18- عرفنا الداء ولم نعرف الدواء

18- عرفنا الداء ولم نعرف الدواء

18ـ خطبة الجمعة: عرفنا الداء ولم نعرف الدواء

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فَيَا عِبَادَ اللهِ:

فَنَحْنُ نَعِيشُ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعِنْدَنَا مَشَاكِلُ كَثِيرَةٌ، وَدَاءَاتٌ كَثِيرَةٌ، حَتَّى أَصْبَحْنَا نَعْرِفُ الدَّاءَ وَنَعْرِفُ الدَّوَاءَ، وَلَكِنَّ القَضِيَّةَ لَيْسَتْ فِي مَعْرِفَةِ الدَّاءِ مَعَ مَعْرِفَةِ الدَّوَاءِ.

لَوْ تَسَاءَلْنَا عَلَى كُلِّ مُسْتَوَيَاتِنَا: مَنْ يُعَدِّدُ لَنَا الدَّاءَاتِ الَّتِي أَصَابَتْ مُجْتَمَعَنَا؟ وَالمُجْتَمَعُ مُكَوَّنٌ مِنْ أَفْرَادٍ، لَرَفَعَ الجَمِيعِ أَيَادِيَهُمْ، وَكُلُّ وَاحِدٍ فِينَا يَعْرِفُ دَاءَ هَذَا المُجْتَمَعِ، وَالمُجْتَمَعُ يَعْنِي أَنَا وَأَنْتَ، وَأُسْرَتِي وَأُسْرَتَكَ. كُلُّنَا عَرَفَ الدَّاءَ.

لَوْ تَسَاءَلْنَا: أَعْطُونِي دَاءً مِنْ دَاءَاتِ مُجْتَمَعِنَا. لَقُلْتَ لِي: الدَّاءُ فِي المُجْتَمَعِ الكِبْرُ، أَقُولُ لَكَ: ثُمَّ مَاذَا؟ تَقُولُ لِي: الحَسَدُ، ثُمَّ مَاذَا؟ التَّفَكُّكُ، ثُمَّ مَاذَا؟ التَّشَرْذُمُ، ثُمَّ مَاذَا؟ التَّدَابُرُ. أَقُولُ لَكَ: مَا هُوَ العِلَاجُ؟ تَقُولُ لِي: العِلَاجُ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا﴾. وَالإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ ...

عَرَفْنَا الدَّاءَ وَعَرَفْنَا الدَّوَاءَ، وَلَكِنِ السُّؤَالُ الَّذِي يَطْرَحُ نَفْسَهُ: بَعْدَ مَعْرِفَتِنَا بِالدَّاءِ وَالدَّوَاءِ، لِمَاذَا لَا نَجْعَلُ الدَّوَاءَ عَلَى الدَّاءِ لِيَبْرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ هُنَا تَكْمُنُ المُشْكِلَةُ، لَيْسَتِ الرُّجُولَةُ فِي مَعْرِفَةِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ، وَلَكِنِ القَضِيَّةُ: هَلْ نُحِسُّ بِهَذَا الدَّاءِ أَمْ لَا؟ وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَوْ أَحْسَسْنَا بِالدَّاءِ الَّذِي حَلَّ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنَّا، لَأَسْرَعْنَا إِلَى الدَّوَاءِ، إِذَا رَأَيْتَ رَجُلًا مَرِيضًا، وَيَعْرِفُ أَنَّ الدَّاءَ فِي جَسَدِهِ، وَفِي جَوْفِ اللَّيْلِ أَحَسَّ بِالدَّاءِ، فَمَاذَا فَعَلَ عِنْدَمَا أَحَسَّ بِالدَّاءِ؟ هَلْ تَابَعَ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَلَهْوَهُ وَضَحِكَهُ وَلَعِبَهُ وَجُلُوسَهُ أَمَامَ شَاشَاتِ التِّلْفَازِ؟ هَلْ تَابَعَ لِقَاءَاتِهِ مَعَ النَّاسِ عِنْدَمَا أَحَسَّ بِالدَّاءِ؟ لَا يَا عِبَادَ اللهِ، عِنْدَمَا أَحَسَّ بِالدَّاءِ أَسْرَعَ إِلَى الطَّبِيبِ، وَأَسْرَعَ فِي أَخْذِ العِلَاجِ، مَعَ كَثْرَةِ الدُّعَاءِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَعَ وُجُودِ النُّذُورِ إِنْ شَفَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مَرَضِهِ. أَلَيْسَ هَذَا هُوَ وَاقِعَنَا؟ إِذَا شَعَرْنَا بِدَاءَاتِ أَجْسَادِنَا وَأَحْسَسْنَا بِهَا، أَسْرَعْنَا لِعِلَاجِهَا، وَأَسْرَعْنَا لِوَضْعِ أَنْفُسِنَا تَحْتَ يَدِ طَبِيبٍ لِمُعَالَجَةِ أَنْفُسِنَا.

أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِدِينِنَا، وَقِيَمِنَا، وَمُسْتَقْبَلِنَا فِي الآخِرَةِ، عِنْدَ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ مَا نَشْعُرُ، وَإِنْ عَرَفْنَا الكِبْرَ وَأَضْرَارَهُ، وَالحَسَدَ وَأَضْرَارَهُ، وَالتَّكَالُبَ عَلَى الدُّنْيَا وَأَضْرَارَهُ، لَكِنَّنَا لَا نُحِسُّ بِهَذَا الدَّاءِ، فَتَرَانَا نَضْحَكُ وَنَلْعَبُ وَنَسْرَحُ وَنَمْرَحُ وَنَلْهُو وَنَغْفُلُ مَعَ وُجُودِ الدَّاءِ الَّذِي نُقِرُّ بِهِ جَمِيعًا، وَرُبَّمَا أَنْ يَكُونَ المَصِيرُ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَمَعَ ذَلِكَ الأَمْرُ طَبِيعِيٌّ عِنْدَ هَذَا الإِنْسَانِ، لِمَاذَا؟ لِأَنَّنَا مَا أَحْسَسْنَا بِدَائِنَا، وَلَوْ أَحْسَسْنَا لَأَسْرَعْنَا.

مِنْ دَاءَاتِ المُجْتَمَعِ اليَوْمَ الوَهْمُ الَّذِي يَعِيشُهُ النَّاسُ، وَالخَوْفُ وَعَدَمُ الأَمَلِ، أَنَا أَتَكَلَّمُ عَنْ هَذَا مِنْ قَلْبٍ مَجْرُوحٍ، لِمَا أَرَى مِنْ أَمْوَالٍ تُبْذَلُ فِي سَبِيلِ أَيِّ شَيْءٍ، تَرَوْنَ شَوَارِعَنَا، وَتَرَوْنَ جُدْرَانَنَا، وَتَرَوْنَ هَذِهِ الدِّعَايَاتِ، وَبِكُلِّ أَسَفٍ الَّذِي يُدْمِي الفُؤَادَ وَيُدْمِي القَلْبَ، أَنْ يَسْتَغِلَّ البَعْضُ بَعْضَ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ لِيَجْعَلَهَا فَوْقَ الصُّورَةِ أَوْ تَحْتَهَا، وَيُقْسِمُ أَيْمَانًا بِاللهِ، وَهُوَ يَرَى بِأُمِّ بَصَرِهِ كَيْفَ تُمَزَّقُ هَذِهِ الصُّوَرُ وَكَيْفَ تَقَعُ تِلْكَ الآيَاتُ عَلَى الأَرْضِ، وَالأَمْرُ طَبِيعِيٌّ عِنْدَ هَذَا المُرَشَّحِ لِمَجْلِسِ النِّيَابَةِ.

يَا أَخِي: ضَعْ صُوَرَكَ وَلَوْ مُزِّقَتِ الصُّوَرُ وَوَقَعَتْ فِي الأَرْضِ، فَأَنْتَ تَعْرِفُ قَدْرَ نَفْسِكَ، هَلْ لَهَا قِيمَةٌ أَمْ لَا؟ فَالأَمْرُ أَنْتَ تُقَدِّرُهُ؟ أَمَّا أَنْ تَجْعَلَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ وَأَنْتَ عَلَى ثِقَةٍ بِأَنَّهَا سَتُمَزَّقُ وَتَقَعُ عَلَى الأَرْضِ، وَرَبُّكَ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ لَكَ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾. أَيْنَ تَعْظِيمُكَ لِشَعِيرَةِ اللهِ، أَتَسْتَغِلُّ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ لِلْوَهْمِ الَّذِي أَنْتَ تَعِيشُهُ وَتَتَصَوَّرُهُ، نَعِيشُ فِي وَهْمٍ لَا فِي وَاقِعٍ وَلَا حَقِيقَةٍ، وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ كَادَ الوَهْمُ أَنْ يَذْبَحَنَا مِنَ الوَرِيدِ إِلَى الوَرِيدِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ.

وَهَمُّنَا وَصَلَ إِلَى دَرَجَةٍ سَامِحُونِي إِنْ قُلْتُ: إِنَّ الوَاحِدَ مِنَّا يُفَكِّرُ إِذَا مَاتَ عِنْدَهُ مَيِّتٌ، بِعَدَدِ المُشَيِّعِينَ الَّذِي سَيَخْرُجُونَ مَعَهُ فِي الجِنَازَةِ، وَيُفَكِّرُ بِعَدَدِ السَّيَّارَاتِ وَالمَوْكِبِ الَّذِي سَتُشَيَّعُ فِيهِ هَذِهِ الجِنَازَةُ، يُفَكِّرُ أَحَدُنَا فِي بَيْتِ العَزَاءِ الَّذِي سَيَجْعَلُهُ، وَيُفَكِّرُ فِي المُعَزِّينَ مَنِ الَّذِي سَيَأْتِي؟ نُفَكِّرُ فِي هَذَا، وَلَا يُفَكِّرُ أَحَدُنَا فِي حُسْنِ الخَاتِمَةِ، وَلَا يُفَكِّرُ أَحَدُنَا فِي هَذَا المَيْتِ الَّذِي مَاتَ لَنَا هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ أَمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ هَلْ خُتِمَ لَهُ عَلَى طَاعَةٍ أَمْ عَلَى مَعْصِيَةٍ؟ هَلْ خُتِمَ لَهُ عَلَى حُسْنِ حَالَةٍ مَعَ اللهِ أَمْ عَلَى سُوءِ حَالَةٍ؟ هَلْ مَاتَ هَذَا المَيْتُ وَتَرَكَ دُيُونًا وَتَرَكَ وَفَاءً لَهَا أَمْ لَا؟ هَلْ خَرَجَ هَذَا المَيْتُ وَقَدْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ فِي الحُقُوقِ الَّتِي لَهُ وَالوَاجِبَاتِ الَّتِي عَلَيْهِ؟ لَا يُفَكِّرُ الكَثِيرُ مِنَّا فِي ذَلِكَ، إِنَّمَا نُفَكِّرُ فِي وَهْمٍ أَصْبَحْنَا نَتَقَلَّبُ بِهِ صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَرُبَّمَا يَرْتَكِبُ أَحَدُنَا مُخَالَفَةً شَرْعِيَّةً فِي تَأْخِيرِ الجِنَازَةِ، لِمَاذَا؟ فُلَانٌ سَيَأْتِي مِنَ المَسْؤُولِينَ، التُّجَّارِ، لِأَنَّ الجَمْعَ يَكُونُ أَعْظَمَ، أَصْبَحْنَا نَعِيشُ فِي وَهْمٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى العَزَاءِ فِي مُصَابِنَا بِالمَوْتِ، الَّذِي قَالَ عَنْهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَفَى بِالمَوْتِ وَاعِظًا يَا عُمَرُ.

الوَهْمُ وَصَلَ إِلَى أَفْرَاحِنَا، يُرِيدُ أَحَدُنَا أَنْ يُزَوِّجَ وَلَدَهُ، أَوَّلُ مَا يُفَكِّرُ فِي المَكَانِ الَّذِي سَيَجْعَلُ فِيهِ الحَفْلَ، مَنْ هُوَ المَدْعُوُّ لِهَذَا الحَفْلِ؟ مَنْ هِيَ فِرْقَةُ الإِنْشَادِ الَّتِي سَتَأْتِي؟ وَكَيْفَ تُوَزَّعُ الكَرَاسِيُّ؟ وَإِذَا جَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَيْنَ يَجْلِسُ؟ وَهَلْ نَجْعَلُ مَعَ النَّشِيدِ ضِيَافَاتٍ ذَاتَ قِيمَةٍ، وَكَيْفَ تُطْبَعُ كُرُوتُ الدَّعْوَاتِ... بَدَأْنَا نَعِيشُ فِي وَهْمٍ لِأَنَّنَا ظَنَنَّا أَنَّ هَذِهِ الأَفْعَالَ هِيَ الَّتِي سَتُحَقِّقُ السَّعَادَةَ لِأَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا فِي زَوَاجِهِمْ، لَا يُفَكِّرُ أَحَدُنَا فِي سَعَادَةِ هَذَا الوَلَدِ مِنْ خِلَالِ تَعْلِيمِهِ أَحْكَامَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الزَّوَاجِ، وَلَا يُفَكِّرُ أَحَدُنَا فِي تَحْقِيقِ السَّعَادَةِ لِابْنَتِهِ فِي تَعْلِيمِهَا عَلَاقَةَ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ مَعَ زَوْجِهَا، لَا يُفَكِّرُ أَحَدُنَا فِي مَسْأَلَةِ سَعَادَةِ الأُسْرَتَيْنِ فِي هَذَا الزَّوَاجِ، إِنَّمَا فَكَّرْنَا بِالوَهْمِ الَّذِي نَعِيشُهُ، أَلَا وَهُوَ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا الحَفْلُ؟ حَتَّى وَصَلَ الوَهْمُ إِلَيْنَا نَحْنُ طَلَبَةَ العِلْمِ، نَحْنُ الَّذِينَ نَرْتَقِي مَنَابِرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَدَأْتُ أُفَكِّرُ فِي الخُطْبَةِ أَوِ الدَّرْسِ أَوِ المَوْعِظَةِ، مَاذَا يَقُولُ النَّاسُ عَنِّي؟ وَهَلْ أَنَا يُصَلِّي عِنْدِي أَكْثَرَ مَنْ يُصَلِّي عِنْدَ فُلَانٍ مِنَ الأَئِمَّةِ وَالخُطَبَاءِ؟ وَهْمٌ وَصَلَ إِلَى قُلُوبِنَا فَظَنَنَّا أَنَّنَا بِهَذِهِ التَّصَوُّرَاتِ نُحَقِّقُ لِأَنْفُسِنَا السَّعَادَةَ.

أَحَدُنَا يُفَكِّرُ لَيْلًا وَنَهَارًا فِيمَنْ يَجْعَلُ مَعَهُمُ العَلَاقَاتِ، مَعَ أَيِّ مَسْؤُولٍ، ضَابِطٍ، كَبِيرٍ، تَاجِرٍ، وَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَالتَّعَرُّفَ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقَوِّيَ الصِّلَةَ بِهِ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَشَّحُوا أَنْفُسَهُمْ لِمَجْلِسِ النِّيَابَةِ كَيْفَ تَكُونُ صِلَتُهُ مَعَ الوَزِيرِ الفُلَانِيِّ، وَمَعَ رَئِيسِ مَجْلِسِ الوُزَرَاءِ، وَمَعَ الضَّابِطِ الفُلَانِيِّ. نُفَكِّرُ فِي العَلَاقَاتِ فِيمَا بَيْنَ بَعْضِنَا البَعْضِ، مَعَ التُّجَّارِ وَالكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَلَا يُفَكِّرُ أَحَدُنَا ـ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبِّي ـ فِي عَلَاقَتِهِ مَعَ اللهِ الَّذِي هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

نُفَكِّرُ فِي عَلَاقَاتِنَا مَعَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَكُلَّمَا أَتَيْنَا إِلَى خُطْبَةِ الجُمُعَةِ سَمِعْنَا مِنْ خَطِيبِنَا وَهُوَ يَقُولُ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَلَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ، وَلَا يَخْفِضُ وَلَا يَرْفَعُ، إِلَّا مَنْ؟ إِلَّا اللهُ. هَذَا قَوْلٌ بِأَفْوَاهِنَا، وَلَكِنْ وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا ارْتَقَتْ أَفْعَالُنَا إِلَى مِعْشَارِ أَقْوَالِنَا، لِأَنَّنَا نَعِيشُ فِي وَهْمٍ، أَكُونُ حَرِيصًا عَلَى عَلَاقَتِي مَعَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو مِنَ النَّاسِ، وَأَمَّا عَلَاقَتِي مَعَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا قَدَّرَ اللهُ إِذَا كَانَتْ مُتَقَطِّعَةً فَالأَمْرُ يَسِيرٌ، وَلَكِنْ إِذَا تَقَطَّعَتْ مَعَ الخَلْقِ، مَعَ المَسْؤُولِينَ، التُّجَّارِ، وَالأَغْنِيَاءِ، وَالأَقْوِيَاءِ، وَلَا أَعْرِفُ وَاحِدًا مِنْهُمْ، تَرَى الحَسْرَةَ تَأْكُلُ قَلْبِي، لِأَنَّنَا نَعِيشُ فِي وَهْمٍ، لِأَنَّنَا نَظُنُّ أَنَّ الفَاعِلَ إِنَّمَا هُوَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَقَطَعْنَا الصِّلَةَ مَعَ الفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ، مَعَ الَّذِي أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

قُطِعَتِ الصِّلَةُ مَعَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّنَا نَعِيشُ فِي وَهْمٍ، وَالإِسْلَامُ مَا جَاءَ إِلَّا لِيَجْعَلَنَا نَعِيشُ فِي وَاقِعٍ لَا وَهْمَ فِيهِ، إِسْلَامُنَا لَا تَعَارُضَ فِيهِ، عِنْدَمَا يَقُولُ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِسَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

هَذَا تَعْلِيمُ إِسْلَامِنَا، وَجَاءَ هَذَا مُجَسَّدًا فِي شَخْصِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

عَرَفْنَا الدَّاءَ وَلَكِنْ لَا نُحِسُّ بِهِ، وَعَرَفْنَا الدَّوَاءَ وَنَتَغَنَّى بِهِ، تَرَى الوَاحِدَ مِنَّا يَقِفُ عَلَى المِنْبَرِ، وَالمَكَانِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ لِلنَّاسِ، لِيَقُولَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَهُوَ يَتَغَنَّى بِسِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَصِفُ لَنَا الدَّوَاءَ لِدَائِنَا، وَأَصْبَحْنَا نَتَغَنَّى بِذِكْرِ الدَّوَاءِ لِدَائِنَا وَلَكِنْ بِدُونِ اسْتِخْدَامٍ. عِنْدَمَا نَقُولُ: أَصْبَحْنَا نَعِيشُ فِي وَهْمٍ لَا أَمَلَ حَقِيقًا عِنْدَنَا، وَنَقُولُ: انْظُرُوا يَا عِبَادَ اللهِ إِلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَيْفَ كَانَ يَرْتَبِطُ مَعَ اللهِ وَلَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، وَأَضْرِبُ لَكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَثَلًا، عِنْدَمَا هَاجَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ إِلَى غَارِ ثَوْرٍ، وَنَظَرَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَبَكَى وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا، مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا.

أَتَغَنَّى بِذِكْرِ الدَّوَاءِ لِدَاءِ الوَهْمِ الَّذِي نَعِيشُهُ، وَلَكِنْ بِدُونِ عَمَلٍ. نَتَغَنَّى بِقَوْلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِسَيِّدِنَا زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عِنْدَمَا عَادَ مِنَ الطَّائِفِ: «يَا زَيْدُ، إِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا».

نَتَغَنَّى يَا عِبَادَ اللهِ، وَنَحْنُ عِشْنَا فِي ذِكْرَى مِيلَادِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، سَمِعْتُ وَسَمِعْتُمْ أَخْلَاقَ هَذَا الحَبِيبِ الأَعْظَمِ الَّذِي مَا كَانَ يَعِيشُ فِي وَهْمٍ، إِنَّمَا يَعِيشُ فِي أَمَلٍ مِنْ خِلَالِ ارْتِبَاطِهِ مَعَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، نَتَغَنَّى بِذَلِكَ، وَلَكِنْ هَلْ يَا تُرَى أَخَذْنَا هَذَا الدَّوَاءَ لِنَصُبَّهُ عَلَى دَائِنَا لِكَيْ نَبْرَأَ بِإِذْنِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ شَهْرُ الرَّبِيعِ يُغَادِرُنَا كَمَا غَادَرَتْنَا مِنْ سَابِقِ أَشْهُرٍ عِدَّةٍ، فِي ذِكْرَى مَوْلِدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفِي ذِكْرَى هِجْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفِيْ ذِكْرَى الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، وَذِكْرَى لَيْلَةِ القَدْرِ، ذِكْرَيَاتٌ كَثِيرَةٌ مَرَّتْ عَلَيْنَا، وَسَمِعْنَا الكَلِمَاتِ وَالعِظَاتِ وَالأَحَادِيثَ وَالدُّرُوسَ، وَلَكِنْ مَا غَيَّرْنَا وَمَا بَدَّلْنَا، لِمَاذَا؟ لِأَنَّنَا نَعِيشُ فِي وَهْمٍ، وَالَّذِي يَعِيشُ فِي وَهْمٍ لَا يُحَقِّقُ لِنَفْسِهِ سَعَادَةً، لِذَلِكَ تَرَى الغُصَّةَ فيِ أَنْفُسِنَا فِي مَآتِمِنَا، وَفِي أَفْرَاحِنَا، وَفِي تَعَامُلِنَا مَعَ البَشَرِ، وَلَكِنْ هَلْ رَأَيْتَ غُصَّةً فِي نَفْسِ المُؤْمِنِ الَّذِي يَتَعَامَلُ مَعَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ لَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ، لَا تَرَى غُصَّةً عِنْدَهُ، لَا فِي مَأْتَمِهِ، وَلَا فِي أَفْرَاحِهِ، وَلَا فِي تَعَامُلِهِ مَعَ النَّاسِ، لِأَنَّ المُؤْمِنَ يَعِيشُ بِأَمَلٍ، وَيَتَوَكَّلُ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ.

أَسْأَلُ اللهَ جَلَّ وَعَلَا أَنْ يُخْرِجَنَا مِنْ غَفْلَتِنَا، وَأَنْ يُلْهِمَنَا الرُّشْدَ فِي كُلِّ أُمُورِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا فِي حَالَةِ يَقَظَةٍ، سَائِلِينَ المَوْلَى حُسْنَ الخِتَامِ لَنَا جَمِيعًا.

أَقُولُ هَذَا القَوْلَ، وَكُلٌّ مِنَّا يَسْتَغْفِرُ اللهَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

**    **    **

 2007-04-20
 6908
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-07-2025 59 مشاهدة
946ـ خطبة الجمعة: تفرسوا وجوه الناس

أَعْظَمُ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ، بَلْ لِكُلِّ خَيْرٍ، البِرُّ وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلـشَّرِّ، بَلْ وَلِكُلِّ شَرٍّ، الإِسَاءَةُ إِلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ... المزيد

 04-07-2025
 
 59
25-06-2025 403 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 403
19-06-2025 782 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 782
12-06-2025 945 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 945
04-06-2025 390 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 390
04-06-2025 300 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 300

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424669467
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :