660ـ خطبة الجمعة: وجوب تعاهد الإيمان
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، وَأَنَّ الأَصْلَ في الإِنْسَانِ الإِيمَانُ، وَلَكِنَّ الشَيْطَانَ قَدْ يَلْعَبُ بِهَذَا العَبْدِ فَيُخْرِجُهُ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُمَاتِ، وَذَلِكَ بِإضْعَافِ الإِيْمَانِ فِي قَلْبِهِ حَتَّى يُرْدِيهِ هَزِيلَاً وَاهِنَاً تَتَلَاعَبُ بِهِ الأَهْوَاءُ الشَّهَوَاتُ، وَتَتَقَاذَفُهُ أَمْوَاجُهَا، وَتَثْقُلُ عَلَيْهِ الطَّاعَاتُ وَالوَاجِبَاتُ وَكُلُّ مَا يَتَّصِلُ بِدِينِهِ وَعِبَادَتِهِ.
وُجُوبُ تَعَاهُدِ الإِيمَانِ:
يَا عِبَادَ اللهِ: عِنْدَمَا قَصَّرْنَا بِتَعَهُّدِ الإِيمَانِ في قُلُوبِنَا بَيْنَ الحِينِ وَالآخَرِ، ضَعُفَ الوَازِعُ الإِيمَانِيُّ، وَعِنْدَهَا سَهُلَتِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتُ عَلَى العَبْدِ.
يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَاهَدَ الإِيمَانِ بَيْنَ الحِينِ وَالآخَرِ حَتَّى لَا يَضْعُفَ، يَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ مِنْ فِقْهِ الْعَبْدِ أَنْ يَتَعَاهَدَ إِيمَانَهُ وَمَا نَقَصَ مِنْهُ، وَمِنْ فِقْهِ الْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَمُزْدَادٌ هُوَ أَمْ مُنْتَقِصٌ؟ وَإِنَّ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ أَنَّى تَأْتِيهِ؟
وَكَانَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ عُمَرُ يَأْخُذُ بِيَدِ الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: قُمْ بِنَا نَزْدَدْ إِيمَانَاً. رواه ابن أبي شيبة.
وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً. رواه الإمام البخاري.
يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَتَعَاهَدْ إِيمَانَنَا بِمُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ، وَالابْتِعَادِ عَنْ جُلَسَاءِ السُّوءِ، وَخَاصَّةً أَنْتُمْ يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، لِأَنَّكُمْ مُسْتَقْبَلُ الأُمَّةِ.
عَدَمُ مَعْرِفَةِ اللهِ تعالى طَامَّةٌ كُبْرَى:
يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَسْبَابِ يُسْرِ المَعَاصِي عَلَى النُّفُوسِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ اللهِ تعالى، وَالجَهْلُ بِعَظَمَتِهِ، لِأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ اللهَ تعالى بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لَمْ يَجْرُؤْ عَلَى المَعْصِيَةِ، وَلَمْ يَجْرُؤْ عَلَى التَّقْصِيرِ في عِبَادَاتِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
مَنْ جَهِلَ بِاللهِ تعالى، وَجَهِلَ مُرَاقَبَةَ اللهِ لَهُ، وَجَهِلَ سَمَاعَ كَلَامِهِ وَنَظَرَهُ إِلَيْهِ، وَعِلْمَهُ بِحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، فَقَدْ نَزَعَ عَنْ نَفْسِهِ لَبُوسَ الحَيَاءِ مِنَ اللهِ تعالى، وَمَنْ لَمْ يَسْتَحِ مِنَ اللهِ تعالى فَلْيَصْنَعْ مَا شَاءَ.
وَإِنَّهُ مِنَ العَجِيبِ أَنْ يَسْتَحِي العَبْدُ مِنَ الخَلْقِ وَلَا يَسْتَحِي مِنَ الخَالِقِ، أَيْنَ هَؤُلَاءِ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطَاً﴾؟.
يَا عِبَادَ اللهِ: لَو تَأَمَّلْنَا أَحْوَالَ المُتَنَكِّبِينَ عَنْ طَرِيقِ الهِدَايَةِ وَجَدْنَا اَنَّ الغَفْلَةَ عَنِ اللهِ تعالى تَتَرَبَّعُ في قُلُوبِهِمْ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَسْتَخِفُّ بِالمَعْصِيَةِ مَنْ يَعْلَمُ بِأَنَّ اللهَ يَرَاهُ، وَيَسْمَعُهُ، وَسُيُحَاسِبُهُ؟
بَلْ كَيْفَ يَسْرِقُ العَبْدُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ؟
وكيف يَسْتَعْلِي عَلَى النَّاسِ وَيَظْلِمُهُمْ وَهُوَ يَعْلَمُ قُدْرَةَ اللهِ عَزَّوَجَلَّ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَشَدِّ أَسْبَابِ الجُرْأَةِ عَلَى المَعْصِيَةِ عَدَمُ إِدْرَاكِ العَبْدِ الهَدَفَ الذي خَلَقَهُ اللهُ تعالى مِنْ أَجْلِهِ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.
وَمِنْ أَسْبَابِ الجُرْأَةِ عَلَى المَعْصِيَةِ، ضَعْفُ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، أَمَّا صَاحِبُ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَسَعُهُ إِلَّا التَّأَسِّي بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾.
وَمِنْ أَسْبَابِ الجُرْأَةِ عَلَى المَعْصِيَةِ الجَهْلُ بِاللهِ تعالى، الجَهْلُ بِأَنَّ اللهَ تعالى رَقِيبٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مُحِيطٌ بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى.
يَا مُنْتَهِكَاً حُرُمَاتِ اللهِ في الظُّلُمَاتِ، وَفي الخَلَوَاتِ، وَفي الفَلَوَاْتِ بَعِيدَاً عَنْ أَعْيُنِ المَخْلُوقَاتِ، قُلْ لِنَفْسِكَ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ: أَيْنَ أَنْتِ مِنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا نَخْشَاكَ كَأَنَّا نَرَاكَ. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 17/ صفر الخير /1440هـ، الموافق: 26/ تشرين الأول / 2018م
اضافة تعليق |
لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد
لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد
لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد
مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد
مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد
بِالعَمَلِ الصَّالِحِ تَحْيَا القُلُوبُ، وَتَزْدَادُ نُورًا يُضِيءُ لِصَاحِبِهِ الطَّرِيقَ، لِيَسِيرَ بِهِ فِي النَّاسِ طَالِبًا مَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِتَرْكِ العَمَلِ الصَّالِحِ قَدْ يَصِلُ القَلْبُ إِلَى المَوْتِ، وَيُصْبِحُ ... المزيد