8ـ أهمية التصوف

8ـ أهمية التصوف

8ـ أهمية التصوف

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدِي العَارِفُ بِاللهِ تعالى، المُرْشِدُ الكَبِيرُ، سَيِّدِي وَمَوْلَايَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى، في كِتَابِهِ: حَقائِقُ عَنِ التَّصَوُّفِ:

أَهَمِّيَّةُ التَّصَوُّفِ:

إِنَّ التَّكَالِيفَ الشَّرْعِيَّةَ التي أُمِرَ بِهَا الإِنْسَانُ في خَاصَّةِ نَفْسِهِ تَرْجِعُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، وَأَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالأَعْمَالِ البَاطِنَةِ، أَو بِعِبَارَةٍ أُخْرَى: أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ الإِنْسَانِ وَجِسْمِهِ، وَأَعْمَالٌ تَتَعَلَّقُ بِقَلْبِهِ.

فَالأَعْمَالُ الجِسْمِيَّةُ نَوْعَانِ: أَوَامِرُ وَنَوَاهٍ؛ فَالأَوَامِرُ الإِلَهِيَّةُ هِيَ: كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالحَجِّ... وَأَمَّا النَّوَاهِي فَهِيَ: كَالقَتْلِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الخَمْرِ...

وَأَمَّا الأَعْمَالُ القَلْبِيَّةُ فَهِيَ أَيْضَاً: أَوَامِرُ وَنَوَاهٍ؛ أَمَّا الأَوَامِرُ: فَكَالإِيمَانِ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ... وَكَالإِخْلَاصِ وَالرِّضَا وَالصِّدْقِ وَالخُشُوعِ وَالتَّوَكُّلِ... وَأَمَّا النَّوَاهِي: فَكَالكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالكِبْرِ وَالعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَالغُرُورِ وَالحِقْدِ وَالحَسَدِ. وَهَذَا القِسْمُ الثَّانِي الـمُتَعَلِّقُ بِالقَلْبِ أَهَمُّ مِنَ القِسْمِ الأَوَّلِ عِنْدَ الشَّارِعِ ــ وَإِنْ كَانَ الكُلُّ مُهِمَّاً ــ لِأَنَّ البَاطِنَ أَسَاسُ الظَّاهِرِ وَمَصْدَرُهُ، وَأَعْمَالُهُ مَبْدَأُ أَعْمَالِ الظَّاهِرِ، فَفِي فَسَادِهِ إِخْلَالٌ بِقِيمَةِ الأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلَاً صَالِحَاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً﴾.

وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُوَجِّهُ اهْتِمَامَ الصَّحَابَةِ لِإِصْلَاحِ قُلُوبِهِمْ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّ صَلَاحَ الإِنْسَانِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إِصْلَاحِ قَلْبِهِ وَشِفَائِهِ مِنَ الأَمْرَاضِ الخَفِيَّةِ وَالعِلَلِ الكَامِنَةِ، وَهُوَ الذي يَقُولُ: "أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ" رواه الشيخان عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

كَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ مَحَلَّ نَظَرِ اللهِ إِلَى عِبَادِهِ إِنَّمَا هُوَ القَلْبُ: "إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ" رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَمَا دَامَ صَلَاحُ الإِنْسَانِ مَرْبُوطَاً بِصَلَاحِ قَلْبِهِ الذي هُوَ مَصْدَرُ أَعْمَالِهِ الظَّاهِرَةِ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ العَمَلُ عَلَى إِصْلَاحِهِ بِتَخْلِيَتِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الـمَذْمُومَةِ التي نَهَانَا اللهُ عَنْهَا، وَتَحْلِيَتِهِ بِالصِّفَاتِ الحَسَنَةِ التي أَمَرَنَا اللهُ بِهَا، وَعِنْدَئِذٍ يَكُونُ القَلْبُ سَلِيمَاً صَحِيحَاً، وَيَكُونُ صَاحِبُهُ مِنَ الفَائِزِينَ النَّاجِينَ

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

قَالَ الإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (أَمَّا عِلْمُ القَلْبِ وَمَعْرِفَةُ أَمْرَاضِهِ مِنَ الحَسَدِ وَالعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَنَحْوِهَا، فَقَالَ الغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ).

فَتَنْقِيَةُ القَلْبِ، وَتَهْذِيبُ النَّفْسِ، مِنْ أَهَمِّ الفَرَائِضِ العَيْنِيَّةِ وَأَوْجَبِ الأَوَامِرِ الإِلَهِيَّةِ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ العُلَمَاءِ.

آ ـ فَمِنَ الكِتَابِ:

1ـ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾.

2ـ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾.

وَالفَوَاحِشُ البَاطِنَةُ كَمَا قَالَ الـمُفَسِّرُونَ هِيَ: الحِقْدُ وَالرِّيَاءُ وَالحَسَدُ وَالنِّفَاقُ...

 ب ـ وَمِنَ السُّنَّةِ:

1ـ كُلُّ الأَحَادِيثِ التي وَرَدَتْ في النَّهْيِ عَنِ الحِقْدِ وَالكِبْرِ وَالرِّيَاءِ وَالحَسَدِ... وَأَيْضَاً الأَحَادِيثُ الآمِرَةُ بِالتَّحَلِّي بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ وَالـمُعَامَلَةِ الطَّيِّبَةِ، فَلْتُرَاجَعْ فِي مَوَاضِعِهَا.

2ـ وَالحَدِيثُ "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ" رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَكَمَالُ الإِيمَانِ بِكَمَالِ هَذِهِ الشُّعَبِ وَالتَّحَلِّي بِهَا، وَزِيَادَتُهُ بِزِيَادَةِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَنَقْصُهُ بِنَقْصِهَا، وَإِنَّ الأَمْرَاضَ البَاطِنَةَ كَافِيَةٌ لِإِحْبَاطِ أَعْمَالِ الإِنْسَانِ، وَلَو كَانَتْ كَثِيرَةً.

رَحِمَ اللهُ تعالى شَيْخَنَا رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَجَزَى اللهُ تعالى خَيْرَ الجَزَاءِ مَنْ قَالَ في حَقِّهِ:

وَعَـلَى أَبِي أَيُّـوبَ حَلَّ فَـقِيدُنَا    ***   ضَـيْـفَـاً فَـكَـانَ لَـهُ المَقَامُ الأَرْفَعُ

بِـجِوَارِ مَنْ نَزَلَ الحَبِيبُ بِدَارِهِ    ***   وَاخْتَارَهُ بِـالـفَـضْـلِ رَبٌّ مُـبْـدِعُ

وَلَهُ مِنَ الـشَّهْبَـاءِ أَصْـلٌ ثَابِتٌ   ***   وَعَلَى ذُرَا اسْتَنْبُولَ مَـثْـوَىً يَسْطَعُ

ذِكْرَاهُ إِنْ ذُكِرَتْ ذُكَاءُ فَمَشْرِقٌ    ***   وَسَنَاهُ إِنْ طَلَعَ الهِلَالُ فَـمَـطْـلِـعُ

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 28/ محرم /1441هـ، الموافق: 27/أيلول / 2019م

 2019-09-30
 5410
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  حقائق عن التصوف

01-11-2020 2207 مشاهدة
27ـ أخذ العهد

مِمَّا سَبَقَ ثَبَتَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمُرِيدِ الكَمَالِ أَنْ يَلْتَحِقَ بِمُرْشِدٍ يَتَعَهَّدُهُ بِالتَّوْجِيهِ وَيُرْشِدُهُ إِلَى الطَّرِيقِ الحَقِّ وَيُضِيءُ لَهُ مَا أَظْلَمَ مِنْ جَوَانِبِ نَفْسِهِ، حَتَّى يَعْبُدَ اللهَ تَعَالَى عَلَى ... المزيد

 01-11-2020
 
 2207
24-10-2020 1848 مشاهدة
26ـ شروط المرشد

وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ زَكَّى نَفْسَهُ عَلَى يَدِ مُرَبٍّ وَمُرْشِدٍ، فَخَبَرَ مَرَاتِبَ النَّفْسِ وَأَمْرَاضَهَا وَوَسَاوِسَهَا، وَعَرَفَ أَسَالِيبَ الشَّيْطَانِ وَمَدَاخِلَهُ. وَآفَاتِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ ... المزيد

 24-10-2020
 
 1848
17-10-2020 2179 مشاهدة
25ـ البحث عن الوارث المحمدي (2)

يَقُولُ ابْنُ عجيبة: (وَالنَّاسُ في إِثْبَاتِ الخُصُوصِيَّةِ وَنَفْيِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: 1ـ قِسْمٌ أَثْبَتُوهَا للمُتَقَدِّمِينَ وَنَفَوْهَا عَنِ الـمُتَأَخِّرِينَ؛ وَهُمْ أَقْبَحُ العَوَامِّ. 2ـ وَقِسْمٌ أَقَرَّوْهَا قَدِيمَاً وَحَدِيثَاً، ... المزيد

 17-10-2020
 
 2179
11-10-2020 1817 مشاهدة
24ـ البحث عن الوارث المحمدي

البَحْثُ عَنِ الوَارِثِ المُحَمَّدِيِّ: مِمَّا سَبَقَ يَتَبَيَّنُ أَهَمِّيَّةُ صُحْبَةِ الوَارِثِ الـمُحَمَّدِيِّ للتَّرَقِّي فِي مَدَارِجِ الكَمَالِ، وَتَلَقِّي دُرُوسِ الآدَابِ وَالفَضَائِلِ، وَاكْتِشَافِ العُيُوبِ الخَفِيَّةِ وَالأَمْرَاضِ ... المزيد

 11-10-2020
 
 1817
11-10-2020 2052 مشاهدة
23ـ أقوال العارفين في فائدة الصحبة (6)

قَالَ شَيْخُنَا الكَبِيرُ مُرَبِّي العَارِفِينَ وَالدَّالُّ عَلَى اللهِ سَيِّدِي مُحَمَّدُ الهَاشِمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَاسْلُكْ يَا أَخِي عَلَى يَدِ شَيْخٍ حَيٍّ عَارِفٍ بِاللهِ، صَادِقٍ نَاصِحٍ، لَهُ عِلْمٌ صَحِيحٌ، وَذَوْقٌ صَرِيحٌ، ... المزيد

 11-10-2020
 
 2052
10-03-2020 2904 مشاهدة
22ـ أقوال العارفين في فائدة الصحبة (5)

قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد زَرُّوق رَحِمَهُ اللهُ في قَوَاعِدِهِ: (أَخْذُ العِلْمِ وَالعَمَلِ عَنِ الـمَشَايِخِ أَتَمُّ مِنْ أَخْذِهِ دُونَهُم ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: 49] ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ ... المزيد

 10-03-2020
 
 2904

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5682
المقالات 3210
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422765728
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :