6ـ مع الصحابة و آل البيت: مكانة الصديق عند أبي الحسنين رَضِيَ اللهُ عَنهُما

6ـ مع الصحابة و آل البيت: مكانة الصديق عند أبي الحسنين رَضِيَ اللهُ عَنهُما

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

6ـ مكانة الصديق عند أبي الحسنين رَضِيَ اللهُ عَنهُما

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد دَعَانَا الإِسلامُ إلى تَكرِيمِ النَّاسِ واحتِرَامِهِم وإِنزَالِهِم مَنَازِلَهُم، وحَثَّ على العِنَايَةِ بذلكَ، روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ.

وإنَّ المُجتَمَعَ الإِسلامِيَّ فِيهِ السَّابِقُونَ واللَّاحِقُونَ، وفِيهِ السَّلَفُ والخَلَفُ، ولا خَيرَ في اللَّاحِقِينَ إذا لَم يَعرِفُوا قَدْرَ السَّلَفِ، ولا خَيرَ فِيمَا جَاءَ بَعدَ المُهَاجِرِينَ والأَنصَارِ، ولَم يَقُلْ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: المُؤمِنُ الحَقُّ الذي عِندَهُ قَنَاعَةٌ بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾. هوَ الذي يُكَرِّمُ مَن كَرَّمَهُ اللهُ تعالى وَرَسُولُهُ، وهَل هُنَاكَ مَنزِلَةٌ أَعلَى وأَكرَمُ من مَنزِلَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِندَ اللهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

الصِّدِّيقُ كَرَّمَهُ اللهُ تعالى بِصُحْبَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الهِجْرَةِ، ودُخُولِهِ الغَارَ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وفي الغَارِ قَالَ الصَّاحِبُ لِصَاحِبِهِ: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾. فَهَل هُنَاكَ تَكرِيمٌ فَوقَ هذا التَّكرِيمِ؟

وهَل هُنَاكَ تَكرِيمٌ فَوقَ تَكرِيمِ مَن قَالَ فِيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ»؟ رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد أُمِرَتِ الأُمَّةُ أن تُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُم، وأن يُعرَفَ لأَهلِ الفَضْلِ فَضْلُهُم، ولأَهلِ المَكَانَةِ مَكَانَتُهُم، ولا يَعرِفُ الفَضْلَ لأَهلِ الفَضْلِ إلا أَهلُ الفَضْلِ، ولا يَعرِفُ المَكَانَةَ لأَهلِ المَكَانَةِ إلا أَهلُ المَكَانَةِ.

مَكَانَةُ الصِّدِّيقِ عِندَ أَبِي الحَسَنَينِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ أَولَى النَّاسِ بامتِثَالِ أَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُم آلُ البَيتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَهُم أَهلٌ لذلكَ، وأَحَقُّ بِهِ، وهُم رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَولَى النَّاسِ بِإِنزَالِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم، وأن يَعرِفُوا المَكَانَةَ لأَهلِ المَكَانَةِ.

أيُّها الإخوة الكرام: تَعَالَوا لِنَتَعَلَّمْ مَكَانَةَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في الأُمَّةِ، وذلكَ من خِلالِ مَكَانَتِهِ عِندَ سَيِّدِنَا عَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَبِي الحَسَنَينِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم.

أولاً: روى الإمام البخاري عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ: أَبُو بَكْرٍ.

قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟

قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ.

وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ.

قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟

قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِن الْمُسْلِمِينَ.

ثانياً: روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ؟ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثالثاً: روى الإمام الحاكم في المُستَدرَكِ عَن أَبِي وَائِلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: ألا تَسْتَخْلِفُ عَلَينَا؟

قَالَ: مَا استَخْلَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَخْلِفُ، ولكن إنْ يُرِدِ اللهُ بالنَّاسِ خَيرَاً، فَسَيَجْمَعُهُم بَعدِي على خَيرِهِم، كَمَا جَمَعَهُم بَعدَ نَبِيِّهِم على خَيرِهِم.

رابعاً: روى البيهقي في الاعتِقَادِ، عَن الحَكَمِ بنِ جُحلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ بالبَصْرَةِ فَقَالَ: أَلَا لَا يُفَضِّلْنِي أَحَدٌ عَلَى أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ، لا أُوتَى بِأَحَدٍ فَضَّلَنِي عَلَيهِمَا إلا جَلَدتُهُ حَدَّ المُفتَرِي.

خامساً: جَاءَ في كَنزِ العُمَّالِ عَن مُحَمَّدِ بنِ عَقِيلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَخبِرُونِي مَن أَشجَعُ النَّاسِ؟

قَالُوا: أَنتَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ.

قَالَ: أَمَّا إِنِّي مَا بَارَزتُ أَحَدَاً إلا انتَصَفتُ مِنهُ، ولكن أَخبِرُونِي بِأَشجَعِ النَّاسِ.

قَالُوا: لا نَعلَمُ، فَمَن؟

قَالَ: أَبُو بَكرٍ؛ إِنَّهُ لمَّا كَانَ يَومُ بَدْرِ جَعَلنَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيشَاً ـ مَا يُستَظَلُّ بِهِ ـ فَقُلنَا: مَن يَكُونُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يَهوِي إِلَيهِ أَحَدٌ من الُمشرِكِينَ؟

فَوَاللهِ مَا دَنَا مِنَّا أَحَدٌ إلا أَبُو بَكرٍ شَاهِرَاً بالسَّيفِ على رَأسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لا يَهوِي إِلَيهِ أَحَدٌ إلا أَهوَى إِلَيهِ، فَهذا أَشجَعُ النَّاسِ.

وَلَقَد رَأَيتُ رَسُولَ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَتْهُ قُرَيشٌ، فهذا يَجَأُهُ ـ يَضْرِبُهُ ـ وهذا يُتَلتِلُهُ ـ يُزَعزِعُهُ ويُقلِقُهُ ـ وَهُم يَقُولُونَ: أَنتَ الذي جَعَلتَ الآلِهَةَ إِلَهَاً وَاحِدَاً.

فَوَاللهِ مَا دَنَا مِنَّا أَحَدٌ إلا أَبُو بَكرٍ، يَضرِبُ هذا، وَيَجَأُ هذا، وَيُتَلتِلُ هذا، وهو يَقُولُ: وَيلَكُم، أَتَقتُلُونَ رَجُلَاً أن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ؟

ثمَّ رَفَعَ عَلِيٌّ بُردَةً كَانَت عَلَيهِ فَبَكَى حَتَّى اخضَلَّت لِحْيَتُهُ.

ثمَّ قَالَ: أَنشُدُكُمُ اللهَ، أَمُؤمِنُ آلِ فِرعَونَ خَيرٌ أم أَبُو بَكرٍ؟

فَسَكَتَ القَومُ.

فَقَالَ: أَلَا تُجِيبُونِي! فَوَاللهِ لَسَاعَةٌ من أَبِي بَكرٍ خَيرٌ من مِثلِ مُؤمِنِ آلِ فِرعَونَ، ذَاكَ رَجُلٌ يَكتُمُ إِيمَانَهُ، وهذا رَجُلٌ أَعلَنَ إِيمَانَهُ. رواه البزار.

أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ مَكَانَةُ الصِّدِّيقِ عِندَ أَبِي الحَسَنَينِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَهَل لَهُ تِلكَ المَكَانَةُ في قُلُوبِنَا كَمَكَانَتِهِ عِندَ سَيِّدِ أَهلِ البَيتِ بَعدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَيِّدِنَا عَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؟

 الصِّدِّيقُ والسَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ:

أيُّها الإخوة الكرام: الكِرَامُ يُقَدِّرُونَ الكِرَامَ، وأَهلُ الفَضْلِ يُقَدِّرُونَ أَهلَ الفَضْلِ، وكَيفَ لا يَكُونُ هذا في سَيِّدِ أَهلِ البَيتِ بَعدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

وأَهلُ الفَضْلِ والكَرَامَةِ هُمُ الذينَ لا يَتَجَاوَزُونَ حُدُودَ اللهِ تعالى، ولا يَتَعَدُّونَهَا، لأنَّهُم مَا صَارُوا من أَهلِ الفَضْلِ والكَرَامَةِ إلا بالاتِّبَاعِ.

أيُّها الإخوة الكرام: من هذا المُنطَلَقِ كَانَ الصَّحْبُ وآلُ البَيتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، رَغمَ الوُدِّ والوَفَاءِ لِبَعْضِهِمُ البَعْضِ، إلا أَنَّهُم لا يَتَعَدُّونَ حُدُودَ اللهِ تعالى.

روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَيْهِمَا مِنْ فَدَكَ، وَسَهْمَهُمَا مِنْ خَيْبَرَ.

فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ». يَعْنِي مالَ الله، لَيْسَ لَهُمْ أنْ يَزِيدُوا علَى المَأكَلِ؛ و(مِنْ): للتَّبعِيضِ، أي: مِنْ بَعْضِ هذا المَالِ.

وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَهُنَّ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ»؟

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَاراً وَلَا دِرْهَماً، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمَؤُونَةِ عَامِلِي، فَهُوَ صَدَقَةٌ».

«نَفَقَة نِسَائِي»: لِكَونِهِنَّ مَحبُوسَاتٍ عن الأَزوَاجِ بِسَبَبِهِ، أو لِعِظَمِ حَقِّهِنَّ في بَيتِ المَالِ، لِفَضْلِهِنَّ وَقِدَمِ هِجْرَتِهِنَّ وَكَونِهِنَّ أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ.

«وَمَؤُونَة عَامِلِي»: هُوَ الْقَائِمُ عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، وَالنَّاظِرُ فِيهَا.

أيُّها الإخوة الكرام: مَا فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَعَ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ والعَبَّاسِ ونِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا هوَ إلا امتِثَالٌ لأَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مَسأَلَةِ المِيرَاثِ.

أيُّها الإخوة الكرام: السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها بَعدَ سَمَاعِهَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ، والصِّدِّيقُ مُصَدَّقٌ عِندَهَا وعِندَ زَوجِهَا سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُم جَمِيعَاً، أَذعَنَت للحَقِّ رَضِيَ اللهُ عَنها، لأنَّهَا مَا كَانَت تَعلَمُ هذا، وكَانَت تَظُنُّ أَنَّهَا تَرِثُ كَمَا يَرِثُ الأَولادُ من آبَائِهِم.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: حَقَّاً لا يَعرِفُ الفَضْلَ لأَهلِ الفَضْلِ إلا ذَوُوهُ، ولا يَعرِفُ المَكَانَةَ لأَهلِ المَكَانَةِ إلا أَربَابُهَا، هكذا كَانَت مَكَانَةُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِندَ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وهكذا كَانَت مَكَانَةُ آلِ البَيتِ عِندَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

روى البيهقي بِسَنَدِهِ عن الشِّعبِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَةُ، أَتَاهَا أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ، فَاستَأذَنَ عَلَيهَا.

فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا فَاطِمَةُ، هذا أَبُو بَكرٍ يَستَأذِنُ عَلَيكِ.

فَقَالَت: أَتُحِبُّ أن آذَنَ؟

قَالَ: نَعَم؛ فَأَذِنَت لَهُ.

فَدَخَلَ عَلَيهَا يَتَرَضَّاهَا.

وَقَالَ: واللهِ مَا تَرَكتُ الدَّارَ والمَالَ والأَهلَ والعَشِيرَةَ إلا لابتِغَاءِ مَرضَاةِ اللهِ، وَمَرضَاةِ رَسُولِهِ، وَمَرضَاتِكُم أَهلَ البَيتِ، ثمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ.

وعِندَمَا تُوُفِّيَت رَضِيَ اللهُ عَنها، صَلَّى عَلَيهَا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، روى البصري وابن السمان عَن عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ قَالَ: مَاتَت فَاطِمَةُ بَينَ المَغرِبِ والعِشَاءِ، فَحَضَرَهَا أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَعُثمَانُ وَالزُّبَيرُ وَعَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ، فَلَمَّا وُضِعَتْ لِيُصَلَّى عَلَيهَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: تَقَدَّمْ يَا أَبَا بَكرٍ.

قَالَ: وَأَنتَ شَاهِدٌ يَا أَبَا الحَسَنِ؟

قَالَ: نَعَم، تَقَدَّمْ، فَوَاللهِ لا يُصَلِّي عَلَيهَا غَيرُكَ.

فَصَلَّى عَلَيهَا أَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَجمَعِينَ، وَدُفِنَتْ لَيلاً؛ رَضِيَ اللهُ عَنها وأَرضَاهَا، وعَطَّفَ قَلبَهَا الشَّرِيفَ عَلَينَا. آمين.

حَقَّاً لا يَعرِفُ الفَضْلَ لأَهلِ الفَضْلِ إلا ذَوُوهُ.

اللَّهُمَّ لا تَحرِمنَا الأَدَبَ مَعَ آلِ بَيتِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وصَحَابَتِهِ الكِرَامِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 9/ربيع الثاني/1435هـ، الموافق: 29/كانون الثاني / 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1395 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1395
13-02-2020 1952 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1952
23-01-2020 2585 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2585
16-01-2020 990 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 990
09-01-2020 1327 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1327
03-01-2020 1023 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1023

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412875560
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :