778ـ خطبة الجمعة: السر في وضعنا المزري والمتردي

778ـ خطبة الجمعة: السر في وضعنا المزري والمتردي

778ـ خطبة الجمعة: السر في وضعنا المزري والمتردي

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ مَنَّ اللهُ تعالى عَلَى أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَهَا أُمَّةَ هِدَايَةٍ وَقِيَادَةٍ وَسِيَادَةٍ، وَاخْتَارَهَا لِأَشْرَفِ رِسَالَاتِهِ، وَاجْتَبَاها فَبَعَثَ فِيهَا أَفْضَلَ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهَا أَعْظَمَ كُتُبِهِ، وَوَعَدَهَا بِالنَّصْرِ إِنْ هِيَ نَصَرَتْ دِينَهُ، وَوَعَدَهَا بِالعِزَّةِ وَالكَرَامَةِ وَالتَّمْكِينِ في الأَرْضِ إِنْ هِيَ تَمَسَّكَتْ بِكِتَابِ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَدْيِ نَبِيِّهَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَقَدْ كَانَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ شَرَفُ قِيَادَةِ العَالَمِ قُرُونًا طَوِيلَةً مِنَ الزَّمَنِ، وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ انْتُزِعَتْ مِنْهَا هَذِهِ القِيَادَةُ، وَزَالَتْ وَذَلَّتْ دَوْلَتُهَا، وَتَدَاعَى عَلَيْهَا أَعْدَاؤُهَا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَتَتَابَعَتْ عَلَيْهَا المَصَائِبُ، وَتَلَاحَقَتْ عَلَيْهَا المِحَنُ وَالإِحَنُ، وَشَغَلَ هَذَا الوَاقِعُ المُزْرِي وَالوَضْعُ المُتَرَدِّي بَالَ الغَيُورِينَ مِنْ أَبْنَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَالمُتَطَلِّعِينَ لِمُسْتَقْبَلِهَا المُشْرِقِ؛ مَا الذي أَصَابَ هَذِهِ الأُمَّةَ فَذَلَّتْ وَهَانَتْ، وَمَا الأَسْبَابُ التي أَوْصَلَتْهَا إلى الحَضِيضِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ في العَلْيَاءِ؟

السِّرُّ في وَضْعِنَا المُزْرِي وَالمُتَرَدِّي:

يَا عِبَادَ اللهِ: السِّرُّ في وَضْعِنَا المُزْرِي وَالمُتَرَدِّي أَمْرٌ واحِدٌ لَا ثَانِيَ لَهُ، أَلَا وَهُوَ الوُقُوعُ في الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي، لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الجَدَلَ أَنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا سُنَنًا لَنْ تَتَغَيَّرَ وَلَنْ تَتَبَدَّلَ وَلَنْ تَتَحَوَّلَ.

فَالأُمَّةُ التي تَسِيرُ عَلَى شَرْعِ اللهِ تعالى وَنَهْجِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَصِلُ إلى مُبْتَغَاهَا، وَتَنَالُ مُنَاهَا، وَاللهُ تعالى يُسَدِّدُهَا وَيَرْعَاهَا، وَإِذَا تَرَكَتِ الأُمَّةُ أَمْرَ رَبِّهَا، وَخَالَفَتْ أَمْرَ نَبِيِّهَا، سَلَكَ اللهُ بِهَا طَرِيقَ العَنَاءِ وَالشَّقَاءِ حَتَّى تَرْجِعَ إلى دِينِهَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا أَهْوَنَ الخَلْقَ عَلَى اللهِ تعالى إِنْ هُمْ أَضَاعُوا أَمْرَهُ، وَجَاهَرُوا بِمَعْصِيَتِهِ، لِأَنَّ الجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، هَانَ عَلَى الخَلْقِ شَرْعُ اللهِ تعالى فَهَانُوا عَلَى اللهِ تعالى، وَهَلْ عُذِّبَتْ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا إِلَّا بِسَبَبِ ذُنُوبِهَا؟

قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾.

آثَارُ المَعَاصِي عَلَى الخَلْقِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: المَعَاصِي وَالذُّنُوبُ لَهَا أَثَرٌ بَالِغٌ عَلَى الأَبْدَانِ وَالقُلُوبِ، وَشُؤْمٌ وَاضِحٌ في حَيَاةِ الأُمَّةِ، تَسَاءَلُوا يَا عِبَادَ اللهِ مَعَ أَنْفُسِكُمْ:

مَا الذي أَخْرَجَ سَيِّدَنَا آدَمَ مِنَ الجَنَّةِ؟ إِلَّا المَعْصِيَةُ؛ وَالحَمْدُ للهِ تَابَ إلى اللهِ مِنْهَا.

مَا الذي أَخْرَجَ إِبْلِيسَ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَطَرَدَهُ اللهُ تعالى وَلَعَنَهُ، وَفَضَحَ اللهُ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ، وَبَدَّلَهُ بِالقُرْبِ بُعْدًا، وَبِالرَّحْمَةِ لَعْنَةً، وَبِالجَمَالِ قُبْحًا، وَبِالجَنَّةِ نَارًا؟ إِلَّا المَعْصِيَةُ وَإِصْرَارُهُ عَلَيْهَا.

مَا الذي أَغْرَقَ أَهْلَ الأَرْضِ جَمِيعًا، حَيْثُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، وَفُجِّرَتِ الأَرْضُ عُيُونًا فَالْتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ؟ إِلَّا المَعْصِيَةُ وَإِصْرَارُهُمْ عَلَيْهَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَمَا تَقْرَؤُونَ وَتَسْمَعُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾؟

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا الذي أَخْرَجَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ﴿مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾. إِلَّا المَعَاصِي وَالإِصْرَارُ عَلَيْهَا؛ فَكَانَ الغَرَقُ عَاقِبَتَهُمْ في الدُّنْيَا وَالنَّارُ مَثْوَاهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: احْذَرُوا المَعَاصِيَ وَالمُخَالَفَاتِ التي دَمَّرَتِ العِبَادَ وَالبِلَادَ، وَصَدَقَ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا   ***   فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ

وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرٍ الإِلَهِ   ***   فَـإِنَّ الإِلَهَ سَرِيــعُ النِّقَمِ

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 26/ محرم /1443هـ، الموافق: 3/أيلول / 2021م

 2021-09-03
 3153
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

01-06-2023 256 مشاهدة
872ـ خطبة الجمعة: سلامة الصدر مطلب شرعي

أَقُولُ لِنَفْسِي، وَلِكُلِّ مَنْ أَرَادَ حُسْنَ الخَاتِمَةِ: يَا مُرِيدَ حُسْنِ الخَاتِمَةِ، كُنْ حَرِيصًا عَلَى سَلَامَةِ صَدْرِكَ وَطَهَارَةِ قَلْبِكَ مِنَ الغِلِّ وَالحِقْدِ وَالحَسَدِ وَالبَغْضَاءِ، وَتَذَكَّرْ صِفَةَ الرِّجَالِ الأَطْهَارِ ... المزيد

 01-06-2023
 
 256
25-05-2023 757 مشاهدة
871ـ خطبة الجمعة: صفاء السريرة سبب لحسن الخاتمة

حُسْنُ الخَاتِمَةِ أَقْصَى مَا يَتَمَنَّاهُ العَبْدُ المُؤْمِنُ، لِأَنَّ الأُمُورَ بِخَوَاتِيمِهَا، فَمَنْ أُكْرِمَ بِحُسْنِ الخَاتِمَةِ لَا يَضُرُّهُ مَا فَاتَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَنْ حُرِمَ حُسْنَ الخَاتِمَةِ لَنْ يَنْفَعَهُ شَيْءٌ وَلَو ... المزيد

 25-05-2023
 
 757
18-05-2023 1064 مشاهدة
870ـ خطبة الجمعة: حسن السيرة سبب لحسن الخاتمة

مَنْ مِنَّا لَا يَتَمَنَّى حُسْنَ الخَاتِمَةِ؟ وَكُلُّنَا يَعْلَمُ أَنَّ الأُمُورَ بِخَوَاتِيمِهَا، يَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ ... المزيد

 18-05-2023
 
 1064
11-05-2023 1591 مشاهدة
869ـ خطبة الجمعة: لنا موعد لن نخلفه أبدًا

هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا مَهْمَا طَالَتْ فَهِيَ قَصِيرَةٌ، وَأَنَّ لَنَا مَوْعِدًا لَنْ نُخْلَفَهُ أَبَدًا؟ أَلَمْ يَخْطُرْ في بَالِنَا يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ أَنْ نَذْهَبَ في زِيَارَةٍ قَصِيرَةٍ إلى تِلْكَ الدُّورِ التي ... المزيد

 11-05-2023
 
 1591
04-05-2023 1790 مشاهدة
868ـ خطبة الجمعة: أسباب حسن الخاتمة وعلاماتها

إِنَّ شَرَّ مَا بُلِيَتْ بِهِ النُّفُوسُ الغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. وَبِسَبَبِ الغَفْلَةِ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فَرَّطَ ... المزيد

 04-05-2023
 
 1790
28-04-2023 2081 مشاهدة
867ـ خطبة الجمعة: يا عبد الله لا تكن من الغافلين

الحَيَاةُ الدُّنْيَا دَارُ لَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَدَارُ اخْتِبَارٍ وَابْتِلَاءٍ، وَدَارُ مَمَرٍّ لَا مَقَرٍّ، وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ ... المزيد

 28-04-2023
 
 2081

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5593
المقالات 3079
المكتبة الصوتية 4569
الكتب والمؤلفات 19
الزوار 410615458
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :