51ـ قضاء الحج عنهما

51ـ قضاء الحج عنهما

51ـ قضاء الحج عنهما

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِن مَظَاهِرِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ قَضَاءُ الحَجِّ عَنْهُمَا إِذَا مَاتَا وَلَمْ يَحُجَّا، وَكَانَا مُسْتَطِيعَيْنِ في حَالِ حَيَاتِهِمَا، وَهَذَا مِنَ البِرِّ بِهِمَا بَعْدَ وَفَاتِهِمَا، وَإِنْ كَانَ يُجْزِئُ عَنْهُمَا حَجُّ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِمَا أَو غَيْرِهِ أَيْضَاً.

روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْتَفْتِيهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخَاً كَبِيرَاً، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟

قَالَ: «نَعَمْ» وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

وروى الترمذي عَنْ أَبِي رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الحَجَّ، وَلَا العُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ.

قَالَ: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ».

وروى ابْنُ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ.

قَالَ: «نَعَمْ، حُجَّ مَكَانَ أَبِيكَ».

فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى حَجِّ الوَلَدِ ـ ذَكَرَاً كَانَ أَو أُنْثَى ـ عَنْ أَبِيهِ.

الحَجُّ عَنِ الأُمِّ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَمَّا الحَجُّ عَنِ الأُمِّ، فَقَد روى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟

قَالَ: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا».

وروى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟

قَالَ: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟».

قَالَتْ: نَعَمْ.

فَقَالَ: «اقْضُوا اللهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ».

فَالحَدِيثَانِ صَرِيحَانِ في قَضَاءِ الحَجِّ عَمَّنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، سَوَاءٌ كَانَ الحَجُّ فَرْضَاً أَو نَذْرَاً، وَلَا يَضُرُّ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الحَجَّ عَنِ المَيْتِ أَو المَعْضُوبِ (هُوَ العَاجِزُ عَن الحَجِّ بِنَفْسِهِ)، سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرَاً أَو أُنْثَى، حَتَّى لَو كَانَ غَيْرَ قَرِيبٍ، وَقَدْ شَبَّهَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى الكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ العِبَادَةَ الوَاجِبَةَ بِالدَّيْنِ الوَاجِبِ أَدَاؤُهُ، كِلَاهُمَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ، وَدَيْنُ اللهِ تعالى مُقَدَّمٌ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَحْوَجَ الوَالِدَيْنِ إِذَا مَاتَا إلى دُعَاءٍ صَالِحٍ مِنِ وَلَدِهِمَا تُرْفَعُ بِهِ دَرَجَاتُهُمَا، فَفِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ».

فَالحَجُّ عَنْهُمَا مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ البِرِّ، لِأَنَّهُ في الحَجِّ يَكْثُرُ الدُّعَاءُ، وَخَاصَّةً يَوْمَ عَرَفَةَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا حَرِيصِينَ عَلَى بِرِّ آبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ فَإِنَّهُمْ سِرُّ سَعَادَتِكُمْ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمَنَا بِرَّهُمَا. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 30/ محرم /1441هـ، الموافق: 29/ أيلول / 2019م

 2019-10-01
 754
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  بر الوالدين

25-10-2020 2995 مشاهدة
71ـ لين الجانب لهما والقول الكريم لهما

مَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ، أَنْ يُخَاطِبَهُمَا بِالقَوْلِ اللَّيِّنِ، وَالكَلَامِ اللَّطِيفِ، وَلَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُخَاطِبَهُمَا بِالعِبَارَاتِ الحَادَّةِ، وَالكَلِمَاتِ النَّابِيَةِ، وَالغِلْظَةِ ... المزيد

 25-10-2020
 
 2995
18-10-2020 2592 مشاهدة
70ـ الإنفاق على الوالدين الفقيرين

وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ، الإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا إِذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ، وَلْيَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ لَهُمَا مِنْ زَكَاةِ أَمْوَالِهِ، لِأَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى ... المزيد

 18-10-2020
 
 2592
04-10-2020 1461 مشاهدة
69ـ الحرص على هدايتهما (2)

حُقُوقُ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ كَبِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ جِدًّا، وَمِنْ هَذِهِ الحُقُوقِ أَنْ يَكُونَ الوَلَدُ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ وَالِدَيْهِ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَأَنْ يَكُونَ نَاصِحًا أَمِينًا لَهُمَا بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ، وَخَاصَّةً ... المزيد

 04-10-2020
 
 1461
21-09-2020 1242 مشاهدة
68ـ الحرص على هدايتهما (1)

هَذَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ وَالِدِهِ كُلَّ الحِرْصِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى لَنَا قِصَّتَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ لِيَكُونَ أُسْوَةً لَنَا في تَقْدِيمِ النُّصْحِ وَالحِرْصِ ... المزيد

 21-09-2020
 
 1242
08-03-2020 2212 مشاهدة
67ـ وجوب توقيرهما وتكريمهما

مَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ أَنْ يُوَقِّرَهُمَا وَيُكْرِمَهُمَا، فَلَا يَصِفَهُمَا بِوَصْفٍ لَا يَلِيقُ بِهِمَا، وَلَا يُنَادِيهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَرِمَهُمَا في مَجْلِسِهِمَا. كَيْفَ لَا يَكُونُ ... المزيد

 08-03-2020
 
 2212
06-03-2020 1557 مشاهدة
66ـ شكر الله تعالى على ما أنعم (2)

مِنْ فَوَائِدِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ كَمَالُ الإِيمَانِ، وَحُسْنُ الإِسْلَامِ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ المُوصِلُ إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَهُوَ سَبَبٌ في بَرَكَةِ العُمُرِ، ... المزيد

 06-03-2020
 
 1557

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3236
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424889325
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :