13ـ معجزة نبع الماء من بين أصابعه الشريفة

13ـ معجزة نبع الماء من بين أصابعه الشريفة

13ـ معجزة نبع الماء من بين أصابعه الشريفة

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَكْرَمَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مُعْجِزَةُ نَبْعِ المَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ (إِنَاءٍ وَاسِعِ الفَمِ قَرِيبِ القَعْرِ) فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ.

قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى المَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ.

قَالَ أَنَسٌ: فَحَزَرْتُ (قَدَّرْتُ) مَنْ تَوَضَّأَ، مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ.

لَا تَقُلْ: كَيْفَ نَبَعَ المَاءُ مِنْ كَفِّهِ الشَّرِيفَةِ؟ مَا دَامَ الفَاعِلُ هُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَحَدِّثْ وَلَا حَرَجَ، فَاللهُ تعالى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التُّقَى وَالصَّلَاحِ وَالمَعْرِفَةِ: خَيْرُ مَاءٍ عَلَى الإِطْلَاقِ هُوَ المَاءُ الذي نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ لَهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ، وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ (اسْمُ مَوْضِعٍ في سُوقِ المَدِينَةِ تِلْكَ الأَيَّامِ) فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ القَوْمُ.

قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟

قَالَ: ثَلَاثَ مِائَةٍ، أَوْ زُهَاءَ (مِقْدَارَ) ثَلَاثِ مِائَةٍ.

وَفي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ لَهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلَاةُ العَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ.

فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا مِنْهُ.

قَالَ: فَرَأَيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.

هَنِيئًا لِسَادَاتِنَا أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الطَّاهِرِينَ الذينَ زَادَهُمُ اللهُ تعالى طَهَارَةً بِمَاءٍ نَبَعَ مِنْ أَصَابِعِ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

وَفي رِوَايَةٍ رَابِعَةٍ لَهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَخَارِجِهِ، وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً يَتَوَضَّؤُونَ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَدَّ أَصَابِعَهُ الأَرْبَعَ عَلَى القَدَحِ ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا فَتَوَضَّؤُوا» فَتَوَضَّأَ القَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الوَضُوءِ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَهُ.

وَفي رِوَايَةٍ خَامِسَةٍ لَهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ المَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ، وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ (إِنَاءٌ تُغْسَلُ فِيهِ الثِّيَابُ) مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ كَفَّهُ، فَصَغُرَ المِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ (لَمْ يَتَّسِعْ لِبَسْطِ كَفِّهِ فِيهِ لِصِغَرِهِ) فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي المِخْضَبِ فَتَوَضَّأَ القَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا.

قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟

قَالَ: ثَمَانُونَ رَجُلًا.

وَفي رِوَايَةٍ سَادِسَةٍ لَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ، فَجَهِشَ (أَسْرَعَ) النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ؟».

قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ.

فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرِّكْوَةِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَثُورُ (يَفُورُ) بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا.

قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟

قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.

نَعَمْ، هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي، تَأْوِي إِلَيْهِ رَعِيَّتُهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، وَيُقَدِّمُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، هَكَذَا شَأْنُ الرَّاعِي الذي سَيُسْأَلُ عَنْ رَعِيَّتِهِ يَوْمَ القِيَامَة، حَافَظَ أَمْ ضَيَّعَ، يُقَدِّمُ لَهُمُ الخَيْرَ وَيَبْذُلُهُ لَهُمْ، فَدَائِمًا خَيْرُ السَّيِّدِ يَرْجِعُ عَلَى المَسُودِ، لَا العَكْسُ.

كُلُّ سَيِّدٍ فَاضِلٍ كَرِيمٍ يَكُونُ هَكَذَا حَالُهُ، يَرْعَى مَسُودَهُ وَيَقُومُ بِشُؤؤُونِهِ، نَحْنُ نَعْتَقِدُ الاعْتِقَادَ الجَازِمَ أَنَّ السَّيِّدَ المُطْلَقَ هُوَ اللهُ تعالى، وَاللهُ تعالى هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ، القَائِمُ عَلَى شُؤُونِ خَلْقِهِ.

هَكَذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ النَاسُ في شَدَائِدِهِمْ لِيَجِدُوا الرَّاحَةَ وَالسَّعَادَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ مِنْ مَقَامِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَفي رِوَايَةٍ سَابِعَةٍ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ (التي هِيَ خَوَارِقُ العَادَاتِ) بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَلَّ المَاءُ.

فَقَالَ: «اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ».

فَجَاؤُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ: «حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ المُبَارَكِ (الذي أَمَدَّهُ اللهُ بِبَرَكَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) وَالبَرَكَةُ مِنَ اللهِ».

فَلَقَدْ رَأَيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ (أَيْ: في حَالَةِ الأَكْلِ في عَهْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَالِبًا).

هَذِهِ الأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ مَا هِيَ إِلَّا مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ المُعْجِزَةُ مُعْجِزَةُ نَبْعِ المَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَسَّدَتْ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.

وَجَسَّدَتْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رَوَاهُ الإِمَامُ الحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَمِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ نَتَعَلَّمُ كَيْفَ يَكُونُ التَّبَرُّؤُ مِنَ الحَولِ وَالقُوَّةِ، وَأَنْ تُنْسَبَ الأُمُورُ كُلُّهَا للهِ تعالى، فَعِنْدَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ المُبَارَكِ» مَا نَسَبَ البَرَكَةَ إلى ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ إل مَصْدَرِهَا الحَقِّ، فَقَالَ: «وَالبَرَكَةُ مِنَ اللهِ».

فَاللهُ تعالى مَصْدَرُ البَرَكَةِ، وَمَصْدَرُ النِّعَمِ كُلِّهَا ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾.

رُوحِي الفِدَاءُ لِسَيِّدِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي مَا كَانَ يَشْهَدُ ذَاتَهُ، بَلْ يَشْهَدُ اللهَ تعالى في سَائِرِ شُؤُونِهِ وَأَحْوَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا فِي الْقَوْمِ طَهُورٌ؟».

قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ بِفَضْلِ مَاءٍ فِي إِدَاوَةٍ (إِنَاءٍ صَغِيرٍ مِنْ جِلْدٍ).

قَالَ: فَصَبَّهُ فِي قَدَحٍ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ أَتَوْا بَقِيَّةَ الطَّهُورِ.

فَقَالَ: تَمَسَّحُوا بِهِ، فَسَمِعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «عَلَى رِسْلِكُمْ» (تَأَنُّوا وَابْقُوا عَلَى هَيْئَتِكُمْ).

فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: «أَسْبِغُوا الطُّهُورَ» (الطُّهُورُ بِالضَّمِّ التَّطَهُّرُ، وَبِالفَتْحِ المَاءُ الذي يُتَطَهَّرُ بِهِ).

فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَالَّذِي أَذْهَبَ بَصَرِي ـ قَالَ وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ ـ لَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَهُ حَتَّى تَوَضَّؤُوا أَجْمَعُونَ.

قَالَ عَبِيدَةُ: قَالَ الْأَسْوَدُ: حَسِبْتُهُ قَالَ: كُنَّا مِائَتَيْنِ أَوْ زِيَادَةً.

مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ نَتَعَلَّمُ أَنَّ الذي يُحِبُّهُ اللهُ تعالى لَا يُضَامُ، وَهُوَ مُسَدَّدٌ مِنْ قِبَلِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَيَتَجَلَّى فِيهِ قَوْلُ اللهِ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَكَذَلِكَ نَتَعَلَّمُ أَنَّ الوَاجِبَ عَلَى كُلِّ رَاعٍ أَنْ يُرَاقِبَ رَعِيَّتَهُ، وَأَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى رَاحَتِهِمْ وَسَلَامَتِهِمْ، ثِقَةً مِنْهُ بِاللهِ تعالى، عِنْدَمَا قَالَ الرَّجُلُ: تَمَسَّحُوا بِهِ؛ أَيْ: بِالمَاءِ، جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَقُولَ للقَوْمِ: «أَسْبِغُوا الطُّهُورَ» ثِقَةً بِمَا عِنْدَ اللهِ تعالى، وَاعْتِمَادًا عَلَيْهِ وَتَوَكُّلًا.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «مَا مِنْ مَاءٍ، مَا مِنْ مَاءٍ؟».

قَالُوا: لَا.

قَالَ: «هَلْ مِنْ شَنٍّ؟» (إِنَاءٍ مِنْ جِلْدٍ).

فَجَاؤُوا بِالشَّنِّ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَنَبَعَ الْمَاءُ مِثْلَ عَصَا مُوسَى مِنْ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: «يَا بِلَالُ، اهْتِفِ بِالنَّاسِ الْوُضُوءَ».

فَأَقْبَلُوا يَتَوَضَّؤُونَ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ هِمَّةُ ابْنِ مَسْعُودٍ الشُّرْبَ، فَلَمَّا تَوَضَّؤُوا صَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ ثُمَّ قَعَدَ لِلنَّاسِ.

فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَعْجَبُ الْخَلْقِ إِيمَانًا؟».

قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ.

قَالَ: «وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُ الْمَلَائِكَةُ وَهُمْ يُعَايِنُونَ الْأَمْرَ؟».

قَالُوا: فَالنَّبِيُّونَ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «وكَيْفَ لَا يُؤْمِنُ النَّبِيُّونَ، وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ».

قَالُوا: فَأَصْحَابُكَ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُ أَصْحَابِي وَهُمْ يَرَوْنَ مَا يَرَوْنَ؟ وَلَكِنَّ أَعْجَبَ النَّاسِ إِيمَانًا، قَوْمٌ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدِي، يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي، وَيُصَدِّقُونِي وَلَمْ يَرَوْنِي، أُولَئِكَ إِخْوَانِي».

وَجَاءَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَمَنْبَعِ الفَوَائِدِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِاخْتِصَارٍ، وَالْبَزَّارُ بِاخْتِصَارٍ وَأَحْمَدُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَانْفَجَرَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ عُيُونٌ.

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَنَبَّهَ إلى طَبِيعَةِ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، نَحْنُ خُلِقْنَا فِيهَا للعِبَادَةِ، في العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَرَّمَ العَبْدُ في الشَّدَائِدِ، فَهَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الكِرَامُ يَفْقِدُونَ المَاءَ الذي قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾. فَمَا اسْوَدَّتِ الدُّنْيَا في وُجُوهِهِمْ ـ مَعَاذَ اللهِ تعالى ـ

بَلْ عِنْدَمَا وَجَدُوا المَاءَ اسْتَقْبَلُوهُ أَوَّلَ مَا اسْتَقْبَلُوهُ بِالتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى بِعِبَادَةِ الصَّلَاةِ، وَبَعْدَ الانْتِهَاءِ مِنَ الصَّلَاةِ جَلَسَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ مُحَدِّثًا وَمُؤَانِسًا، لِيَقُولَ لَهُمْ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَعْجَبُ الْخَلْقِ إِيمَانًا؟».

كَمْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا فَكُنَّا مِمَّنْ انْدَرَجَ تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنَّ أَعْجَبَ النَّاسِ إِيمَانًا، قَوْمٌ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدِي، يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي، وَيُصَدِّقُونِي وَلَمْ يَرَوْنِي، أُولَئِكَ إِخْوَانِي».

كَمْ هُوَ شَرَفٌ عَظِيمٌ أَنْ نَنَالَ هَذَا الفَخْرَ.

فَلْنُحَافِظْ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ، وَذَلِكَ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، رَوَى أَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسِنُوا جِوَارَ نِعَمِ اللهِ، لَا تُنَفِّرُوهَا، فَقَلَّمَا زَالَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ».

المُعْجِزَةُ وَالخَارِقَةُ هِيَ في الحَقِيقَةِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَفِيهَا لَفْتُ نَظَرٍ للإِنْسَانِ المُؤْمِنِ أَنَّ اللهَ تعالى يَأْتِي بِالفَرَجِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ العَبْدُ، وَيَأْتِيهِ بِالرِّزْقِ مِنْ حَيْثُ لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ، وَكُلُّ هَذَا حَتَّى لَا يَيْأَسَ العَبْدُ مَا دَامَ مَعَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَرَوَى أَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَهَّزَ جَيْشًا إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، أَمَّرَهُمَا وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ، قَالَ لَهُمْ: «أَجِدُّوا السَّيْرَ؛ فَإِنَّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مَاءً، إِنْ سَبَقَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ شَقَّ عَلَى النَّاسِ وَغُلِبْتُمْ عَطَشًا شَدِيدًا أَنْتُمْ وَدَوَابُّكُمْ وَرِكَابُكُمْ».

وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانِيَةٍ هُوَ تَاسِعُهُمْ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ لَكُمْ أَنْ نُعَرِّسَ قَلِيلًا، ثُمَّ نَلْحَقَ بِالنَّاسِ؟».

قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ.

فَعَرَّسُوا، فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَيْقَظَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ لَهُمْ: «قُومُوا وَاقْضُوا حَاجَتَكُمْ» فَفَعَلُوا، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ؟».

قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَيْضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ (المَيْضَأَةُ: هِيَ الإِنَاءُ الذي يُتَوَضَّأُ بِهِ).

قَالَ: «جِئْ بِهَا».

فَجَاءَ بِهَا، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَهَا بِكَفَّيْهِ وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ.

ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «تَعَالَوْا فَتَوَضَّؤُوا».

فَجَاؤُوا فَجَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَضَّؤُوا، وَأَذَّنَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَأَقَامَ، قَالَ: فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لِصَاحِبِ الْمَيْضَأَةِ: «ازْدَهِرْ بِمَيْضَأَتِكَ، فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ» (مَعْنَى ازْدَهِرْ: احْتَفِظْ بِهَا، وَاجْعَلْهَا في بَالِكَ).

فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَبْلَ النَّاسِ.

فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «مَا تَرَوْنَ النَّاسَ فَعَلُوا؟».

قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ فِيهِمْ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَسَيُرْشِدَانِ النَّاسَ».

فَقَدِمَ النَّاسُ وَقَدْ سَبَقَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، فَشَقَّ عَلَى النَّاسِ، وَعَطِشُوا عَطَشًا شَدِيدًا وَرِكَابُهُمْ وَدَوَابُّهُمْ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ صَاحِبُ الْمَيْضَأَةِ؟».

قَالَ: هَا هُوَ ذَا يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «جِئْ بِمَيْضَأَتِكَ».

فَجَاءَ بِهَا وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ.

فَقَالَ لَهُمْ كُلِّهِمْ: «تَعَالَوْا فَاشْرَبُوا».

فَجَعَلَ يَصُبُّ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى شَرِبُوا كُلُّهُمْ، وَسَقَوْا دَوَابَّهُمْ وَرِكَابَهُمْ، وَمَلَؤُوا كُلَّ إِدَاوَةٍ وَقِرْبَةٍ وَمَزَادَةٍ، ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَبَعَثَ اللهُ رِيحًا فَضَرَبَتْ وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَصْرَهُ، وَأَمْكَنَ مِنْ أَدْبَارِهِمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَأَسَرُوا أُسَارَى كَثِيرَةً، وَاسْتَاقُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، وَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ وَافِرِينَ صَالِحِينَ.

مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ نَتَعَلَّمُ وُجُوبَ الدُّعَاءَ للهِ تعالى، وَخَاصَّةً في الشَّدَائِدِ، فَهَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِالبَرَكَةِ في هَذَا المَاءِ، فَبَارَكَ اللهُ تعالى في المَاءِ، وَجَعَلَ مِنَ القَلِيلِ كَثِيرًا، بَعْدَ أَنْ مَسَحَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ الإِنَاءَ.

قَدْ يَقُولُ أَحَدُنَا: تِلْكَ يَدُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَيْنَ أَيْدِينَا مِنْ يَدِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

أَقُولُ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لِنَتَذَكَّرِ الحَدِيثَ القُدْسِيَّ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ اللهَ قَالَ: ... وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»

فَلْنُكْثِرْ مِنَ النَّوَافِلِ وَالتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى في الشَّدَائِدِ، وَبَعْدَهَا لِنَنْظُرْ إلى عَطَاءِ اللهِ تعالى كَيْفَ يَكُونُ.

وَلْنَنْظُرْ إلى خُلُقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ خِلَالِ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: فَجَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَضَّؤُوا.

فَجَعَلَ يَصُبُّ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى شَرِبُوا كُلُّهُمْ، وَسَقَوْا دَوَابَّهُمْ وَرِكَابَهُمْ، وَمَلَؤُوا كُلَّ إِدَاوَةٍ وَقِرْبَةٍ وَمَزَادَةٍ.

قَامَ بِصَبِّ المَاءِ لِأَصْحَابِهِ حَتَّى تَوَضَّؤُوا، وَشَرِبُوا، وَسَقَوا دَوَابَّهُمْ.

عَلَى الوَاحِدِ مِنَّا أَنْ لَا يَكُونَ دَائِمًا وَأبَدًا مَخْدُومًا، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ خَادِمًا، وَخَاصَّةً في بَيْتِهِ، فَلَا تَكُنْ يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ دَائِمًا وَأَبَدًا أَنْتَ المَخْدُومَ في بَيْتِكَ، كُنْ أَحْيَانًا خَادِمًا؛ فَهَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا يَكُونُ في بَيْتِهِ الشَّرِيفِ، كَانَ يَخْدِمُ نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟

قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ للإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟

قَالَتْ: كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ.

وَمَنْ كَانَ مَعَ اللهِ تعالى كَفَاهُ اللهُ وَوَقَاهُ، وَمَا بَعْدَ الشَّدَائِدِ إِلَّا الفَرَجُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَرِّجَ عَنِ الأُمَّةِ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُ.

وَعَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَتَيَقَّنَ أَنَّ كَيْدَ الكَائِدِينَ مَهْمَا عَظُمَ لَا يَضُرُّهَا، إِنْ صَبَرَتْ وَاتَّقَتْ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾. أَيُّ مَكْرٍ لَا يَضُرُّ الأُمَّةَ، أَيُّ مَكْرٍ كَانَ، وَمَهْمَا عَظُمَ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾.

وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً، وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ المُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ، ثُمَّ فُلَانٌ، ثُمَّ فُلَانٌ ـ يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ، فَـنَسِيَ عَوْفٌ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ الرَّابِعُ ـ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ بِصَوْتِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ، قَالَ: «لَا ضَيْرَ ـ أَوْ لَا يَضِيرُ ـ ارْتَحِلُوا» فَارْتَحَلَ، فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ، وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ القَوْمِ، قَالَ: «مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ؟».

قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ.

قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ».

ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ العَطَشِ، فَنَزَلَ فَدَعَا فُلَانًا ـ كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ ـ وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ: «اذْهَبَا، فَابْتَغِيَا المَاءَ».

فَانْطَلَقَا، فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ ـ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ ـ (مُثَنَّى مَزَادَةٍ، وَهِيَ القُرْبَةُ الكَبِيرَةُ) مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالَا لَهَا: أَيْنَ المَاءُ؟

قَالَتْ: عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ وَنَفَرُنَا خُلُوفٌ (مُتَخَلِّفُونَ لِطَلَبِ المَاءِ).

قَالَا لَهَا: انْطَلِقِي إِذًا.

قَالَتْ: إِلَى أَيْنَ؟

قَالَا: إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَتْ: الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ.

قَالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، فَانْطَلِقِي، فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحَدَّثَاهُ الحَدِيثَ.

قَالَ: فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا، وَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ المَزَادَتَيْنِ ـ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ ـ وَأَوْكَأَ (رَبَطَ) أَفْوَاهَهُمَا وَأَطْلَقَ العَزَالِيَ (جَمْعُ عَزْلَاءَ، وَهِيَ فَمُ المَزَادَةِ الأَسْفَلُ الذي يَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ بِكَثْرَةٍ) وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا، فَسَقَى مَنْ شَاءَ وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ وَكَانَ آخِرُ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ، قَالَ: «اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ»، وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا (كَفَّ عَنْهَا) وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلْأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا (مَا بَقِيَ فِيهَا مِنَ المَاءِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ أَوَّلًا).

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اجْمَعُوا لَهَا» فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا.

قَالَ لَهَا: «تَعْلَمِينَ، مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا».

فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ.

قَالُوا: مَا حَبَسَكِ يَا فُلَانَةُ؟

قَالَتْ: العَجَبُ! لَقِيَنِي رَجُلَانِ، فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ، وَقَالَتْ: بِإِصْبَعَيْهَا الوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ ـ تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأَرْضَ ـ أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ حَقًّا.

إِنَّ الحَدِيثَ عَنْ خَوَارِقِ العَادَاتِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ زِيَادَةِ الإِيمَانِ، وَسَبَبٌ للتَّوَكُّلِ وَالاعْتِمَادِ عَلَى اللهِ تعالى، وَسَبَبٌ عَظِيمٌ في طَرْدِ اليَأْسِ وَالقُنُوطِ.

وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ اللهَ تعالى يَخْرِقُ العَادَاتِ وَنَوَامِيسَ الكَوْنِ مَتَى شَاءَ، وَلَيْسَ في الوَقْتِ الذي يُرِيدُهُ العَبْدُ، فَهَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سَفَرِهِ هَذَا المُبَارَكِ، عَلَّمَنَا الأَخْذَ بِالأَسْبَابِ، فَأَرْسَلَ سَيِّدَنَا عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَمَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ للبَحْثِ عَنِ المَاءِ، فَالأَخْذُ بِالأَسْبَابِ حَتْمٌ لَازِمٌ، وَلَكِنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، فَيَأْخُذُ العَبْدُ بِالأَسْبَابِ، ثُمَّ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ تعالى.

وَنَتَعَلَّمُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الأَدَبَ في تَعَامُلِنَا مَعَ الآخَرِينَ، وَخَاصَّةً عِنْدَ إِنْكَارِ المُنْكِرِ، عِنْدَمَا رَأَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا اعْتِزَلَ القَوْمَ وَلَمْ يُصَلِّ مَعَهُمْ، لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، حَتَّى سَمِعَ مِنْهُ سَبَبَ تَرْكِهِ للصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ؟».

قَبْلَ أَنْ تَحْكُمَ عَلَى إِنْسَانٍ سَلْهُ، لِمَاذَا هَذِهِ المُخَالَفَةُ؟ لِمَاذَا قَصَّرَ في أَدَاءَ فَرِيضَةٍ؟ لَعَلَّهُ يَكُونُ لَهُ تَبْرِيرٌ، وَلَعَلَّهُ بِحَاجَةٍ إلى تَعْلِيمٍ.

عِنْدَمَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ أَنَّ جَنَابَةً أَصَابَتْهُ، عَلَّمَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ التَّيَمُّمَ في مِثْلِ هَذَا الحَالِ يُجْزِئُ لِمَنْ فَقَدَ المَاءَ.

وَنَتَعَلَّمُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ خُلُقًا سَامِيًا رَاقِيًا مِنْ أَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَمَا تَعَامَلَ مَعَ تِلْكَ المَرْأَةِ التي قَالَتْ مَا قَالَتْ، بِالإِحْسَانِ إِلَيْهَا، مَعَ أَنَّهُ مَا نَقَصَ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ، قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اجْمَعُوا لَهَا» مِنَ الطَّعَامِ، فَجَمَعُوا لَهَا مَا قَدَّرَ اللهُ تعالى وَشَاءَ، وَدَفَعَهُ إِلَيْهَا؛ وَهَذَا مِنْ كَمَالَ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

الحَدِيثُ عَنِ المُعْجِزَاتِ يَجْعَلُنَا في حَالَةِ أَمْنٍ وَأَمَانٍ وَاطْمِئْنَانٍ إِذَا ادْلَهَمَّتِ الخُطُوبُ وَالشَّدَائِدُ وَالمِحَنُ، وَيَجْعَلُنَا عَلَى يَقِينٍ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾.

وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ، وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إِنْ شَاءَ اللهُ غَدًا».

فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ.

قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ (أَيْ: انْتَصَفَ) وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ، قَالَ: فَنَعَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ (أَيْ: أَقَمْتُ مَيْلَهُ مِنَ النَّوْمِ وَصِرْتُ تَحْتَهُ كَالدِّعَامَةِ للبِنَاءِ فَوْقَهَا) مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيْلُ (أَيْ: ذَهَبَ أَكْثَرُهُ) مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، قَالَ: فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ، مَالَ مَيْلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنَ الْمَيْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ (أَيْ: يَسْقُطُ) فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟».

قُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ.

قَالَ: «مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّي؟».

قُلْتُ: مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ.

قَالَ: «حَفِظَكَ اللهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ».

ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ؟» أَيْ: نَخْفَى عَلَى بَقِيَّةِ الرَّكْبِ.

ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟».

قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، ثُمَّ قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ آخَرُ، حَتَّى اجْتَمَعْنَا فَكُنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ؛ قَالَ: فَمَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: «احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا».

فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ.

قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ.

ثُمَّ قَالَ: «ارْكَبُوا».

فَرَكِبْنَا، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ، قَالَ: وَبَقِيَ فِيهَا شَيْءٌ مَنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: «احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَكَ، فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ».

ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا؟

ثُمَّ قَالَ: «أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ». ثُمَّ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِيَّ النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةَ الْأُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا». ثُمَّ قَالَ: «مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا؟». قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «أَصْبَحَ النَّاسُ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ».

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَكُمْ، لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ، وَقَالَ النَّاسُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، فَإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَرْشُدُوا، قَالَ: فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ، وَحَمِيَ كُلُّ شَيْءٍ، وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكْنَا، عَطِشْنَا، فَقَالَ: «لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ» ثُمَّ قَالَ: «أَطْلِقُوا لِي غُمَرِي» قَالَ: وَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ، وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ، فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِي الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسِنُوا الْمَلَأَ كُلُّكُمْ سَيَرْوَى». يَعْنِي: أَحْسِنُوا أَخْلَاقَكُمْ.

قَالَ: فَفَعَلُوا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ حَتَّى مَا بَقِيَ غَيْرِي، وَغَيْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: «اشْرَبْ».

فَقُلْتُ: لَا أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا».

قَالَ: فَشَرِبْتُ، وَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ جَامِّينَ (فِيهِمُ النَّشَاطُ وَالقُوَّةُ وَصَلَاحُ الأَحْوَالِ) رِوَاءً.

وَقَدْ تَحَقَّقَ وَعْدُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا قَالَ لَهُمْ في أَوَّلِ الحَدِيثِ: «وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إِنْ شَاءَ اللهُ غَدًا».

نَتَعَلَّمُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الأَخْذَ بِالأَسْبَابِ، ثُمَّ رَبْطَهَا بِالمَشِيئَةِ، وَأَنْ نَتَحَقَّقَ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾.

كَمَا نَتَعَلَّمُ كَيْفَ يَكُونُ الإِحْسَانُ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا، فَهَذَا سَيِّدُنَا أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، كَانَ في خِدْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في المَسِيرِ، وَكَانَ يَدْعَمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ نَوْمِهِ، فَكَافَأَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «حَفِظَكَ اللهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ».

كَمَا نَتَعَلَّمُ وُجُوبَ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ عِنْدَ النَّوْمِ مِنْ أَجْلِ الاسْتِيْقَاظِ إلى الصَّلَاةِ في وَقْتِهَا، وَخَاصَّةً صَلَاةَ الفَجْرِ، فَمَنْ أَخَذَ بِالأَسْبَابِ عَلَى أَتَمِّهَا وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ فَهُوَ مَعْذُورٌ، لِأَنَّهُ أَدَّى الذي عَلَيْهِ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾.

وَإِذَا فَاتَتِ الصَّلَاةُ عَنْ وَقْتِهَا وَجَبَ قَضَاؤُهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِفِعْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هَذَا المَسِيرِ، حَيْثُ صَلَّى سُنَّةَ الفَجْرِ، وَالفَرِيضَةَ جَمَاعَةً، وَتَابَعَ أَذْكَارَهُ التي كَانَ يَقُولُهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 26/ جمادى الأولى /1443هـ، الموافق: 31/ كانون الأول / 2021م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  معجزات ودلائل نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين

22-12-2023 228 مشاهدة
21ـ لترين الظعينة ترتحل من الحيرة

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ بِهَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ... المزيد

 22-12-2023
 
 228
08-09-2023 391 مشاهدة
20ـ الشاة المسمومة

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ بِهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، سَلَامَتُهُ مِنَ السُّمِّ المُهْلِكِ لِغَيْرِهِ، وَإِعْلَامُ اللهِ تعالى لَهُ أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ، ... المزيد

 08-09-2023
 
 391
07-08-2023 306 مشاهدة
19ـ إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخْبَرَ إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ... المزيد

 07-08-2023
 
 306
28-07-2023 527 مشاهدة
18ـ ناولني الذراع

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ كَانَ فِي مَجْلِسِ ... المزيد

 28-07-2023
 
 527
27-10-2022 388 مشاهدة
17ـ انكشاف الضمائر النفسية له صلى الله عليه وسلم

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْجِزَةُ انْكِشَافِ الضَّمَائِرِ النَّفْسِيَّةِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. ... المزيد

 27-10-2022
 
 388
05-08-2022 314 مشاهدة
16ـ معجزة كلام الشجر وانقياده

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْجِزَةُ كَلَامِ الشَّجَرِ وَانْقِيَادِهِ. مَا مِنْ شَيْءٍ في الوُجُودِ إِلَّا وَيَشْهَدُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 05-08-2022
 
 314

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413468292
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :