24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: من لا يَغتَنِمُ وَقتَهُ ويَومَهُ بالخَيرِ، ويَقُولُ: غَدَاً أو بَعدَ غَدٍ سَأَفعَلُ وأغتَنِمُ فَهُوَ خَاسِرٌ، لأنَّهُ لِكُلِّ وَقتٍ عَمَلٌ جَدِيدٌ، ورَحِمَ اللهُ تعالى الإمامَ الشَّافِعِيَّ إذْ يَقُولُ: الوَقتُ كالسَّيفِ إن لم تَقطَعْهُ قَطَعَكَ، ونَفسُكَ إن لم تَشْغَلْهَا بالخَيرِ شَغَلَتْكَ بالشَّرِّ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: من جُملَةِ الزَّمَنِ اللَّيلُ، حَيثُ جَعَلَهُ اللهُ تعالى مَحَلَّاً لِمُضَاعَفَةِ الجَزَاءِ، واستِجَابَةِ الدُّعَاءِ، إذا خَمَدَتِ الأصوَاتُ، ونَامَتِ العُيُونُ، قَامَ المُحِبُّونَ لِيَلتَقُوا مَعَ رَبِّهِم في سَاعَةٍ لا يُوَافِقُها مُسلِمٌ يَسأَلُ اللهَ تعالى خَيراً إلا أَعطَاهُ إيَّاهُ.

أقوَامٌ عَاشُوا عَيشَ السُّعَدَاءِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: النَّاسُ يَبحَثُونَ عن السَّعَادَةِ، وأَوَّلُ من يَفقِدُ السَّعَادَةَ هوَ من التَمَسَهَا في مَعصِيَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فَأَصحَابُ المَعَاصِي في الحَقِيقَةِ لَيسُوا سُعَدَاءَ، وإنْ أظهَرُوا الفَرَحَ والسُّرُورَ والانشِرَاحَ، واللهِ لو شَاهَدتَ قُلُوبَهُم واطَّلَعتَ عَلَيهِا لَرَأَيتَها كَمَرَاجِلِ النِّيرَانِ، لا تَخبُو في وَقتٍ من الأوقَاتِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: السُّعَدَاءُ حَقَّاً من أَذَاقَهُمُ اللهُ تعالى طَعمَ مَحَبَّتِهِ، ونَعَّمَهُم بِلَذِيذِ مُنَاجَاتِهِ، وطَهَّرَ سَرَائِرَهُم بِحُسنِ مُرَاقَبَتِهِ، هؤلاءِ السُّعَدَاءُ إذا ضَاقَ صَدْرُ أَحَدِهِم بِمُصِيبَةٍ من المَصَائِبِ، أو كَانَت لَهُ حَاجَةٌ من الحَاجَاتِ، بَسَطَ يَدَهُ في ظُلمَةِ اللَّيلِ سَائِلاً مَولاهُ، وسَجَدَ بَينَ يَدَيِ اللهِ عزَّ جلَّ، وَأَنزَلَ حَوَائِجَهُ في بَابِ مَولاهُ، وأَحسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ عزَّ وجلَّ، وأَيقَنَ بأَنَّ رَبَّنَا عزَّ وجلَّ لا تَختَلِطُ عَلَيهِ الأصوَاتُ، ولا يَتَبَرَّمُ من دُعَاءِ الدَّاعِينَ، ولا من إلحَاحِ المُلِحِّينَ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: السُّعَدَاءُ حَقَّاً من انطَبَقَ عَلَيهِم قَولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

قِيَامُ اللَّيلِ شِعَارُ الصَّالِحِينَ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: قِيَامُ اللَّيلِ شِعَارُ الصَّالِحِينَ، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾. ويَقُولُ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾.

روى الحاكم عن سَهلِ بنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: جَاءَ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقالَ: يا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وأَحبِبْ مَن أَحبَبْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، واعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجزِيٌّ بِهِ.

ثمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، شَرَفُ المُؤمِنِ قِيَامُ اللَّيلِ، وعِزُّهُ استِغنَاؤُهُ عن النَّاسِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: البَابُ مَفتُوحٌ في كُلِّ لَيلَةٍ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ، ولِحَطِّ الخَطِيئَاتِ، فما بَالُنَا نُقَصِّرُ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الزَّمَنُ لا يَتَوَقَّفُ ولا يَنتَظِرُ أَحَداً، فَإمَّا أن يُغتَنَمَ هذا الزَّمَنُ، وخَاصَّةً وَقتُ اللَّيلِ في الطَّاعَاتِ، وإمَّا أن يَضِيْعَ بِالمَعَاصِي والمُنكَرَاتِ، والسَّعِيدُ من وَفَّقَهُ اللهُ تعالى لما يُرضِيهِ عَنهُ.

أَسأَلُ اللهَ تعالى أن يُوَفِّقَنَا لاغتِنَامِ أنفَاسِ أعمَارِنَا في طَاعَتِهِ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 26/ رمضان /1443هـ، الموافق: 27/نيسان / 2022م

 2022-04-29
 807
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 104 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 104
26-05-2022 579 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 579
26-05-2022 409 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 409
29-04-2022 337 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 337
29-04-2022 684 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 684
26-04-2022 387 مشاهدة
23ـ غزوة بدر، وجندي البركة (2)

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ قِصَّةَ قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ فِرْعَوْنِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَقَائِدِ المُشْرِكِينَ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ أَبْرَزِ فُرْسَانِ المُشْرِكِينَ، وَأَكْثَرُ المُشْرِكِينَ جُرْأَةً عَلَى المُسْلِمِينَ وَأَمْنَعُهُمْ، ... المزيد

 26-04-2022
 
 387

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3152
المكتبة الصوتية 4740
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411764980
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :