679ـ خطبة الجمعة: تجنبي الطلاق

679ـ خطبة الجمعة: تجنبي الطلاق

679ـ خطبة الجمعة: تجنبي الطلاق

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الفِتَنِ، وَتَفَكُّكِ الأُسَرِ، وَتَشَتُّتِ الأَهْلِ، التَّعَجُّلُ في أَمْرِ الطَّلَاقِ وَالتَّطْلِيقِ، أُمِرْنَا بِالزَّوَاجِ وَلَمْ نُؤْمَرْ بِالطَّلَاقِ، روى الديلمي عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: «تَزَوَّجُوا وَلَا تُطَلِّقُوا، فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَهْتَزُّ مِنْهُ العَرْشُ» كَذَا في كَشْفِ الخَفَا.

لَقَدْ أَصْبَحْنَا وَأَمْسَيْنَا وَنَحْنُ نَسْمَعُ بَعْضَ النِّسَاءِ تَطْلُبُ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا لِأَتْفَهِ الأَسْبَابِ، وَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ كَانَتِ المَرْأَةُ أَوَّلَ البَاكِينَ.

يَا أُخْتَاهُ، تَجَنَّبِي الطَّلَاقَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّنِي في هَذَا اليَوْمِ المُبَارَكِ أُخَاطِبُ كُلَّ أُخْتٍ مِنْ خِلَالِكُمْ، وَأَقُولُ: يَا أُخْتَاهُ، تَجَنَّبِي الطَّلَاقَ وَأَسْبَابَهُ، تَجَنَّبِي وُقُوعَ هَذِهِ الكَارِثَةِ التي أَنْتِ ضَحِيَّتُهَا.

يَا أُخْتَاهُ، أَقُولُ لَكِ كَلِمَةَ حَقٍّ فَاسْمَعِيهَا إِنْ أَرَدْتِ الحَيَاةَ المُسْتَقِرَّةَ في زَوَاجِكِ، وَأَنْ تَتَجَنَّبِي الطَّلَاقَ.

أولاً: عَلَيْكِ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحِفْظِ حُدُودِهِ:

عَلَيْكِ بِتَقْوَى اللهِ تعالى وَحِفْظِ حُدُودِهِ، وَتَذَكَّرِي قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾

كُونِي صَالِحَةً حَافِظَةً للغَيْبِ، وَالمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ التي إِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا زَوْجُهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ، المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ التي تَحْفَظُ غَيْبَةَ زَوْجِهَا، فَتُرَاقِبُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِسَانُ حَالِهَا وَقَالِهَا يَقُولُ: اللهُ شَاهِدِي اللهُ نَاظِرِي اللهُ مَعِيَ.

وَحَاشَا للهِ تعالى أَنْ يُضَيِّعَ رُبُّنَا المَرْأَةَ التَّقِيَّةَ الحَافِظَةَ  للغَيْبِ، وَحَاشَا لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُضَيِّعَ امْرَأَةً اتَّخَذَتْ طَاعَةَ زَوْجِهَا بِالمَعْرُوفِ طَرِيقَاً إلى مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَاشَا لِرَبِّنَا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ سَمِعَتْ وَالْتَزَمَتْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا أُخْتَاهُ، عَلَيْكِ بِطَاعَةِ الزَّوْجِ، وَاحْذَرِي مُخَالَفَةَ أَمْرِهِ في المَعْرُوفِ، فَإِنَّ طَاعَتَكِ لِزَوْجِكِ في طَاعَةِ اللهِ سِرُّ سَعَادَتِكِ في حَيَاتِكِ الزَّوْجِيَّةِ.

ثانياً: اعْلَمِي أَنَّ القِوَامَةَ في البَيْتِ هِيَ للرَّجُلِ:

يَا أُخْتَاهُ، اعْلَمِي أَنَّ القِوَامَةَ في البَيْتِ هِيَ للرَّجُلِ، فَهُوَ رُبَّانُ السَّفِينَةِ، هُوَ القَائِدُ وَالمُوَجِّهُ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَهَذَا بِتَكْلِيفٍ مِنَ اللهِ تعالى ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾. هَذِهِ القِوَامَةُ قِوَامَةُ تَكْلِيفٍ لَا تَشْرِيفٍ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

اعْلَمِي يَا أُخْتَاهُ أَنَّ القِوَامَةَ بِيَدِ الرَّجُلِ، وَهَذَا لَا يَنْفِي دَوْرَكِ وَعَمَلَكِ في الأُسْرَةِ، فَأَنْتِ مَسْؤُولَةٌ عَمَّا اسْتَرْعَاكِ اللهُ تعالى «وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ» رواه الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَإِذَا عَرَفْتِ ذَلِكَ عَرَفْتِ أَنَّ العَلَاقَةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَاقَةً تَكَامُلِيَّةً، كُلٌّ يُكَمِّلُ الآخَرَ، وَلَيْسَتِ القِوَامَةُ صِرَاعَاً وَتَفَاضُلَاً.

يَا أُخْتَاهُ، الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ مَمْلَكَةٌ إِيمَانِيَّةٌ، مَلِكُهَا وَرُبَّانُهَا وَالمُسَيِّرُ لِدَفَّةِ شُؤُونِهَا هُوَ الرَّجُلُ وَأَنْتِ المَلِكَةُ المُتَوَّجَةُ في هَذِهِ المَمْلَكَةِ وَأَنْتِ رَفِيقَةُ الدَّرْبِ، أَنْتِ لَسْتِ أَمَةً في هَذِهِ المَمْلَكَةِ «وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ».

وَلَكِنَّ رِعَايَتَهَا تَحْتَ رِعَايَةِ زَوْجِهَا، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ قَائِدٍ وَاحِدٍ لمَمْلَكَةِ الأُسْرَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَتَنَازَعُ فِيهِ اثْنَانِ.

يَا أُخْتَاهُ، وَاللهِ مَا شَقِيَتْ أُسْرَةٌ بِشَكْلٍ عَامٍّ إِلَّا عِنْدَمَا رَفَضَتِ المَرْأَةُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾.

ثالثاً: حَافِظِي عَلَى أَسْرَارِ البَيْتِ:

يَا أُخْتَاهُ، حَافِظِي عَلَى أَسْرَارِ البَيْتِ، وَاحْذَرِي مِنْ تَسْرِيبِ أَسْرَارِ البَيْتِ وَخَاصَّةً في الخِلَافَاتِ، لِأَنَّ تَسْرِيبَ الخِلَافَاتِ يَزِيدُ المُشْكِلَةَ تَعْقِيدَاً، وَيُؤَدِّي إلى مَزِيدٍ مِنَ الجَفَاءِ.

فَلَا تُلَطِّخِي حُرُمَاتِ البَيْتِ بِالقِيلِ وَالقَالِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ، لِأَنَّ هَذَا يَرْفَعُ عَنِ الأُسْرَةِ الأَمْنَ وَالسَّكِينَةَ، بَلْ يَكُونُ سَبَبَاً في تَكَالُبِ الآخَرِينَ عَلى هَدْمِ هَذِهِ الأُسْرَةِ وَتَصْدِيْعِهَا.

احْفَظِي سِرَّ البَيْتِ وَلَا تَكْشِفِي غَيْبَهُ، وَتَذَكَّرِي الحَدِيثَ الشَّرِيفَ: «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمَاً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَالحَدِيثَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ» رواه أبو داود عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: وَمَا تُخَاطَبُ بِهِ المَرْأَةُ يُخَاطَبُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَحْفَظَ بُيوتَنَا وَبُيُوتَ المُسْلِمِينَ مِنَ الضَّيَاعِ وَالتَّهَدُّمِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 4/ ربيع الأول /1441هـ، الموافق: 1/ تشرين الثاني / 2019م

 2019-11-01
 1483
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

24-04-2025 119 مشاهدة
935ـ خطبة الجمعة: سلامة الصدر نعمة ربانية

مِنْ أَهَمِّ مَا يُمَيِّزُ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ، أَنَّهَا أُمَّةٌ مُتَوَادَّةٌ مُتَرَاحِمَةٌ مُتَكَاتِفَةٌ مُتَحَابَّةٌ، تَبْنِي أَفْرَادَهَا، وَتُقِيمُ مُجْتَمَعَاتِهَا عَلَى أُسُسِ التَّعَاوُنِ المُشْتَرَكِ، وَالتَّقْدِيرِ وَالاحْتِرَامِ ... المزيد

 24-04-2025
 
 119
17-04-2025 289 مشاهدة
934ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (2)

لَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ، وَوَعْدُهُ تَعَالَى لَا يُخْلَفُ، بَلْ أَوْضَحَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ أَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ ... المزيد

 17-04-2025
 
 289
10-04-2025 628 مشاهدة
933ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (1)

مِنَ المَعْلُومِ عِنْدَ كُلِّ إِنْسَانٍ مُسْلِمٍ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعَدَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرَ هَذَا الدِّينَ، وَأَنْ يُمَكِّنَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ... المزيد

 10-04-2025
 
 628
28-11-2024 4084 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 4084
22-11-2024 1522 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 1522
14-11-2024 1778 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 1778

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5682
المقالات 3210
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422765737
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :