41ـ كلمات في مناسبات: غزوة بدر الكبرى (1)

41ـ كلمات في مناسبات: غزوة بدر الكبرى (1)

 

 41ـ كلمات في مناسبات: غزوة بدر الكبرى (1)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى التي ابْتَدَأَتْ وانْتَهَتْ بِتَدْبِيرِ اللهِ تعالى وتَوْجِيهِهِ ومَدَدِهِ فُرْقَانَاً بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ، فُرْقَانَاً بَيْنَ الحَقِّ الذي عَلَيْهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ، وقَامَتْ عَلَيْهِ فِطْرَةُ النَّاسِ المُتَمَثِّلَةِ في تَفَرُّدِ اللهِ تعالى بالأُلُوهِيَّةِ والسُّلْطَانِ والتَّدْبِيرِ والتَّقْدِيرِ، وفي عُبُودِيَّةِ الكَوْنِ كُلِّهِ سَمَائِهِ وأَرْضِهِ لهذهِ الأُلُوهِيَّةِ المُتَفَرِّدَةِ، والبَاطِلِ الزَّائِفِ الذي كَانَ يَعُمُّ وَجْهَ الأَرْضِ إِذْ ذَاكَ، حَيْثُ تُقِيمُ في الأَرْضِ الطَّوَاغِيتُ التي تُعْبَدُ من دُونِ اللهِ تعالى.

لقد كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فُرْقَانَاً بَيْنَ عَهْدَيْنِ، عَهْدِ الصَّبْرِ والمُصَابَرَةِ، وعَهْدِ القُوَّةِ والحَرَكِةِ.

قُرَيْشٌ تُهَدِّدُ المُهَاجِرِينَ، وتَتَّصِلُ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَتْ قُرَيْشٌ تُذِيقُ المُسْلِمِينَ الوَيْلاتِ في مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، حَتَّى اضْطُرَّ المُسْلِمُونَ للهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، لَكِنَّ قُرَيْشَاً لَمْ تَنْتَهِ عَن غَيِّهَا، ولَمْ تَمْتَنِعْ عن عُدْوَانِهَا، بَل زَادَهَا غَيْظَاً أَنْ فَاتَهُمُ المُسْلِمُونَ، وَوَجَدُوا مَأْمَنَاً ومَقَرَّاً في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ.

فَكَتَبَتْ قُرَيْشٌ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ، وكَانَ إِذْ ذَاكَ مُشْرِكَاً، كَتَبُوا إِلَيْهِ وإلى أَصْحَابِهِ المُشْرِكِينَ يَقُولُونَ لَهُم في كَلِمَاتٍ بَاتَّةٍ:

إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صَاحِبَنَا، وَإِنَّا نُقْسِمُ باللهِ لَتُقَاتِلُنَّهُ أَوْ لَتُخْرِجُنَّهُ، أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ بِأَجْمَعِنَا، حَتَّى نَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُمْ، وَنَسْتَبِيحَ نِسَاءَكُمْ.

وَبِمُجَرَّدِ بُلُوغِ هذا الكِتَابِ قَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ لِيَمْتَثِلَ أَوَامِرَ إِخْوَانِهِ المُشْرِكِينَ من أَهْلِ مَكَّةَ ـ وقد كَانَ يَحْقِدُ على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لِمَا يَرَاهُ أَنَّهُ اسْتَبْلَهَ مُلْكَهُ ـ.

يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ: فَلَمَّا بَلَغَ ذلكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ وَمَن كَانَ مَعَهُ من عَبَدَةِ الأَوْثَانِ اجْتَمَعُوا لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذلكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لَقِيَهُم، فَقَالَ: «لَقَدْ بَلَغَ وَعِيدُ قُرَيْشٍ مِنْكُمُ الْمَبَالِغَ، مَا كَانَتْ تَكِيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ، تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا أَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ».

فَلَمَّا سَمِعُوا ذلكَ من النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَفَرَّقُوا.

اِمْتَنَعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ عن القِتَالِ إِذْ ذَلكَ، لِمَا رَأَى خَوَرَاً أو رُشْدَاً في أَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ يَبْدُو من تَصَرُّفَاتِهِ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَاطِئَاً مَعَ قُرَيْشٍ، فَكَانَ لا يَجِدُ فُرْصَةً إلا وَيَنْتَهِزُهَا لِإِيقَاعِ الشَّرِّ بَيْنَ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، وَكَانَ يَضُمُّ مَعَهُ اليَهُودَ، لِيُعِينُوهُ على ذلكَ، وَلَكِنْ تِلكَ هيَ حِكْمَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ التي كَانَتْ تُطْفِئُ نَارَ شَرِّهِم حِينَاً بَعْدَ حِينٍ.

إِعْلَانُ عَزِيمَةِ الصَّدِّ عن المَسْجِدِ الحَرَامِ:

أيُّها الإخوة الكرام: في هذهِ الآوِنَةِ انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ إلى مَكَّةَ مُعْتَمِرَاً، فَنَزَلَ على أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لأُمَيَّةَ: اُنْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ البَيْتَ، فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبَاً من نِصْفِ النَّهَارِ، فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ.

فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَان، من هذا مَعَكَ؟

فَقَالَ: هذا سَعْدٌ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: ألا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنَاً وَقَد آوَيْتُمُ الصُّبَاةَ، وَزَعَمْتُم أَنَّكُم تَنْصُرُونَهُم وتُعِينُونَهُم، أَمَا واللهِ لولا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَان مَا رَجَعْتَ إلى أَهْلِكَ سَالِمَاً.

فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ ـ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ ـ: أَمَا واللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هذا لَأَمْنَعُكَ مَا هوَ أَشَدُّ عَلَيْكُم مِنْهُ: طَرِيقَكَ على أَهْلِ المَدِينَةِ.

أيُّها الإخوة الكرام: أَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلى المُسْلِمِينَ تَقُولُ لَهُم: لا يَغُرَّنَّكُم أَنَّكُم أَفْلَتُّمُونَا إلى يَثْرِبَ، سَنَأْتِيكُم فَنَسْتَأْصِلُكُم وَنُبِيدُ خَضْرَاءَكُم في عُقْرِ دَارِكُم.

وَكَأَنَّ قُرَيْشَاً كَانَتْ تَعْتَزِمُ على شَرٍّ أَشَدَّ من هذا، وَتُفَكِّرُ في القِيَامِ بِنَفْسِهَا للقَضَاءِ على المُسْلِمِينَ، وَخَاصَّةً على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

وَلَمْ يَكُنْ هذا مُجَرَّدَ وَهْمٍ أو خَيَالٍ، فَقَد تَأَكَّدَ لَدَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ من مَكَائِدِ قُرَيْشٍ وَإِرَادَتِهَا على الشَّرِّ مَا كَانَ لِأَجْلِهِ لا يَبِيتُ إلا سَاهِرَاً، أو في حَرَسٍ من الصَّحَابَةِ.

روى الشيخان في صَحِيحَيْهِمَا عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: سَهِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلَاً صَالِحَاً مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ».

قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ.

فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟».

قَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَا جَاءَ بِكَ؟».

قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ؛ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ نَامَ.

وَلَمْ تَكُنْ هذهِ الحِرَاسَةُ مُخْتَصَّةً بِبَعْضِ اللَّيَالِي، بَلْ كَانَ ذلكَ أَمْرَاً مُسْتَمِرَّاً، فقد روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يُحْرَسُ لَيْلاً، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿واللهُ يَعْصِمُكَ مِن النَّاسِ﴾.

فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ رَأْسَهُ مِن الْقُبَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللهُ».

وَلَمْ يَكُنِ الخَطَرُ مُقْتَصِرَاً على رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، بَلْ كَانَ يُحْدِقُ بالمُسْلِمِينَ كَافَّةً، فَقَد رَوَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ المَدِينَةَ، وَآوَتْهُمُ الأَنْصَارُ رَمَتْهُمُ العَرَبُ عَن قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانُوا لا يَبِيتُونَ إلا بالسِّلَاحِ، ولا يُصْبِحُونَ إلا فِيهِ.

سَبَبُ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى:

أيُّها الإخوة الكرام: تَرَامَتِ الأَنْبَاءُ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، أَنَّ قَافِلَةً ضَخْمَةً لِقُرَيْشٍ تَهْبِطُ من مَشَارِفِ الشَّامِ عَائِدَةً إلى مَكَّةَ، تَحْمِلُ لأَهْلِهَا الثَّرْوَةَ الطَّائِلَةَ، أَلْفُ بَعِيرٍ مُوَقَّرَةً بالأَمْوَالِ يَقُودُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مَعَ رِجَالٍ لا يَزِيدُونَ على الثَّلاثِينَ أو الأَرْبَعِينَ.

أيُّها الإخوة الكرام: قُرَيْشٌ إذا فَقَدَتْ هذهِ الثَّرْوَةَ الضَّخْمَةَ سَوْفَ تَكُونُ قَاصِمَةً لِظَهْرِهَا، وفِيهَا عِوَضٌ كَامِلٌ لِمَا لَحِقَ المُسْلِمِينَ من خَسَائِرَ في أَثْنَاءِ هِجْرَتِهِمُ الأَخِيرَةِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَتِ العِيرُ مُرَكَّبَةً من ثَرَوَاتٍ طَائِلَةٍ من أَهْلِ مَكَّةَ، أَلْفُ بَعِيرٍ مُوَقَّرَةً بِأَمْوَالٍ لا تَقِلُّ عَن خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ذَهَبِيٍّ؛ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا من الحَرْبِ إلا نَحْوُ أَرْبَعِينَ رَجُلَاً.

إِنَّهَا فُرْصَةٌ ذَهَبِيَّةٌ للمُسْلِمِينَ لِيُصِيبُوا أَهْلَ مَكَّةَ بِضَرْبَةٍ اقْتِصَادِيَّةٍ قَاصِمَةٍ، تَتَأَلَّمُ لَهَا قُلُوبُهُم على مَرِّ العُصُورِ، لذلكَ أَعْلَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَائِلَاً : «هذهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُم، فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللهَ يُنَفِّلُكُمُوهَا».

وَلَمْ يَعْزِمْ على أَحَدٍ بالخُرُوجِ، بَلْ تَرَكَ الأَمْرَ للرَّغْبَةِ المُطْلَقَةِ، لِمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَوَقَّعُ عِنْدَ هذا الانْتِدَابِ أَنَّهُ سَيَصْطَدِمُ بِجَيْشِ مَكَّةَ ـ بَدَلَ العِيرِ ـ هذا الاصْطِدَامَ العَنِيفَ في بَدْرٍ؛ ولذلكَ تَخَلَّفَ كَثِيرٌ من الصَّحَابَةِ في المَدِينَةِ، وَهُم يَحْسَبُونَ أَنَّ مُضِيَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في هذا الوَجْهِ لَنْ يَعْدُوَ مَا أَلِفُوهُ في السَّرَايَا والغَزَوَاتِ المَاضِيَةِ؛ ولذلكَ لَمْ يُنْكِرْ على أَحَدٍ تَخَلُّفَهُ في هذهِ الغَزْوَةِ.

الجَيْشُ الإِسْلامِيُّ وتَوْزِيعُ القِيَادَاتِ:

أيُّها الإخوة الكرام: اِسْتَعَدَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ للخُرُوجِ وَمَعَهُ ثَلَاثُمَائَةٍ وَبِضْعَةُ عَشَرَ رَجُلاً ـ 313، أو 314، أو 317 رَجُلَاً ـ 82 أو 83 أو 86 من المُهَاجِرِينَ و 61 من الأَوْسِ و 170 من الخَزْرَجِ.

وَلَمْ يَحْتَفِلُوا لهذا الخُرُوجِ احْتِفَالَاً بَلِيغَاً، ولا اتَّخَذُوا أُهْبَتَهُم كَامِلَةً، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُم إلا فَرَسٌ أو فَرَسَانِ، فَرَسٌ للزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ، وَفَرَسٌ للمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ الكِنْدِيِّ، وَكَانَ مَعَهُم سَبْعُونَ بَعِيرَاً يَعْتَقِبُ الرَّجُلانِ والثَّلَاثَةُ على بَعِيرٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَعَلِيٌّ وَمِرْثَدُ بْنُ أَبِي مِرْثَدَ الغنوِيُّ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرَاً وَاحِدَاً.

وَاسْتَخْلَفَ على المَدِينَةِ وعلى الصَّلَاةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَلَمَّا كَانَ بالرَّوْحَاءِ رَدَّ أَبَا لُبَابَةَ ابْنَ عَبْدِ المُنْذِرِ، وَاسْتَعْمَلَهُ على المَدِينَةِ.

وَدَفَعَ لِوَاءَ القِيَادَةِ العَامَّةِ إلى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ القُرَشِيِّ العَبْدَرِيِّ، وَكَانَ هذا اللِّوَاءُ أَبْيَضَ.

وَقَسَّمَ جَيْشَهُ إلى كَتِيبَتَيْنِ:

1ـ كَتِيبَةُ المُهَاجِرِينَ: وَأَعْطَى رَايَتَهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ لَهَا: العُقَابُ.

2ـ وَكَتِبيَةُ الأَنْصَارِ: وَأَعْطَى رَايَتَهَا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ـ وَكَانَتِ الرَّايَتَانِ سَوْدَاوَيْنِ ـ.

وَجَعَلَ على قِيَادَةِ المَيْمَنَةِ الزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ، وعلى المَيْسَرَةِ المِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو ـ وَكَانَا هُمَا الفَارِسَيْنِ الوَحِيدَيْنِ في الجَيْشِ ـ كَمَا سَبَقَ ـ وَجَعَلَ على السَّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَظَلَّتِ القِيَادَةُ العَامَّةُ في يَدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَقَائِدٍ أَعْلَى للجَيْشِ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ السَّبَبُ الأَوَّلُ لِغَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى الاسْتِيلاءَ على عِيرِ قُرَيْشٍ القَادِمَةِ من الشَّامِ تَحْتَ إِشْرَافِ أَبِي سُفْيَانَ.

غَيْرَ أَنَّ اللهَ تعالى أَرَادَ لِعِبَادِهِ غَنِيمَةً أَكْبَرَ، ونَصْراً أَعْظَمَ، وتَدْبِيرُ اللهِ تعالى هوَ خَيْرٌ من تَدْبِيرِ العَبْدِ.

اللَّهُمَّ رَضِّنَا بِقَضَائِكَ، وبَارِكْ لَنَا فِيمَا قُدِّرَ لَنَا، حَتَّى لا نُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، ولا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 18/رمضان /1436هـ، الموافق: 5/تموز/ 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

04-06-2025 144 مشاهدة
149ـ احذروا من تعطيل شعيرة الأضحية

كُونُوا عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنْ تَعْطِيلِ شَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ نَوَّهَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهَا فِي القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ... المزيد

 04-06-2025
 
 144
24-03-2025 313 مشاهدة
148ـ كلمات في مناسبات: الدين يؤخذ بالتلقي من العلماء الربانيين

هَذَا الدِّينُ الحَنِيفُ يُؤْخَذُ بِالتَّلَقِّي مِنَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ المُتَحَقِّقِينَ بِالعِلْمِ، لَقَدْ أَخَذَ الصَّحْبُ الكِرَامُ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ ... المزيد

 24-03-2025
 
 313
24-03-2025 282 مشاهدة
147ـ كلمات في مناسبات: علامات العالم المتحقق بالعلم

يَقُولُ الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مِنْ أَنْفَعِ طُرُقِ العِلْمِ المُوصِلَةِ إِلَى غَايَةِ التَّحَقُّقِ بِهِ ـ أَيْ: بِالعِلْمِ ـ أَخْذُهُ عَنْ أَهْلِهِ المُتَحَقِّقِينَ بِهِ عَلَى الكَمَالِ وَالتَّمَامِ، ... المزيد

 24-03-2025
 
 282
06-03-2025 361 مشاهدة
145ـ كلمات في مناسبات:موعظة من سيد القراء

مَوْعِظَةٌ مِنْ مَوَاعِظِ سَيِّدِ القُرَّاءِ سَيِّدِنَا أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَعَلَّمُوا العِلْمَ وَاعْمَلُوا بِهِ، وَلَا تَتَعَلَّمُوهُ لِتَتَجَّمَلُوا بِهِ؛ فَإِنَّهُ يُوشِكُ إِنْ طَالَ بِكُمْ ... المزيد

 06-03-2025
 
 361
12-02-2025 577 مشاهدة
144ـ كلمات في مناسبات :ليلة مباركة

هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ قَدْ أَقْبَلَتْ، لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ، وَهِيَ لَيْلَةُ فَضْلٍ وَجُودٍ وَخَيْرٍ عَظِيمٍ، حَيْثُ يَتَجَلَّى اللهُ تعالى فِيهَا عَلَى خَلْقِهِ بِالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ وَقَضاءِ الحَاجَاتِ، لِنَغْتَنِمْ ... المزيد

 12-02-2025
 
 577
28-08-2024 908 مشاهدة
143ـ كلمات في مناسبات وفاة العالم العامل سيدي الشيخ محمد نديم الشهابي

العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ. وَإِنْ كَانَ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ ... المزيد

 28-08-2024
 
 908

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424807654
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :