739ـ خطبة الجمعة: لنكن من الحمادين على سائر الأحوال

739ـ خطبة الجمعة: لنكن من الحمادين على سائر الأحوال

739ـ خطبة الجمعة: لنكن من الحمادين على سائر الأحوال

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنِ اصْطَفَاكُمُ اللهُ تعالى مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ، وَجَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِ القُرْآنِ العَظِيمِ، فَقَالَ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾.

هَذَا كِتَابُ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ يُنَادِينَا وَيُخَاطِبُنَا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾.

تَأَمَّلُوا هَذِهِ الآيَةَ جَيِّدًا: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾. هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعُدَّ نِعْمَةَ اللهِ تعالى عَلَيْكَ، وَأَنْتَ في أيَّةِ حَالَةٍ مِنْ حَالَاتِكَ؟

﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِيُفَكِّرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا في نِعَمِ اللهِ تعالى التي أَسْبَغَهَا عَلَيْنَا في سَائِرِ أَحْوَالِنَا، نِعَمُهُ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، لَا في الصِّحَّةِ وَلَا في المَرَضِ، لَا في الغِنَى وَلَا في الفَقْرِ، لَا في الأَمْنِ وَلَا في الخَوْفِ، لَا في القُوَّةِ وَلَا في الضَّعْفِ، لَا في العِزِّ وَلَا في الذُّلِّ ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا﴾. يَتَحَدَّانَا اللهُ تعالى في إِحْصَاءِ النِّعَمِ، مَنْ يَسْتَطِيعُ إِحْصَاءَهَا في أَيَّةِ حَالَةٍ كَانَ؟

فَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنَ الظُّلْمِ لِأَنْفُسِنَا وَكُفْرَانِ النِّعَمِ ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾. ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾. فَلَا تَكُنْ ظَالِمًا لِنَفْسِكَ بِكُفْرَانِ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْكَ، مَهْمَا كَانَ حَالُكَ وَوَضْعُكَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: للهِ الحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ عِنْدَمَا قَالَ لَنَا: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾. قَالَ لَنَا بِالمُقَابِلِ: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. فَنِعْمَ الرَّبُّ رَبُّنَا، نَعَّمَنَا فَلَمْ يَجِدْنَا شَاكِرِينَ، وَابْتَلَانَا فَلَمْ يَجِدْنَا صَابِرِينَ، فَلَا هُوَ أَزَالَ النِّعْمَةَ بِتَرْكِ الشُّكْرِ، وَلَا أَدَامَ الشِّدَّةَ بِتَرْكِ الصَّبْرِ، لِأَنَّهُ إِلَهٌ جَوَادٌ كَرِيمٌ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يُعَامِلُنَا بِفَضْلِهِ لَا بِعَدْلِهِ، فَنَسْأَلُهُ تَبَارَكَ وتعالى أَنْ يُدْخِلَ عَظِيمَ جُرْمِنَا في عَظِيمِ عَفْوِهِ.

لِنَكُنْ مِنَ الحَمَّادِينَ عَلَى سَائِرِ الأَحْوَالِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَكُنْ مِنَ الحَمَّادِينَ عَلَى سَائِرِ الأَحْوَالِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدِنَا أَنْ يُحْصِيَ نِعْمَةَ اللهِ تعالى في أَيِّ ظَرْفٍ مِنْ ظُرُوفِ حَيَاتِهِ، هَكَذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الحاكم عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ الْأَمْرُ يَسُرُّهُ قَالَ: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ» وَإِذَا أَتَاهُ الْأَمْرُ يَكْرَهُهُ، قَالَ: «الْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ».

لِنَكُنْ مِنَ الحَمَّادِينَ عَلَى سَائِرِ الأَحْوَالِ، لَعَلَّنَا نَكُونُ مِنْ أَوَّلِ مَنْ يُدْعَى إلى دُخُولِ الجَنَّةِ، روى الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ».

لِنَحْمَدِ اللهَ تعالى في السَّرَّاءِ وَلْنَحْمَدْهُ في الضَّرَّاءِ لِأَنَّنَا في كِلَا الحَالَيْنِ في نِعَمٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا ابْتُلِيتُ بِبَلِيَّةٍ إلا كَانَ للهِ عَلَيَّ فِيهَا أَرْبَعُ نِعَمٍ، إِذْ لَمْ تَكُنْ في دِينِي، وَإِذْ لَمْ أُحْرَمِ الرِّضَا، وَإِذْ لَمْ تَكُنْ أَعْظَمَ، وَإِذْ رَجَوْتُ الثَّوَابَ عَلَيْهَا. / فيض القدير.

وَيَقُولُ الإِمَامُ الغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَا شِدَّةَ إِلَّا وفي جَنْبِهَا نِعَمٌ للهِ فَلْيَلْزَمِ الحَمْدَ وَالشُّكْرَ عَلَى تِلْكَ النِّعَمِ المُقْتَرِنَةِ بِهَا.

وَيَقُولُ ابْنُ عَطَاءِ اللهِ السَّكَنْدَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَنْ ظَنَّ انْفِكَاكَ لُطْفِهِ عَنْ قَدَرِهِ فَذَلِكَ لِقُصُورِ نَظَرِهِ.

فَالحَمْدُ للهِ في السَّرَّاءِ، وَالحَمْدُ للهِ في الضَّرَّاءِ، وَالحَمْدُ للهِ عَلَى سَائِرِ الأَحْوَالِ، حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ، وَيَدْفَعُ نِقَمَهُ، وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، حَمْدًا مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شَاءَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، حَمْدًا بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ مَا عَلِمْنَا مِنْهَا وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَقْبَلَ مِنَّا الحَمْدَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 3/ جمادى الأولى /1442هـ، الموافق: 18/كانون الأول / 2020م

 2020-12-18
 5839
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

20-09-2024 2 مشاهدة
927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد

 20-09-2024
 
 2
13-09-2024 450 مشاهدة
926ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (2)

العَارُ كُلُّ العَارِ أَنْ لَا يَعْرِفَ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ المَعْرِفَةِ لَمْ يَرْتَبْ وَلَمْ يَشُكَّ في صِدْقِهِ وَفي صِدْقِ مَا جَاءَ ... المزيد

 13-09-2024
 
 450
07-09-2024 904 مشاهدة
925ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (1)

لَقَدْ وَهَبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ البَشَرِيَّةَ حَيَاةَ سَعَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَرُوحًا نَاضِرَةً، وَذَلِكَ بِظُهُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا ... المزيد

 07-09-2024
 
 904
29-08-2024 455 مشاهدة
924ـ خطبة الجمعة: فقد العلماء مصيبة كبرى

العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ نُجُومٌ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى هِدَايَةً لِمَنْ أَرَادَ سَلَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، العُلَمَاءُ العَامِلُونَ هُمْ شُهَدَاءُ اللهِ المَرْضِيُّونَ، أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَعْظَمِ مَشْهُودٍ ... المزيد

 29-08-2024
 
 455
23-08-2024 439 مشاهدة
923ـ خطبة الجمعة: أثر الصدق والحكمة بين الراعي والرعية

مَا زَالَ حَدِيثِي يَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ في الأُمَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِسَلَامَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَخَاصَّةً ... المزيد

 23-08-2024
 
 439
15-08-2024 700 مشاهدة
922ـ خطبة الجمعة: أيها الراعي كن مضرب مثل في سلامة الصدر

سَلَامَةُ العَلَاقَةِ بَيْنَ كُلِّ رَاعٍ وَرَعِيَّتِهِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَاسُكِ وَالتَّآلُفِ وَالتَّحَابُبِ وَالتَّعَاوُنِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِحُسْنِ أَخْلَاقِ الرِّاعِي مَعَ رَعِيَّتِهِ، مَعَ سَلَامَةِ طَوِيَّتِهِ وَحُبِّهِ ... المزيد

 15-08-2024
 
 700

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5630
المقالات 3190
المكتبة الصوتية 4847
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 417374567
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :