917ـ خطبة الجمعة: نصائح للمرشحين

917ـ خطبة الجمعة: نصائح للمرشحين

917ـ خطبة الجمعة: نصائح للمرشحين

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: مِنَ المُسْتَقِرِّ في العُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ نِهَايَةً، وَأَنَّ المَوْتَ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ، إِمَّا إلى جَنَّةٍ وَإِمَّا إلى نَارٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

مِنَ المُسْتَقِرِّ في العُقُولِ السَّلِيمَةِ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾.

ثُمَّ يَقُولُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾. وَيَقُولُ: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

فَيَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ العَاقِلُ، قِفْ وَتَأَمَّلْ حَالَكَ، وَأَنْتَ مَعْرُوضٌ عَلَى اللهِ تعالى، وَمَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ تَبَارَكَ وتعالى، لَا تَخْفَى مِنْكَ خَافِيَةٌ، وَسَيَسْأَلُكَ رَبُّكَ لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، عَنْ أَقْوَالِكَ وَأَفْعَالِكَ وَنِيَّاتِكَ، فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

نَصَائِحُ لِـمُرَشَّحِي مَجْلِسِ الشَّعْبِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ خِلَالِ مَا رَأَيْتُ وَرَأَيْتُمُ مِنَ التَّزَاحُمِ عَلَى عُضْوِيَّةٍ في مَجْلِسِ الشَّعْبِ، أَقُولُ لِكُلِّ أَخٍ كَرِيمٍ رَشَّحَ نَفْسَهُ لِعُضْوِيَّةِ المَجْلِسِ:

أَوَّلًا: هَلْ تَنْظُرُ إلى هَذَا المَجْلِسِ عَلَى أَنَّهُ مَغْنَمٌ أَوْ مَغْرَمٌ؟ فَإِنْ كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ أَنَّهُ مَغْنَمٌ، فَأَنْتَ مِمَّنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، وَأَمَّا إِذَا كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ أَنَّهُ مَغْرَمٌ، فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ سَتَحْمِلُ مَسْؤُولِيَّةَ هَذَا الشَّعْبِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى، وَعَلَيْكَ أَنْ تَسْتَحْضِرَ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ».

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشْرَةٍ، فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَّا أُتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدُهُ مَغْلُولَةٌ إِلَى عُنُقِهِ، فَكَّهُ بِرُّهُ، أَوْ أَوْثَقَهُ إِثْمُهُ، أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ، وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

ثَانِيًا: هَلْ عِنْدَكَ الاسْتِعْدَادُ لِنَقْلِ مَا يُرِيدُهُ النَّاسُ إلى أَصْحَابِ الشَّأْنِ، وَأَنَّكَ تَقُولُ الحَقَّ وَلَا تَخْشَى في اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَأَنْتَ تَسْتَحْضِرُ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ وَبَلَغَ فِيهَا كَانَ خَيْرًا مِنِ اعْتِكَافِ عَشْرِ سِنِينَ، وَمَنِ اعْتَكَفَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثَلَاثَ خَنَادِقَ أَبَعْدَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ» رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَمْ أَنَّكَ رَشَّحْتَ نَفْسَكَ مِنْ أَجْلِ مَصَالِحِكَ الشَّخْصِيَّةِ، وَمَصَالِحِ مَنْ يَلُوذُ بِكَ؟

ثَالِثًا: هَلْ سَتَكُونُ عَيْنُكَ سَاهِرَةً عَلَى النَّاسِ تَرْفَعُ الظُّلْمَ عَنِ المَظْلُومِ، وَتُفَرِّجُ كُرْبَةَ كُلِّ مَكْرُوبٍ، وَتَسْعَى عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ؟

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَا مَنْ رَشَّحْتُمْ أَنْفُسَكُمْ لِمَجْلِسِ النِّيَابَةِ، اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ، فَإِنِ اسْتَحْضَرْتُمْ وُقُوفَكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى، وَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمُ المَقْدِرَةَ عَلَى تَحَمُّلِ هَذِهِ المَسْؤُولِيَّةِ فَتَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ تعالى وَنَحْنُ مَعَكُمْ، وَإِلَّا فَانْسَحِبُوا وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

وَأَمَّا أَنْتُمْ يَا عِبَادَ اللهِ، تَسَاءَلُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِكُمْ لِمَنْ سَتُعْطُونَ أَصْوَاتَكُمْ؟ أَنْتُمْ كَذَلِكَ مَسْؤُولُونَ عَنْ ذَلِكَ مَسْؤُولُونَ عَنْ ذَلِكَ وَرَبِّ الكَعْبَةِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى.

لِذَا أَقُولُ لَكُمْ: انْتَخِبُوا مَنْ حَسُنَتْ سِيرَتُهُ، وَطَابَتْ سَرِيرَتُهُ، وَتَطَابَقَتْ أَقْوَالُهُ مَعَ أَفْعَالِهِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَرِّجَ الكَرْبَ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَنْ يَرْفَعَ عَنْهَا الغَلَاءَ وَالبَلَاءَ وَالوَبَاءَ، وَأَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهَا خِيَارَهَا لَا شِرَارَهَا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 6/ محرم /1446هـ، الموافق: 12/ تموز / 2024م

 2024-07-12
 999
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-10-2024 1705 مشاهدة
929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. ... المزيد

 04-10-2024
 
 1705
27-09-2024 1202 مشاهدة
928ـ خطبة الجمعة: الآداب المطلوبة من كل مسلم

لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَتَأَدَّبُ مَعَ حَبِيبِهِ ... المزيد

 27-09-2024
 
 1202
20-09-2024 985 مشاهدة
927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد

 20-09-2024
 
 985
13-09-2024 1091 مشاهدة
926ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (2)

العَارُ كُلُّ العَارِ أَنْ لَا يَعْرِفَ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ المَعْرِفَةِ لَمْ يَرْتَبْ وَلَمْ يَشُكَّ في صِدْقِهِ وَفي صِدْقِ مَا جَاءَ ... المزيد

 13-09-2024
 
 1091
07-09-2024 1430 مشاهدة
925ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (1)

لَقَدْ وَهَبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ البَشَرِيَّةَ حَيَاةَ سَعَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَرُوحًا نَاضِرَةً، وَذَلِكَ بِظُهُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا ... المزيد

 07-09-2024
 
 1430
29-08-2024 1139 مشاهدة
924ـ خطبة الجمعة: فقد العلماء مصيبة كبرى

العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ نُجُومٌ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى هِدَايَةً لِمَنْ أَرَادَ سَلَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، العُلَمَاءُ العَامِلُونَ هُمْ شُهَدَاءُ اللهِ المَرْضِيُّونَ، أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَعْظَمِ مَشْهُودٍ ... المزيد

 29-08-2024
 
 1139

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5629
المقالات 3193
المكتبة الصوتية 4861
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 418383385
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :