أخلاق وآداب
39ـ حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ المُسَلَّمِ بِهِ في دِينِنَا الحَنِيفِ أَنْ يُحِبَّ كُلُّ مُسْلِمٍ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الخَيْرِ وَالبِرِّ وَالإِحْسَانِ وَالمَعْرُوفِ وَمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ.
وَإِنَّ الأُمَّةَ اليَوْمَ بِحَاجِةٍ لِفَنِّ التَّعَامُلِ فِيْمَا بَيْنَهَا، بِحَاجَةٍ إِلَى تَعْمِيْقِ رَوَابِطِ الأُخُوَّةِ الإِيْمَانِيَّةِ بَيْنَ أَفْرَادِهَا، الأُمَّةُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى تَحْقِيقِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أُمَّتُنَا اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى حُسْنِ التَّعَامُلِ، وَالاحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ، وَإلى إِظْهَارِ مَحَاسِنِ هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ الذي قَالَ فِيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ـ وَفي رِوَايَةٍ: لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ ـ» رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى أَنْ نُصْبِحَ قُوَّةً صَالِحَةً لِبَعْضِنَا، وَمَفَاتِيحَ خَيْرٍ لِغَيْرِنَا، نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى كَسْبِ قُلُوبِ بَعْضِنَا، وَحُسْنِ المُعَامَلَةِ، وَجَمِيلِ الأَخْلَاقِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُذِيقَنَا حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، وَنَتَحَقَّقَ بِحَقِيقَةِ الإِسْلَامِ.
كَمَالُ الإِيمَانِ بِحُبِّ الخَيْرِ للغَيْرِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا كَمَالَ للإِيمَانِ إِلَّا بِحُبِّ الخَيْرِ للغَيْرِ، فَمَنْ كَانَ حَرِيصَاً عَلَى كَمَالِ إِيمَانِهِ فَلَا يَسَعُهُ إِلَّا التَّحَقُّقُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
صُوَرٌ رَائِعَةٌ لِحُبِّ الخَيْرِ للغَيْرِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هُنَاكَ صُوَرٌ رَائِعَةٌ يَتَجَلَّى فِيهَا حُبُّ الخَيْرِ للغَيْرِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ شَخْصِيَّاتٍ كَبِيرَةٍ كَمُلَ الإِيمَانُ في قَلْبِهَا.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: شَتَمَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ لَتَشْتُمُنِي وَفِيَّ ثَلَاثُ خِصَالٍ: إِنِّي لَآتِي عَلَى الْآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَوَدِدْتُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ مِنْهَا، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ المُسْلِمِينَ يَعْدِلُ فِي حُكْمِهِ فَأَفْرَحُ بِهِ، وَلَعَلِّي لَا أُقاضِي إِلَيْهِ أَبَدَاً، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ قَدْ أَصَابَ الْبَلَدَ مِنْ بِلَادِ المُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ، وَمَا لِي بِهِ مِنِ سَائِمَةٍ.
أُمُورٌ تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ إِيمَانِهِ، مَا قَابَلَ الإِسَاءَةَ بِالإِسَاءَةِ، بَلْ عَفَا وَصَفَحَ، لِأَنَّهُ يُحِبُّ الخَيْرَ للغَيْرِ.
وَيُذْكَرُ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ: كَانَ إِذَا أَقْبَلَ عَلَى فِرَاشِهِ نَفَضَ فِرَاشَهُ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةَ الإِخْلَاصِ ثَلَاثَاً وَالمُعَوِّذَاتِ ثَلَاثَاً ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمَنْ شَتَمَنِي، وَلِمَنْ ظَلَمَنِي، وَلِمَنْ سَبَّنِي؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِي مِنَ المُسْلِمِينَ.
كَانَ يَدْعُو لِمَنْ شَتَمَهُ وَظَلَمَهُ وَسَبَّهُ، لِأَنَّ العَبْدَ إِذَا وَقَعَ في مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ مِنَ الآخَرِينَ أَنْ يَعْفُوا وَيَصْفَحُوا وَيَدْعُوا لَهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: روى أبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَجْلَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَبِي ضَمْضَمٍ؟».
قَالُوا: وَمَنْ أَبُو ضَمْضَمٍ؟
قَالَ: «رَجُلٌ فِيمَنْ كَانَ مِنْ قَبْلِكُمْ» بِمَعْنَاهُ قَالَ: «عِرْضِي لِمَنْ شَتَمَنِي».
وفي رِوَايَةٍ قَالَ: «كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي عَلَى عِبَادِكَ».
وروى البزَّارُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَثَّ يَوْمَاً عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَامَ عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا عِرْضِي، فَإِنِّي أُشْهِدُكَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي.
ثُمَّ جَلَسَ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ؟» قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَاً.
قَالَ: فَقَامَ عُلْبَةُ فَقَالَ: «أَنْتَ المُتَصَدِّقُ بِعِرَضِكَ، قَدْ قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ، كُلُّنَا نُرِيدُ مِنَ الآخَرِينَ إِنْ ظَلَمْنَاهُمْ أَنْ يَعْفُوا وَيَصْفَحُوا، فَلِمَاذَا لَا نُحِبُّ هَذَا للآخَرِينَ إِنْ ظَلَمُونَا وَأَسَاؤُوا إِلَيْنَا؟
نَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الالْتِزَامِ بِهَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
أَيُّهَا البَائِعُ، لِيَكُنْ رِبْحُكَ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُرْبَحَ عَلَيْكَ.
أَيُّهَا الطَّبِيبُ، لِيَكُنْ نَظَرُكَ إلى المَرِيضِ عَلَى أَنَّكَ أَنْتَ المَرِيضُ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى.
أَيُّهَا القَوِيُّ، إِذَا دَعَتْكَ قُدْرَتُكَ عَلَى ظُلْمِ الآخَرِينَ، ضَعْ نَفْسَكَ مَكَانَ المَظْلُومِ.
أَيُّهَا المُسْتَأْجِرُ أَجِيرَاً، أَعْطِهِ أُجْرَتَهُ التي يَسْتَحِقُّهَا، وَضَعْ نَفْسَكَ مَكَانَهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَو انْطَلَقْنَا مِنْ مُنْطَلَقِ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» لَا سْتَقَرَّتْ أُسَرُنَا وَلَاسْتَقَرَّ مُجْتَمَعُنَا.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الأربعاء: 14/ ذو القعدة /1440هـ، الموافق: 17/ تموز / 2019م
لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد
لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد
مِنَ الوَاجِبِ عَلَى العَبْدِ المُؤْمِنِ أَنْ يَرُدَّ المَظَالِمَ إلى أَهْلِهَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُقُوقِ العِبَادِ، لِأَنَّ حُقُوقَ ... المزيد
ا يُقَدِّرُ نِعْمَةَ اللهِ تعالى إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، فَالصِّحَّةُ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا، لَا يُقَدِّرُهَا إِلَّا المَرْضَى، فَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ قَدْ غَفَلْنَا عَنْهَا؟ وَكَمْ مِنَ النِّعَمِ قَدْ قَصَّرْنَا بِوَاجِبِ شُكْرِهَا، ... المزيد
لَقَدْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَبَيَّنَ لَنَا الغَايَةَ مِنْ خَلْقِنَا، فَقَالَ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وَمِنَ العِبَادَةِ الصَّبْرُ عَلَى الابْتِلَاءَاتِ ... المزيد
إِسْلَامُنَا لَا يَرْضَى لَنَا أَنْ نَأْتِيَ الفَوَاحِشَ، بَلْ يَنْهَى عَنْ قُرْبَانِهَا فَضْلَاً عَنْ إِتْيَانِهَا، وَهُوَ يُحَرِّمُ الوَسَائِلَ، وَيَسُدُّ الأَبْوَابَ التي تُؤَدِّي إِلَيْهَا، لِهَذَا جَاءَتْ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، وَنُصُوصٌ ... المزيد