وَلَكِنْ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَسْتَعْجِلُوا النَّتَائِجَ، لِأَنَّ اسْتِعْجَالَ الأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا يَجُرُّ عَلَى الأُمَّةِ الكَوَارِثَ وَالمَصَائِبَ بِسَبَبِ تَعْجِيلِ المُتَعَجِّلِينَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا سَيِّدُنَا مُوسَى وَسَيِّدُنَا هَارُونُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، دَعَوَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا أَخْبَرَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾. فَقَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ مُبَاشَرَةً: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

يَقُولُ الإِمَامُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ كَثِيرٍ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَقُولُونَ: إِنَّ فِرْعَوْنَ مَكَثَ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

يَا عِبَادَ اللهِ: خُذُوا بِأَسْبَابِ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، وَخَاصَّةً لِإِخْوَانِنَا فِي فِلَسْطِينَ عَامَّةً وَفِي غَزَّةَ خَاصَّةً، وَلَا تَسْتَعْجِلُوا، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحَقِّقُ وَعْدَهُ فِي الوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ، لَا فِي الوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ العِبَادَ.

وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:

قَدْ يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ   ***   وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المُسْتَعْجِلِ الزَّلَلْ

اصِبْرِ قَلِيلًا وَكُنْ بِاللهِ مُعْتَصِمًا   ***   لَا تَعْجَلَنَّ فَإِنَّ العَجْزَ بِـالعَجَلْ

الصَّبْرُ مِثْلُ اسْمِهِ فِي كُلِّ نَائِبَةٍ    ***   لَكِنْ عَوَاقِبُهُ أَحْلَى مِنَ الـعَسَلْ

وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:

اصْبِرْ قَلِيلًا فَبَعْدَ العُسْرِ تَيْسِيرٌ    ***   وَكُلُّ وَقْتٍ لَهُ أَمْرٌ وَتَدْبِيرُ

وَلِلْمُهَيْمِنِ فِي حَـالَاتِنَا قَـــدَرٌ   ***   وَفَـوْقَ تَدْبِيرِنَا للهِ تَـدْبِيرُ

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الوَاجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ اليَوْمَ، وَهُمْ يُشَاهِدُونَ أَحْدَاثَ غَزَّةَ، التَّعَاوُنُ وَالاتِّفَاقُ، وَتَوْحِيدُ الصَّفِّ، وَالصَّبْرُ وَالمُصَابَرَةُ، حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ تَعَالَى بِالفَرَجِ.

لِنَسْتَحْضِرْ يَا عِبَادَ اللهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ﴾. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ﴾.

فَعَلَيْنَا جَمِيعًا بِالصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَأَدَاءِ الحُقُوقِ الَّتِي فِي ذِمَّتِنَا، وَعَلَيْنَا بِالصَّبْرِ عَنِ المَعَاصِي وَالكَفِّ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا قَوْلًا وَفِعْلًا، وَعَلَيْنَا بِالصَّبْرِ عَلَى قَضَاءِ اللهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ.

نُصْرَتُنَا لِأَهْلِ غَزَّةَ تَكُونُ بِالإِيمَانِ الصَّادِقِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ تَعَالَى حَقَّ التَّوَكُّلِ، مَعَ كَثْرَةِ الدُّعَاءِ، وَبِجَمْعِ كَلِمَتِنَا عَلَى الحَقِّ، وَبِالثِّقَةِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ وَعْدَهُ لَا يُخْلَفُ، وَعَدَمِ الاسْتِعْجَالِ، وَأَنْ نَسْتَحْضِرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾.

يَا رَبِّ أَرِنَا عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ فِي اليَهُودِ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 19/ شوال /1446هـ، الموافق: 18/ نيسان / 2025م

 2025-04-17
 1227
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-08-2025 2168 مشاهدة
954ـ خطبة الجمعة: يوم المولد يوم مولد المجد

فِي يَوْمِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ وُلِدَ يَوْمُ المَجْدِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، فِي يَوْمِ المَوْلِدِ الـشَّرِيفِ جَاءَتِ البِشَارَاتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لِتَكُونَ أُمَّةً مَتْبُوعَةً لَا تَابِعَةً، لِتَكُونَ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. ... المزيد

 28-08-2025
 
 2168
22-08-2025 2246 مشاهدة
953ـ خطبة الجمعة: ظاهرة الكذب ضيعت الحقوق

الظَّوَاهِرُ القَبِيحَةُ فِي المُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ أَقْبَحَهَا وَأَخْطَرَهَا ظَاهِرَةُ الكَذِبِ، هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ ... المزيد

 22-08-2025
 
 2246
14-08-2025 1602 مشاهدة
952ـ خطبة الجمعة: كمال شخصية الداعي

مَنْ حُجِبَ عَنِ العِلْمِ عَذَّبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جَهْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ العِلْمُ فَأَدْبَرَ عَنْهُ، وَسَاقَ اللهُ إِلَيْهِ الهُدَى فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... المزيد

 14-08-2025
 
 1602
08-08-2025 2067 مشاهدة
951ـ خطبة الجمعة: العدل من صفات أهل الكمال

العَدْلُ وَالْإِنصَافِ عَزِيزَانِ بَيْنَ النَّاسِ، لِأَنَّ طَبِيعَةَ الإِنسَانِ أَنَّهُ مَيَّالٌ لِلظُّلْمِ وَمُحِبٌّ لِلْجَهْلِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾. إِلَّا مَنْ خَالَفَ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ وَشَيْطَانَهُ، وَاتَّبَعَ ... المزيد

 08-08-2025
 
 2067
01-08-2025 2507 مشاهدة
950ـ خطبة الجمعة: حتى نفوز بطوبى «فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»

حَتَّى نَفُوزَ بِطُوبَى لَا بُدَّ أَنْ نَسْمَعَ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى ... المزيد

 01-08-2025
 
 2507
24-07-2025 3101 مشاهدة
949ـ خطبة الجمعة: أسباب الأمن والأمان

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يُصْبِحُوا آمِنِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، مُطْمَئِنِّينَ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ، لَا يَخَافُونَ ظُلْمَ ظَالِمٍ، وَلَا جَوْرَ جَائِرٍ، وَلَا خِيَانَةَ خَائِنٍ، وَقَدْ أَشَارَ سَيِّدُنَا ... المزيد

 24-07-2025
 
 3101

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5703
المقالات 3248
المكتبة الصوتية 4881
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 427975520
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :