153ـ كن صاحب القول الحسن

153ـ كن صاحب القول الحسن

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

153ـ كن صاحب القول الحسن

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: النَّاسُ كُلُّهُمْ في حَاجَةٍ إلى كَنَفٍ رَحِيمٍ، وَخَاصَّةً العُصَاةَ مِنْهُمْ، بِحَاجَةٍ إلى بَشَاشَةِ وَجْهٍ، وَسَمَاحَةِ خُلُقٍ، وَبِحَاجَةٍ إلى وُدٍّ يَسَعُهُمْ، وَحِلْمٍ لَا يَضِيقُ بِجَهْلِهِمْ، بِحَاجَةٍ إلى مَنْ يَحْمِلُ هَمَّهُمْ وَغَمَّهُمْ، وَلَا يُثْقِلُ عَلَيْهِمْ بِهُمُومِهِ وَأَحْزَانِهِ.

النَّاسُ بِحَاجَةٍ إلى رَحَابَةِ صَدْرٍ وَعَطْفٍ وَرِضَا، مِنْ أَجْلِ هَذَا كُلِّهِ جَاءَتِ الرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِيَكُونَ قُدْوَةً صَالِحَةً لَنَا جَمِيعَاً، قَالَ تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾.

فَمَا غَضِبَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ قَطُّ، وَلَا ضَاقَ صَدْرُهُ بِضَعْفِهِمُ البَشَرِيِّ، بَلْ أَعْطَاهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلَّ مَا مَلَكَتْ يَدَاهُ، وَمَا نَازَعَهُمْ في شَيْءٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا، وَوَسِعَهُمْ بِحِلْمِهِ وَبِرِّهِ وَعَطْفِهِ، وَلَمْ يُقَابِلِ الجَفَاءَ بِجَفَاءٍ، وَلَا الغِلْظَةَ بِغِلْظَةٍ، وَلَا الفَظَاظَةَ بِفَظَاظَةٍ، بَلْ قَابَلَهُمْ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَهُوَ يَتَمَثَّلُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾.

يَا حُصَيْنُ، كَمْ تَعْبُدُ مِنْ إِلَهٍ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ إِذَا أَحْسَنَ القَوْلَ، وَأَحْكَمَهُ، وَسَدَّدَ لَفْظَهُ، فَقَدْ أُوتِيَ مِنَ الحِكْمَةِ بَابَاً عَظِيمَاً، وَحَتَّى يَكُونَ الإِنْسَانُ حَكِيمَاً، قَالَ تعالى لَهُ آمِرَاً: ﴿وَقُولُوا للنَّاسِ حُسْنَاً﴾.

جَاءَ في تَفْسِيرِ القُرْطُبِيِّ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ يَجْتَمِعُ عِنْدَكَ نَاسٌ ذَوُو أَهْوَاءَ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَنَا رَجُلٌ فِيَّ حِدَّةٌ، فَأَقُولُ لَهُمْ بَعْضَ القَوْلِ الغَلِيظِ.

فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ! يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾.

فَدَخَلَ في هَذِهِ الآيَةِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَكَيْفَ بِالحَنِيفِيِّ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَنْظُرْ إلى هَذَا الحِوَارِ الهَادِئِ وَالقَوْلِ الحَسَنِ، بِأَيِّ شَيْءٍ سَيَأْتِي، روى ابْنُ خُزَيْمَةَ أَنَّ حُصَيْنَاً كَانَ مُعَظَّمَاً في قُرَيْشٍ، فَجَاؤُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ: كَلِّمْ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ ـ أَيْ: مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا وَيَسُبُّهُمُ، وَجَاءُوا مَعَهُ حَتَّى جَلَسُوا قَرِيبَاً مِنْ بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوْسِعُوا للشَّيْخِ» (أَيْ: كَبِيرَ السِّنِّ وَهُوَ حُصَيْنٌ).

فَقَالَ حُصَيْنٌ: مَا هَذَا الذي بَلَغَنَا عَنْكَ، أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُم؟

فَقَالَ: «يَا حُصَيْنُ، كَمْ تَعْبُدُ من إِلَهٍ؟».

قَالَ: سَبْعَاً في الأَرْضِ، وَوَاحِدَاً في السَّمَاءِ.

قَالَ: «فَإِذَا أَصَابَكَ الضُّرُّ مَن تَدْعُو؟».

قَالَ: الذي في السَّمَاءِ.

قَالَ: «فَإِذَا هَلَكَ المَالُ مَن تَدْعُو؟».

قَالَ: الذي في السَّمَاءِ.

قَالَ: «فَيَسْتَجِيبُ لَكَ وَحْدَهُ وَتُشْرِكُهُم مَعَهُ؟ أَرَضِيتَهُ في الشُّكْرِ أَمْ تَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْكَ؟».

قَالَ: وَلا وَاحِدَةً من هَاتَيْنِ؛ قَالَ: وَعَلِمْتُ أَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ مِثْلَهُ.

قَالَ: «يَا حُصَيْنُ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ».

قَالَ: إِنَّ لِي قَوْمَاً وَعَشِيرَةً، فَمَاذَا أَقُولُ؟

قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَهْدِيكَ لِأَرْشَدِ أَمْرِي، وَزِدْنِي عِلْمَاً يَنْفَعُنِي».

فَقَالَهَا حُصَيْنٌ، فَلَمْ يَقُمْ حَتَّى أَسْلَمَ.

فَقَامَ إِلَيْهِ عِمْرَانُ ابْنُهُ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.

فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَكَى وَقَالَ: «بَكَيْتُ من صَنِيعِ عِمْرَانَ، دَخَلَ حُصَيْنٌ ـ أَبُوهُ ـ وَهُوَ كَافِرٌ فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ عِمْرَانُ، وَلَمْ يَتَلَفَّتْ نَاحِيَتَهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَـضَى حَقَّهُ، فَدَخَلَنِي من ذَلِكَ الرِّقَّةُ».

فَلَمَّا أَرَادَ حُصَيْنٌ أَنْ يَخْرُجَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَشَيِّعُوهُ إلى مَنْزِلِهِ». (إِكْرَامَاً لَهُ).

فَلَمَّا خَرَجَ من سُدَّةِ البَابِ رَأَتْهُ قُرَيْشٌ وَقَدْ أَسْلَمَ، فَقَالُوا: صَبَأَ؛ وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ. عَزَاهُ في الإِصَابَةِ إلى ابْنِ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادِهِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ دَخَلَ سَيِّدُنَا حُصَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَافِرَاً نَاقِمَاً، فَخَرَجَ صَادِقَاً مُسْلِمَاً، بِسَبَبِ قَوْلِ اللِّينِ الذي يَسْتَمِيلُ القُلُوبَ، وَيَنْزِعُ مِنْهَا الحِقْدَ وَالبَغْضَاءَ، لِمَنْ أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ خَيْرَاً.

كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى عَدَمِ الغِلْظَةِ وَالفَظَاظَةِ في تَعَامُلِنَا وَخَاصَّةً مَعَ العُصَاةِ؟

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَنْزِعَ مِنْ قُلُوبِنَا الرَّحْمَةَ. آمين.

**   **   **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 22/ ذو القعدة /1440هـ، الموافق: 25/ تموز / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1380 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1380
13-02-2020 1915 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1915
23-01-2020 2548 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2548
16-01-2020 976 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 976
09-01-2020 1305 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1305
03-01-2020 1000 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1000

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411979952
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :