725ـ خطبة الجمعة: التفاؤل تعبير عن صدق التوكل

725ـ خطبة الجمعة: التفاؤل تعبير عن صدق التوكل

725ـ خطبة الجمعة: التفاؤل تعبير عن صدق التوكل

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ التَّفَاؤُلَ في الحَالَاتِ الاعْتِيَادِيَّةِ يَتَحَلَّى بِهِ كُلُّ صَاحِبِ فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ، لِأَنَّ الإِنْسَانَ مَفْطُورٌ عَلَى حُبِّ التَّفَاؤُلِ وَالكَلِمَةِ الحَسَنَةِ.

أَمَّا التَّفَاؤُلُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالأَزَمَاتِ هَذَا لَا يُتْقِنُهُ إِلَّا مَنْ صَبَرَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى، فَمَنْ يَصْبِر عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى يَكُونُ مُتَفَائِلًا عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالأَزَمَاتِ، لِأَنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى وَالتَّفَاؤُلَ عِنْدَ الشَّدَائِدِ مِنْ صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ بِاللهِ حَقًّا، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ الإِيمَانِ وَصَلَابَتِهِ في قُلُوبِهِمْ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ التَّفَاؤُلَ الحَسَنَ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ تعالى، وَالتَّشَاؤُمَ دَلِيلٌ عَلَى سُوءِ الظَّنِّ بِاللهِ تعالى.

التَّفَاؤُلُ الحَسَنُ دَلِيلٌ عَلَى الاقْتِدَاءِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّشَاؤُمُ دَلِيلٌ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

تَفَاؤُلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: التَّفَاؤُلُ في الشَّدَائِدِ وَالأَزَمَاتِ يُظْهِرُ مَعْدِنَ الإِنْسَانِ، وَيُبَيِّنُ أَصْلَهُ، وَيَكْشِفُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، وَلَا يَتَّصِفُ بِهِ إِلَّا الأَفْذَاذُ مِنَ العِبَادِ.

فَالأَفْذَاذُ مِنَ النَّاسِ هُمُ المُتَفَائِلُونَ، وَعَلَى رَأْسِ الجَمِيعِ وَبِلَا اسْتِثْنَاءٍ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي تَقُولُ عَنْهُ أُمُّنَا السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.

نَعَمْ، لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ في كُلِّ شَيْءٍ، لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الفَأْلَ الحَسَنَ، إِذْ إِنَّ أَصْحَابَ اليَمِينِ هُمْ أَصْحَابُ الجَنَّةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ تَفَاؤُلُهُ مُقْتَصَرًا عَلَى أَيَّامِ الرَّخَاءِ وَأَوْقَاتِ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ، بَلْ كَانَ مُتَفَائِلًا في جَمِيعِ الأَحْوَالِ، في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَالحِلِّ وَالتَّرْحَالِ، وَالصِّحَّةِ وَالمَرَضِ، وَالغِنَىِ وَالفَقْرِ، بَلْ كَانَ تَفَاؤُلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَأَلَّقُ أَكْثَرَ، وَيَبْلُغُ أَوْجَهُ وَقِمَّتَهُ في أَيَّامِ المِحَنِ وَأَوْقَاتِ الشَّدَائِدِ وَفي حُرُوبِهِ وَغَزَوَاتِهِ.

فَهَا هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أَحْلَكِ اللَّحَظَاتِ يَوْمَ هِجْرَتِهِ عِنْدَمَا وَصَلَ الطَّلَبُ إلى فَمِ الغَارِ، وَقَالَ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» رواه الإمام مسلم.

وَكَذَلِكَ عِنْدَمَا وَصَلَ إِلَيْهِ سُرَاقَةُ يَوْمَ هِجْرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُرِيدُ السُّوءَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، طَمَعًا بِالحُصُولِ عَلَى مِائَةِ نَاقَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُ النَبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ بِكَ إِذَا لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى؟» الإصابة.

هَكَذَا يُعَلِّمُنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَكُونُ التَّفَاؤُلُ وَالأَمَلُ في أَحْلَكِ الظُّرُوفِ.

التَّفَاؤُلُ تَعْبِيرٌ صَادِقٌ عَنْ صِدْقِ التَّوَكُّلِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَ تَفَاؤُلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَابِعًا مِنْ إِيمَانٍ بِاللهِ العَظِيمِ، الذي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، كَانَ نَابِعًا مِنْ إِيمَانٍ رَاسِخٍ بِوَعْدِ اللهِ تعالى، وَمِنْ يَقِينٍ كَامِلٍ بِاللهِ تعالى لَا يَتَزَعْزَعُ.

نَعَمْ، إِنَّ تَفَاؤُلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَعْبِيرًا صَادِقًا عَنْ صِدْقِ تَوَكُّلِهِ عَلَى اللهِ تعالى وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِاللهِ تعالى، وَكَانَ دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى ثَبَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الحَقِّ الذي جَاءَ بِهِ، لِذَا لَمْ تَكُنِ المِحَنُ وَالأَزَمَاتُ يَوْمًا مَهْمَا بَلَغَتْ قَسْوَةً وَضَرَاوَةً تُخْرِجُهُ عَنْ طَبْعِهِ وَاعْتِدَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تُخْرِجَهُ عَنْ أَخْلَاقِهِ وَآدَابِهِ وَقِيَمِهِ وَمَبَادِئِهِ التي جَاءَ بِهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلُمُّوا للاطِّلَاعِ عَلَى سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَانْظُرُوا إلى تَفَاؤُلِهِ الذي لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ أُمْنِيَاتٍ تُتَّخَذُ مُسَوِّغًا للقُعُودِ وَالنُّكُوصِ، وَذَرِيعَةً للتَّخَاذُلِ وَالتَّقَاعُسِ، بَلْ كَانَ تَفَاؤُلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَفَاؤُلًا إِيجَابِيًّا يَصْحَبُهُ يَقِينٌ قَوِيٌّ، وَعَزْمٌ رَاسِخٌ صَادِقٌ، يُعَمِّقُ الثِّقَةَ بِالنَّفْسِ، وَيَزْرَعُ الأَمَلَ لِمُسْتَقْبَلٍ مُشْرِقٍ، وَيَدْعُو إلى الجِدِّ وَالاجْتِهَادِ، وَالصَّبْرِ وَالمُصَابَرَةِ وَالمُثَابَرَةِ.

هَكَذَا كَانَ نَبِيُّنَا وَحَبِيبُنَا المُصْطَفَى سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَجْعَلَهُ في ذَرَّاتِنَا، كَيْ نَتَحَقَّقَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ﴾.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 2/ محرم /1442هـ، الموافق: 21/آب / 2020م

 2020-09-11
 5950
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

13-09-2024 440 مشاهدة
926ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (2)

العَارُ كُلُّ العَارِ أَنْ لَا يَعْرِفَ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ المَعْرِفَةِ لَمْ يَرْتَبْ وَلَمْ يَشُكَّ في صِدْقِهِ وَفي صِدْقِ مَا جَاءَ ... المزيد

 13-09-2024
 
 440
07-09-2024 901 مشاهدة
925ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (1)

لَقَدْ وَهَبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ البَشَرِيَّةَ حَيَاةَ سَعَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَرُوحًا نَاضِرَةً، وَذَلِكَ بِظُهُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا ... المزيد

 07-09-2024
 
 901
29-08-2024 454 مشاهدة
924ـ خطبة الجمعة: فقد العلماء مصيبة كبرى

العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ نُجُومٌ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى هِدَايَةً لِمَنْ أَرَادَ سَلَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، العُلَمَاءُ العَامِلُونَ هُمْ شُهَدَاءُ اللهِ المَرْضِيُّونَ، أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَعْظَمِ مَشْهُودٍ ... المزيد

 29-08-2024
 
 454
23-08-2024 439 مشاهدة
923ـ خطبة الجمعة: أثر الصدق والحكمة بين الراعي والرعية

مَا زَالَ حَدِيثِي يَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ في الأُمَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِسَلَامَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَخَاصَّةً ... المزيد

 23-08-2024
 
 439
15-08-2024 697 مشاهدة
922ـ خطبة الجمعة: أيها الراعي كن مضرب مثل في سلامة الصدر

سَلَامَةُ العَلَاقَةِ بَيْنَ كُلِّ رَاعٍ وَرَعِيَّتِهِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَاسُكِ وَالتَّآلُفِ وَالتَّحَابُبِ وَالتَّعَاوُنِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِحُسْنِ أَخْلَاقِ الرِّاعِي مَعَ رَعِيَّتِهِ، مَعَ سَلَامَةِ طَوِيَّتِهِ وَحُبِّهِ ... المزيد

 15-08-2024
 
 697
08-08-2024 787 مشاهدة
921ـ خطبة الجمعة: سلامة قلب الراعي

أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَعِيَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، لِأَقُولَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، كُنْ حَرِيصًا عَلَى سَلَامَةِ قَلْبِكَ نَحْوَ رَعِيَّتِكَ، لَعَلَّكَ تَفُوزُ بِسَلَامَةِ ... المزيد

 08-08-2024
 
 787

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5629
المقالات 3189
المكتبة الصوتية 4847
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 417373578
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :