26ـ شروط المرشد

26ـ شروط المرشد

26ـ شروط المرشد

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدِي العَارِفُ بِاللهِ تعالى، المُرْشِدُ الكَبِيرُ، سَيِّدِي وَمَوْلَايَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى، في كِتَابِهِ: حَقائِقُ عَنِ التَّصَوُّفِ:

وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ زَكَّى نَفْسَهُ عَلَى يَدِ مُرَبٍّ وَمُرْشِدٍ، فَخَبَرَ مَرَاتِبَ النَّفْسِ وَأَمْرَاضَهَا وَوَسَاوِسَهَا، وَعَرَفَ أَسَالِيبَ الشَّيْطَانِ وَمَدَاخِلَهُ. وَآفَاتِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ السَّيْرِ وَطَرَائِقَ مُعَالَجَةِ كُلِّ ذَلِكَ بِمَا يُلَائِمُ حَالَةَ كُلِّ شَخْصٍ وَأَوْضَاعَهُ.

وَأَمَّا الشَّرْطُ الرَّابِعُ: فَلَا بُدَّ للمُرْشِدِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُجِيزَ مِنْ شَيْخِهِ بِهَذِهِ التَّرْبِيَةِ وَهَذَا السَّيْرِ، فَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الاخْتِصَاصِيُّونَ بِعِلْمٍ يَدَّعِيهِ لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّرَ فِيهِ. فَالإِجَازَةُ: هِيَ شَهَادَةُ أَهْلِيَّةِ الإِرْشَادِ وَحِيَازَةِ صِفَاتِهِ وَعَلَيْهَا أُسِّسَتْ الآنَ فِكْرَةُ الـمَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَا يَحْمِلُ شَهَادَةَ الطِّبِّ أَنْ يَفْتَحَ عِيَادَةً لِمُدَاوَاةِ الـمَرْضَى، وَلَا يَصِحُّ لِغَيْرِ الـمَجَازِ في الهَنْدَسَةِ أَنْ يَرْسِمَ مُخَطَّطَاً للبِنَاءِ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ للذي لَا يَحْمِلُ شَهَادَةَ أَهْلِيَّةِ التَّعْلِيمِ أَنْ يُدَرِّسَ في الـمَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَ الإِرْشَادَ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ بِهِ مِنْ قِبَلِ مُرْشِدِينَ مَأْذُونِينَ مُؤَهَّلِينَ يَتَّصِلُ سَنَدُهُمْ بِالتَّسَلْسُلِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ.

عَلَى غِرَارِ عُلَمَاءِ الحَدِيثِ الذينَ تَنَاقَلُوا أَحَادِيثَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِالسَّنَدِ رَجُلَاً عَنْ رَجُلٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَاعْتَبَرُوا السَّنَدَ أَسَاسَاً لِحِفْظِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ مِنَ الضَّيَاعِ وَالتَّحْرِيفِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الـمُبَارَكِ: (الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، وَلَوْلَا الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ ).

وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنَ العَاقِلِ أَنْ يَتَدَاوَى عِنْدَ جَاهِلٍ بِالطِّبِّ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ للمَرْءِ أَنْ يَرْكُنَ إِلَى غَيْرِ الـمُرْشِدِ الـمَأْذُونِ الـمُخْتَصِّ بِالتَّوْجِيهِ وَالإِرْشَادِ. وَكُلُّ مَنْ دَرَسَ الوَضْعَ العِلْمِيَّ في الـمَاضِي يَعْرِفُ قِيمَةَ الإِجَازَةِ مِنَ الأَشْيَاخِ وَأَهَمِّيَّةَ التَّلَقِّي عِنْدَهُمْ، حَتَّى إِنَّهُمْ أَطْلَقُوا عَلَى مَنْ لَمْ يَأْخُذْ عِلْمَهُ مِنَ العُلَمَاءِ اسْمَ (الصَّحَفِيُّ)، لِأَنَّهُ أَخَذَ عِلْمَهُ مِنَ الصُّحُفِ وَالـمُطَالَعَةِ الخَاصَّةِ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ: (إِنَّ هَذَا العِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ)

  وَقَدْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ ﷺ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِذَلِكَ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عُمَرَ دِينَكَ دِينَكَ إِنَّمَا هُوَ لَحْمُكَ وَدَمُكَ فَانْظُرْ عَمَّنْ تَأْخُذْ. خُذْ الدِّينَ عَنِ الذينَ اسْتَقَامُوا، وَلَا تَأْخُذْ عَنِ الذين مَالُوا».

وَقَالَ بَعْضُ العَارِفِينَ: (العِلْمُ رُوحٌ تُنْفَخُ لَا مَسَائِلُ تُنْسَخُ. فَلْيَنْتَبِهِ الـمُتَعَلِّمُونَ عَمَّنْ يَأْخُذُونَ، وَلْيَنْتَبِهِ العَالِمُونَ لِمَنْ يُعْطُونَ).

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ الـمُرْشِدِ أُمُورَاً يُمْكِنُ مُلَاحَظَتُهَا:

مِنْهَا: أَنَّكَ إِذَا جَالَسْتَهُ تَشْعُرُ بِنَفْحَةٍ إِيمَانِيَّةٍ وَنَشْوَةٍ رُوحِيَّةٍ، لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا للهِ، وَلَا يَنْطِقُ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَلَا يَتَحَدَّثُ إِلَّا بِمَوْعِظَةٍ أَو نَصِيحَةٍ، تَسْتَفِيدُ مِنْ صُحْبَتِهِ كَمَا تَسْتَفِيدُ مِنْ كَلَامِهِ، تَنْتَفِعُ مِنْ قُرْبِهِ كَمَا تَنْتَفِعُ مِنْ بَعْدِهِ،

تَسْتَفِيدُ مِنْ لَحْظِهِ كَمَا تَسْتَفِيدُ مِنْ لَفْظِهِ.

وَمِنْهَا: أَنْ تُلَاحِظَ في إِخْوَانِهِ وَمُرِيدِيهِ صُوَرَ الإِيمَانِ وَالإِخْلَاصِ وَالتَّقْوَى وَالتَّوَاضُعِ، وَتَتَذَكَّرَ وَأَنْتَ تُخَالِطُهُمُ الـمُثُلَ العُلْيَا مِنَ الحُبِّ وَالصِّدْقِ وَالإِيثَارِ وَالأُخُوَّةِ الخَالِصَةِ. وَهَكَذَا يُعْرَفُ الطَّبِيبُ الـمَاهِرُ بِآثَارِهِ وَنَتَائِجِ جُهُودِهِ، حَيْثُ تَرَى الـمَرْضَى الذي شُفُوا عَلَى يَدَيْهِ وَتَخَرَّجُوا مِنْ مَصَحِّه بِأَوْفَرِ قُوَّةٍ وَأَتَمِّ عَافِيَةٍ.

عِلْمَاً أَنَّ كَثْرَةَ الـمُرِيدِينَ وَالتَّلَامِيذِ وَقِلَّتَهُمْ لَيْسَتْ مِقْيَاسَاً وَحِيدَاً، وَإِنَّمَا العِبْرَةُ بِصَلَاحِ هَؤُلَاءِ الـمُرِيدِينَ وَتَقْوَاهُمْ وَتَخَلُّصِهِمْ مِنَ العُيُوبِ وَالأَمْرَاضِ وَاسْتِقَامَتِهِمْ عَلَى شَرْعِ اللهِ تَعَالَى.

وَمِنْهَا: أَنَّكَ تَرَى تَلَامِذَتَهُ يُمَثِّلُونَ مُخْتَلَفَ طَبَقَاتِ الأُمَّةِ، وَهَكَذَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

فَالظَّفَرُ بِهِ يَدْفَعُ الطَّالِبَ لِلأَخْذِ بِيَدِهِ وَالْتِزَامِ مَجَالِسِهِ وَالتَّأَدُّبِ مَعَهُ وَالعَمَلِ بِنُصْحِهِ وَإِرْشَادِهِ في سَبِيلِ الفَوْزِ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ.

رَحِمَ اللهُ تعالى شَيْخَنَا رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَجَزَى اللهُ تعالى خَيْرَ الجَزَاءِ مَنْ قَالَ في حَقِّهِ:

وَعَـلَى أَبِي أَيُّـوبَ حَلَّ فَـقِيدُنَا    ***   ضَـيْـفَـاً فَـكَـانَ لَـهُ المَقَامُ الأَرْفَعُ

بِـجِوَارِ مَنْ نَزَلَ الحَبِيبُ بِدَارِهِ    ***   وَاخْتَارَهُ بِـالـفَـضْـلِ رَبٌّ مُـبْـدِعُ

وَلَهُ مِنَ الـشَّهْبَـاءِ أَصْـلٌ ثَابِتٌ   ***   وَعَلَى ذُرَا اسْتَنْبُولَ مَـثْـوَىً يَسْطَعُ

ذِكْرَاهُ إِنْ ذُكِرَتْ ذُكَاءُ فَمَشْرِقٌ    ***   وَسَنَاهُ إِنْ طَلَعَ الهِلَالُ فَـمَـطْـلِـعُ

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 6/ ربيع الأول /1442هـ، الموافق: 23/تشرين الأول / 2020م

 2020-10-24
 1314
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  حقائق عن التصوف

01-11-2020 1567 مشاهدة
27ـ أخذ العهد

مِمَّا سَبَقَ ثَبَتَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمُرِيدِ الكَمَالِ أَنْ يَلْتَحِقَ بِمُرْشِدٍ يَتَعَهَّدُهُ بِالتَّوْجِيهِ وَيُرْشِدُهُ إِلَى الطَّرِيقِ الحَقِّ وَيُضِيءُ لَهُ مَا أَظْلَمَ مِنْ جَوَانِبِ نَفْسِهِ، حَتَّى يَعْبُدَ اللهَ تَعَالَى عَلَى ... المزيد

 01-11-2020
 
 1567
17-10-2020 1294 مشاهدة
25ـ البحث عن الوارث المحمدي (2)

يَقُولُ ابْنُ عجيبة: (وَالنَّاسُ في إِثْبَاتِ الخُصُوصِيَّةِ وَنَفْيِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: 1ـ قِسْمٌ أَثْبَتُوهَا للمُتَقَدِّمِينَ وَنَفَوْهَا عَنِ الـمُتَأَخِّرِينَ؛ وَهُمْ أَقْبَحُ العَوَامِّ. 2ـ وَقِسْمٌ أَقَرَّوْهَا قَدِيمَاً وَحَدِيثَاً، ... المزيد

 17-10-2020
 
 1294
11-10-2020 1392 مشاهدة
24ـ البحث عن الوارث المحمدي

البَحْثُ عَنِ الوَارِثِ المُحَمَّدِيِّ: مِمَّا سَبَقَ يَتَبَيَّنُ أَهَمِّيَّةُ صُحْبَةِ الوَارِثِ الـمُحَمَّدِيِّ للتَّرَقِّي فِي مَدَارِجِ الكَمَالِ، وَتَلَقِّي دُرُوسِ الآدَابِ وَالفَضَائِلِ، وَاكْتِشَافِ العُيُوبِ الخَفِيَّةِ وَالأَمْرَاضِ ... المزيد

 11-10-2020
 
 1392
11-10-2020 1614 مشاهدة
23ـ أقوال العارفين في فائدة الصحبة (6)

قَالَ شَيْخُنَا الكَبِيرُ مُرَبِّي العَارِفِينَ وَالدَّالُّ عَلَى اللهِ سَيِّدِي مُحَمَّدُ الهَاشِمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَاسْلُكْ يَا أَخِي عَلَى يَدِ شَيْخٍ حَيٍّ عَارِفٍ بِاللهِ، صَادِقٍ نَاصِحٍ، لَهُ عِلْمٌ صَحِيحٌ، وَذَوْقٌ صَرِيحٌ، ... المزيد

 11-10-2020
 
 1614
10-03-2020 2357 مشاهدة
22ـ أقوال العارفين في فائدة الصحبة (5)

قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد زَرُّوق رَحِمَهُ اللهُ في قَوَاعِدِهِ: (أَخْذُ العِلْمِ وَالعَمَلِ عَنِ الـمَشَايِخِ أَتَمُّ مِنْ أَخْذِهِ دُونَهُم ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: 49] ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ ... المزيد

 10-03-2020
 
 2357
28-02-2020 2192 مشاهدة
21ـ أقوال العارفين في فائدة الصحبة (4)

وَيَقُولُ صَاحِبُ العَيْنِيَّةِ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر الجَيْلَانِيُّ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ: وَإِنْ سَاعَدَ المَقْدُورُ أَو سَاقَكَ القَضَا    ***   إلى شَيْخِ حقٍّ في الحَقِيقَةِ بَــــارِعُ فَـقُـمْ في رِضَـاهُ وَاتَّـبِـــعْ لِـمُـرَادِهِ    ... المزيد

 28-02-2020
 
 2192

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413556018
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :