132ـ من آداب الدعاء (2)

132ـ من آداب الدعاء (2)

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

132ـ من آداب الدعاء (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرْشِدُ الدَّاعِيَ إلى العَزْمِ وَالجَزْمِ بِوُقُوعِ مَطْلُوبِهِ:

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَعَا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ـ وَفِي رِوَايَةٍ للبُخَارِيِّ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ ـ وَلَكِنْ ليَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، فَإِنَّ اللهَ تعالى لَا مُكْرِهَ لَهُ».

وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالمَشِيئَةِ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، إِذَا تَأَتَّى إِكْرَاهُ المَطْلُوبِ مِنْهُ، وَأَمْكَنَ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى تَحْقِيقِ المَطْلُوبِ، وَإِنَّ اللهَ تعالى هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى أَمْرٍ، أَو أَنْ يَفْعَلَ كُرْهَاً، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَلَا مُكْرِهَ لَهُ سُبْحَانَهُ.

وَنَقَلَ في شَرْحِ المَوَاهِبِ عَنِ النَّوَوِيِّ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الكَرَاهَةِ، قَالَ وَهُوَ أَوْلَى، قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ أَنَّهُ نَهْيُ تَحْرِيمٍ ـ وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَالَهُ الحَافِظُ ـ أَيْ: فِي الفَتْحِ ـ اهـ.

قَالَ القَسْطَلَانِيُّ: وَقِيلَ: مَعْنَى العَزْمِ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِاللهِ في الإِجَابَةِ، فَإِنَّهُ يَدْعُو كَرِيمَاً، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمُ الدُّعَاءَ مَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ ـ يَعْنِي: مِنَ التَّقْصِيرُ ـ فَإِنَّ اللهَ تعالى قَدْ أَجَابَ دُعَاءَ شَرِّ خَلْقِهِ، وَهُوَ إِبْلِيسُ حِينَ قَالَ: ﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. اهـ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرْشِدُ الدَّاعِيَ إلى خَتْمِ دُعَائِهِ بِالتَّأْمِينِ، لِتَحْصُلَ الإِجَابَةُ:

رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ نَمْشِي، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَلَحَّ فِي المَسْأَلَةِ (أَيْ: أَكْثَرَ مِنَ الرَّجَاءِ وَالدُّعَاءِ) فَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ مِنْهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوْجَبَ إِنْ خَتَمَهُ (قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: قَالَ الحَافِظُ في أَمَالِيهِ: أَيْ: عَمِلَ عَمَلَاً وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ فَعَلَ مَا تَجِبُ لَهُ بِهِ الإِجَابَةُ. اهـ)».

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: بِأَيِّ شَيْءٍ يَخْتِمُهُ؟

قَالَ: «بِآمِينَ، فَإِنَّهُ إِنْ خَتَمَهُ بِآمِينَ فَقَدْ أَوْجَبَ».

فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى الرَّجُلَ الذي أَلَحَّ في المَسْأَلَةِ ـ فَقَالَ ـ لَهُ ـ: اخْتِمْ يَا فُلَانُ بِآمِينَ، وَأَبْشِرْ.

وَرَوَى الحَاكِمُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ ـ وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ ـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَجْتَمِعُ مَلَأٌ ـ أَيْ: جَمَاعَةٌ ـ فَيَدْعُو بَعْضُهُمْ، وَيُؤَمِّنُ بَعْضُهُمْ، إِلَّا أَجَابَهُمُ اللهُ تعالى». انْظُرْ تَرْغِيبَ المُنْذِرِيِّ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرْشِدُ الدَّاعِيَ إلى أَنْ يُوقِنَ بِالإِجَابَةِ، وَأَنْ يَدْعُوَ عَنْ قَلْبٍ شَاهِدٍ، لَا عَنْ قَلْبٍ غَافِلٍ:

فَفِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ، وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، فَإِنَّ اللهَ تعالى لَا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ».

قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، ثُمَّ أَوْرَدَ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالحَاكِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ الوَارِدَةِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ الجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ:

رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَحِبُّ الجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ ـ أَيْ: يَتْرُكُ ـ مَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ في الأَذْكَارِ وَالرِّيَاضِ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. اهـ.

وَرَوَاهُ الحَاكِمُ بِلَفْظِ: كَانَ يُعْجِبُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الجَوَامِعَ.

وَالمُرَادُ بِجَوَامِعِ الدُّعَاءِ: مَا جَمَعَ مَعَ وَجَازَتِهِ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ:

نَحْوَ: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾. وَهَذَا أَوْجَهُ مَا قِيلَ في مَعْنَى جَوَامِعِ الدُّعَاءِ.

وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَكُونُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ـ وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ ـ مَحْمُولَاً عَلَى أَغْلَبِ الأَحْوَالِ لَا كُلِّهَا، فَقَدْ قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ في الدُّعَاءِ تَارَةً وَيُفَصِّلُ أُخْرَى. اهـ.

وَقِيلَ: جَوَامِعُ الدُّعَاءِ هِيَ الكَلِمَاتُ التي تَجْمَعُ الأَغْرَاضَ الصَّالِحَةَ وَالمَقَاصِدَ الحَسَنَةَ.

وَقِيلَ: هِيَ التي تَجْمَعُ الثَّنَاءَ عَلَى اللهِ تعالى وَآدَابَ المَسْأَلَةَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 25/ ذو الحجة /1440هـ، الموافق: 26/ آب / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  من كتاب سيدنا محمد رسول الله   

20-03-2021 2697 مشاهدة
203ـ تمسح الملائكة بالقبر الشريف

رَوَى الدَّارَمِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ كَعْبَاً ـ أَيْ: كَعْبَ الأَحْبَارِ ـ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ كَعْبٌ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَطْلُعُ ... المزيد

 20-03-2021
 
 2697
12-03-2021 1503 مشاهدة
202ـ إفاضة القبر الشريف بالأسرار والأنوار

بَابُ مَا أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ المَدِينَةِ قَحْطَاً شَدِيدَاً، ... المزيد

 12-03-2021
 
 1503
19-02-2021 1015 مشاهدة
201ـ بكاء الصحابة لتذكرهم عهوده صلى الله عليه وسلم

عَادَ خَبَّابَاً نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَبْشِرْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَوْضَ! ... المزيد

 19-02-2021
 
 1015
20-11-2020 4216 مشاهدة
200ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (2)

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ... المزيد

 20-11-2020
 
 4216
13-11-2020 1942 مشاهدة
199ـ بكاء الصحابة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ ... المزيد

 13-11-2020
 
 1942
06-11-2020 1005 مشاهدة
198ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (5)

بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِأَلَمِ فِرَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ مَجَالِسِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ... المزيد

 06-11-2020
 
 1005

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414214288
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :