856ـ خطبة الجمعة: الشائعات من أخطر الحروب المعنوية

856ـ خطبة الجمعة: الشائعات من أخطر الحروب المعنوية

856ـ خطبة الجمعة: الشائعات من أخطر الحروب المعنوية

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مُنْذُ أَنْ خَلَقَ اللهُ تعالى خَلْقَهُ، وُجِدَ الصِّرَاعُ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَإِذَا كَانَتِ الحُرُوبُ وَالأَزَمَاتُ وَالكَوَارِثُ تَسْتَهْدِفُ الإِنْسَانَ مِنْ حَيْثُ جَسَدُهُ وَبِنَاؤُهُ، فَإِنَّ هُنَاكَ حَرْبًا سَافِرَةً مُسْتَتِرَةً تَتَوَالَدُ أَثْنَاءَ الحُرُوبِ وَالأَزَمَاتِ وَالكَوَارِثِ، هِيَ أَشَدُّ فَتْكًا وَأَقْوَى ضَرَرًا عَلَى الإِنْسَانِ، لِأَنَّهَا تَسْتَهْدِفُ الإِنْسَانَ مِنْ حَيْثُ عَقْلُهُ وَرُوحُهُ وَنَفْسُهُ وَقَلْبُهُ، هِيَ تِلْكَ الحَرْبُ القَذِرَةُ، الحَرْبُ النَّفْسِيَّةُ: حَرْبُ الشَّائِعَاتِ.

الشَّائِعَاتُ مِنْ أَخْطَرِ الحُرُوبِ المَعْنَوِيَّةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الشَّائِعَاتُ مِنْ أَخْطَرِ الحُرُوبِ المَعْنَوِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ، بَلْ هِيَ أَشَدُّ الأَسْلِحَةِ تَدْمِيرًا وَفَتْكًا في النُّفُوسِ، فَهِيَ تَفُتُّ في عَضُدِ الإِنْسَانِ وَتَجْعَلُهُ مُنْهَارًا، خَائِفًا، قَلِقًا، مُضْطَرِبًا.

لَقَدْ جَاءَ الإِسْلَامُ العَظِيمُ لِيُحَارِبَ الشَّائِعَاتِ، وَتَوَعَّدَ لِمُرَوِّجِي الشَّائِعَاتِ بِالعَذَابِ الأَلِيمَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

وَحَثَّ عَلَى التَّثَبُّتِ قَبْلَ نَقْلِ الأَخْبَارِ، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾. وَمَا أَكَثَرَ الفُسَّاقَ مِنْ مُرَوِّجِي الشَّائِعَاتِ أَيَّامَ المِحَنِ وَالفِتَنِ وَالحُرُوبِ وَالزَّلَازِلِ!

يَا عِبَادَ اللهِ: جَاءَ الإِسْلَامُ لِيُحَارِبَ الشَّائِعَاتِ المَبْنِيَّةَ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الكَذِبِ وَالافْتِرَاءِ لِإِدْخَالِ الخَوْفِ وَالرُّعْبِ وَالقَلَقِ في نُفُوسِ العِبَادِ، فَقَالَ تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾.

فَكُلُّ قَوْلٍ وَكُلُّ كِتَابَةٍ وَكُلُّ رِسَالَةٍ تُبَثُّ عَنْ طَرِيقِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، وَخَاصَّةً التي تُدْخِلُ الرُّعْبَ وَالخَوْفَ وَالقَلَقَ، وَخَاصَّةً عَلَى كِبَارِ السِّنِّ وَالنِّسَاءِ، كُلُّ ذَلِكَ سَيُحَاسَبُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِمَنْ يُرْسِلُ الرَّسَائِلَ، وَيُشِيعُ الشَّائِعَاتِ التي تُقْلِقُ النَّاسَ وَتُخَوِّفُهُمْ: اسْمَعُوا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَفي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالحَاكِمِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».

وَلَا يُنْجِيكَ أَنْ تَقُولَ: هَكَذَا قَالُوا، وَهَكَذَا سَمِعْتُ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ: زَعَمُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

إِنَّ مُرَوِّجَ الشَّائِعَاتِ الفَتَّاكَةِ طَبْعُهُ لَئِيمٌ، وعَدِيمُ المُرُوءَةِ، ضَعِيفُ الإِيمَانِ، فَتَّانٌ فَتَّاكٌ، يَسْعَى في الأَرْضِ فَسَادًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُ لَا تُفْسِدْ في الأَرْضِ، قَالَ إِنِّي مِنَ المُصْلِحِينَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: تَتَطَوَّرُ الشَّائِعَاتُ بِتَطَوُّرِ العُصُورِ، وَعَصْرُنَا الحَاضِرُ عَصْرٌ ذَهَبِيٌّ لِمُرَوِّجِي الشَّائِعَاتِ، مِنْ خِلَالِ كَثْرَةِ وَسَائِلِ الاتِّصَالَاتِ، التي جَعَلَتِ العَالَمَ كُلَّهُ كَقَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ وَاحِدَةٍ، تَنْتَشِرُ فِيهَا الشَّائِعَاتُ انْتِشَارَ النَّارِ في الهَشِيمِ، وَانْتِشَارَ الهَوَاءِ في الدُّنْيَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: نَشْرُ الشَّائِعَاتِ جَرِيمَةٌ كُبْرَى، وَاللهِ يَجِبُ أَنْ يُحَاسَبَ عَلَيْهَا مُرَوِّجُوهَا، فَهِيَ التي تَزْرَعُ الخَوْفَ وَالقَلَقَ في صُفُوفِ النَّاسِ، صَاحِبُهَا مُجْرِمٌ في حَقِّ نَفْسِهِ، وَفي حَقِّ دِينِهِ، وَفي حَقِّ أُمَّتِهِ، مُثِيرٌ للاضْطِرَابِ وَالفَوْضَى في الأُمَّةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّنَا مُطَالَبُونَ بِالقَضَاءِ عَلَى الشَّائِعَاتِ المُدَمِّرَةِ لِأَمْنِ الأُمَّةِ وَاسْتِقْرَارِ المُجْتَمَعِ، كُلُّنَا مُطَالَبُونَ بِتَقْوِيَةِ الوَازِعِ الإِيمَانِيِّ أَيَّامَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ، كُلُّنَا مُطَالَبُونَ بِالْتِزَامِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيصْمُتْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

كُلُّنَا مُطَالَبُونَ بِالاعْتِصَامِ بِاللهِ تعالى أَمَامَ الشَّائِعَاتِ، وَأَنْ نَسْتَحْضِرَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: قَابِلُوا الشَّائِعَاتِ المُرْجِفَةَ بِقُوَّةِ الإِيمَانِ، وَقُولُوا كَمَا قَالَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: ﴿حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

وَقُولُوا كَمَا عَلَّمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.

وَقُولُوا كَمَا قَالَ تعالى لَنَا مُبَيِّنًا في كِتَابِهِ العَزِيزِ، ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.

قَابِلُوا الشَّائِعَاتِ بِقَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مُبَشِّرِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 4/ شعبان /1444هـ، الموافق: 24/ شباط / 2023م

 2023-02-24
 2548
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

25-06-2025 308 مشاهدة
945ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾

لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا جَدِيدًا، رَأَيْنَا بَدَايَتَهُ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَرَى نِهَايَتَهُ أَمْ لَا؟ بِمُضِيِّ هَذَا العَامِ اقْتَرَبَ أَجَلُنَا، وَأَوْشَكْنَا عَلَى المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ، أَلَا ... المزيد

 25-06-2025
 
 308
19-06-2025 725 مشاهدة
944ـ خطبة الجمعة: وقفة تساءل وتأمل

لِنَقِفْ وَقَفَاتٍ نَتَسَاءَلُ فِيهَا مَعَ أَنْفُسِنَا، وَنُتْبِعُ ذَلِكَ بِلَحَظَاتِ تَأَمُّلٍ؛ ثُمَّ لِنَقِفْ وِقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ مَعَ أَنْفُسِنَا. نَحْنُ في كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَجْرِي حَتَّى تَغِيبَ ... المزيد

 19-06-2025
 
 725
12-06-2025 932 مشاهدة
943ـ خطبة الجمعة: هل تشعر بآلام الآخرين؟

لِينُ القَلْبِ هُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ... المزيد

 12-06-2025
 
 932
04-06-2025 383 مشاهدة
942ـ خطبة الجمعة: ماذا نقول لإخوتنا في غزة أيام العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى حَقِيقَةِ العِيدِ، وَعَلَى أَثَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ أَنْ نَأْخُذَ الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ مِنْ مُرُورِ العِيدِ عَلَيْنَا، وَذَلِكَ بِتَرْوِيضِ ... المزيد

 04-06-2025
 
 383
04-06-2025 284 مشاهدة
941ـ خطبة عيد الأضحى 1446هـ: المغزى الحقيقي من العيد

مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إِلَى التَّعَرُّفِ عَلَى المَغْزَى الحَقِيقِيِّ فِي العِيدِ، وَعَلَى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بِالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ ... المزيد

 04-06-2025
 
 284
29-05-2025 904 مشاهدة
940ـ خطبة الجمعة: ما أحوج الأمة إلى الالتزام بهذا الحديث

بِالعَمَلِ الصَّالِحِ تَحْيَا القُلُوبُ، وَتَزْدَادُ نُورًا يُضِيءُ لِصَاحِبِهِ الطَّرِيقَ، لِيَسِيرَ بِهِ فِي النَّاسِ طَالِبًا مَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِتَرْكِ العَمَلِ الصَّالِحِ قَدْ يَصِلُ القَلْبُ إِلَى المَوْتِ، وَيُصْبِحُ ... المزيد

 29-05-2025
 
 904

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3234
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424628395
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :