11ـ من وصايا الصالحين: وصية سيدنا علي رضي الله عنه: (ستٌّ من المروآت)

11ـ من وصايا الصالحين: وصية سيدنا علي رضي الله عنه: (ستٌّ من المروآت)

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

يقول سيدنا علي رضي الله عنه: ست من المروآت، ثلاث في الحضر، وثلاث في السفر.

فأما اللاتي في الحضر:

1. فتلاوة كتاب الله تعالى.

2. وعمارة مساجد الله تعالى.

3. واتِّخاذ الإخوان.

وأما اللاتي في السفر:

1. فبذل الزاد.

2. وحسن الخُلُق.

والمزاح في غير معصية. أ هــ.

المروءة: آداب نفسانية تَحمِلُ مراعاتُها الإنسانَ على الوقوف عند محاسن الأخلاق، وجميل العادات، أو هي كمال الرجولة.

فمن محاسن الأخلاق وجميل العادات وكمال الرجولة في الحضر:

أولاً: تلاوة القرآن العظيم، يقول سيدنا علي رضي الله عنه:

من الناس من يؤتى الإيمان ولا يؤتى القرآنَ، ومنهم من يؤتى القرآن والإيمانَ، ومنهم من لا يؤتى القرآنَ ولا الإيمانَ.

ثم ضرب لهم مثلاً، فقال: فأما من أوتي الإيمان ولم يؤت القرآن، فَمَثَلُهُ مثلُ التمرة حلوة الطعم لا ريح فيها. وأما مثل الذي أوتي القرآن ولم يؤت الإيمان، فمثل الآسَةِ طيبة الريح مرَّة الطعم، وأما الذي أوتي القرآن والإيمان فمثل الأُترجَّة طيبة الريح حُلْوة الطعم. وأما الذي لم يؤت القرآن ولا الإيمان، فمثل الحنظلة مرة الطعم لا ريح لها. اهـ.

وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: القرآن أكرم من أن يزيل عقول الرجال. اهـ.

وروي عن أم الدرداء رضي الله عنها أنها قالت: دخلت على عائشة فقلت: ما فضل من قرأ القرآن على من لم يقرأه ممن دخل الجنة؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: على عدد آي القرآن، فليس أحد ممن دخل الجنة أفضل ممن قرأ القرآن. رواه ابن أبي شيبة.

ثانياً: عمارة مساجد الله تعالى، وذلك بالمحافظة على صلاة العشاء وصلاة الفجر، كما روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ).

ثالثاً: اتخاذ الإخوان، فالأخ الصالح خير لك من نفسك، لأن النفس أمَّارة بالسوء، والأخ الصالح لا يأمر إلا بالخير.

ويقول سيدنا علي رضي الله عنه: عليك بإخوان الصفاءِ فإنَّهم عمادٌ إذا استَنجدتَهُم وظُهُور، وليس كثيراً ألفُ خِلِّ وصاحب، وإن عدوّاً واحداً لكثير.

وقال بعض الصالحين: ما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلا بملازمة الموافقة، ومعانقة الأدب، وأداء الفرائض، وصُحبة الصالحين.

ومن محاسن الأخلاق، وجميل العادات، وكمال الرجولة في السفر:

أولاً: بذل الزاد، يقول سيدنا علي رضي الله عنه: البخل جلباب المسكنة، وربما دخل السخي بسخائه الجنة.

ويقول رضي الله عنه: إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق منها فإنها لا تغني، وإذا أدبرت عنك فأنفق منها فإنها لا تبقى.

ويقول سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما : سادات الناس في الدنيا الأسخياء، وفي الآخرة الأتقياء.

ثانياً: حسن الخلق: يقول سيدنا الحسن رضي الله عنه: حسن الخلق: الكرمُ والبَذْلةُ والأحمال. ويقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حسن الخلق أن لا تغضبَ ولا تَحقِدَ.

ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسنِ الخلق، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يُصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله تعالى توجب له محبةَ الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته.

وقال الماوردي: إذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مُصَافُوه، وقلَّ مُعادُوه، فتسهلت عليه الأمور الصعاب، ولانت له القلوب الغضاب.

ثالثاً: المزاح في غير معصية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح، ولكنه صلى الله عليه وسلم لا يقول في مزاحه إلا حقاً، فلا يأتي بباطل ولا بعبث أو لعب، عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَسْتُ مِنْ دَدٍ، وَلا دَدٌ مِنِّي) رواه البيهقي. أي لست من أهل اللهب واللهو، ولا هما مني.

فالمزاح المباح: هو المباسطة مع الغير من غير أذى ولا ترويع ولا ضرر، ولا قذف، ولا غيبة، ولا شين في عرض أو دين، ولا استخفاف بأحد من خلق الله تعالى.

فكمال الرجولة في حضرك أن تكون من أهل القرآن العظيم، ومن رُوَّاد المساجد ممن تعلَّقت قلوبهم ببيوت الله عز وجل، وخاصة في صلاة العشاء والفجر، وأن يكون جلساؤك من أهل الصلاح.

وأما في سفرك ألاَّ تبخل بزادك على أصحابك، وأن تكون صاحب خلق حسن، مع ملاطفة ومزاح بصدق دون الكذب، وأن يكون مزاحك كالملح للطعام.

اللهم اجعلنا من أهل المروآت. آمين. آمين. آمين.

** ** **

 

الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  من وصايا الصالحين

05-03-2020 4851 مشاهدة
47ـ وصية أبي الدرداء (4)

لَقَدْ كَانَ الصَّحْبُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنَ الصَّغَائِرِ فَضْلاً عَنَ الكَبَائِرِ، روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ ... المزيد

 05-03-2020
 
 4851
27-02-2020 3823 مشاهدة
46ـ وصية أبي الدرداء (3)

مَا أَجْمَلَ الصَّاحِبَ الصَّالِحَ، وَالأَخَ النَّاصِحَ، مَا أَجْمَلَ مَنْ يُذَكِّرُكَ بِاللهِ تعالى، وَيُذَكِّرُكَ بِالمَهَمَّةِ التي خُلِقْتَ مِنْ أَجْلِهَا، مَا أَجْمَلَ مَنْ يُذَكِّرُكَ بِحَقِيقَةِ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا. مَا أَكْرَمَ ... المزيد

 27-02-2020
 
 3823
21-02-2020 3001 مشاهدة
45ـ وصية أبي الدرداء (2)

إِنَّ مِمَّا يُرَقِّقُ الطِّبَاعَ؛ وَيَعِظُ الْقُلُوبَ ويُشَنِّفُ الأَسْمَاعَ؛ وَيَدْعُو أَصْحَابَهَا إِلَى الاتِّبَاعِ، مَا جَاءَ فِي وَصَايَا السَّلَفِ؛ التِي هِيَ مِنْ أَجَلِّ الْمَوَاعِظِ التُّحَفِ، وَحَسْبُنَا مِنْ وَصَايَا السَّلَفِ ... المزيد

 21-02-2020
 
 3001
06-02-2020 4851 مشاهدة
44ـ وصية أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَمِنْ مِيزَاتِهَا التي خَصَّهَا اللهُ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ... المزيد

 06-02-2020
 
 4851
30-01-2020 5181 مشاهدة
43ـ وصية أبي الدرداء لأهل دمشق

طُولُ الأَمَلِ دَاءٌ عُضَالٌ، وَمَرَضٌ مُزْمِنٌ، وَمَتَى تَمَكَّنَ مِنَ القَلْبِ فَسَدَ مِزَاجَهُ، وَصَعُبَ عِلَاجُهُ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ دَاءٌ، وَلَا نَجَعَ فِيهِ دَوَاءٌ، بَلْ أَعْيَا الأَطِبَّاءَ، وَيَئِسَ مِنْ بُرْئِهِ الحُكَمَاءُ وَالعُلَمَاءُ، ... المزيد

 30-01-2020
 
 5181
25-10-2014 17431 مشاهدة
42ـ من وصايا الصالحين: وصية سيدنا عمر لأبي موسى الأشعري رَضِيَ اللهُ عَنهُما

فَإِنَّ لِلنَّاسِ نَفْرَةً عَنْ سُلْطَانِهِمْ، فَأَعُوذُ باللهِ أَنْ يُدْرِكَنِي وَإِيَّاكَ عَمْيَاءُ مَجْهُولَةٌ، وَضَغَائِنُ مَحْمُولَةٌ، فَأَقِمِ الْحُدُودَ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. ... المزيد

 25-10-2014
 
 17431

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414090437
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :