32ـ حياة السيدة خديجة من الزواج إلى البعثة

32ـ حياة السيدة خديجة من الزواج إلى البعثة

32ـ حياة السيدة خديجة من الزواج إلى البعثة

حياة السيدة خديجة رَضِيَ اللهُ عَنْها من الزواج إلى البعثة

السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا جُبِلَتْ عَلَى فِطْرَةٍ كَرِيمَةٍ وَإِنْسَانِيَّةٍ عَالِيَةٍ وَحَنَانٍ فَيَّاضٍ، مَا إِنْ تَزَوَّجَتْ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَحَاطَتْهُ بِكُلِّ رِعَايَةٍ وَعِنَايَةٍ وَحُبٍّ، وَكَانَتْ تَحْرِصُ عَلَى كُلِّ مَا يُرْضِيهِ، وَلَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ السَّنَوَاتُ هِيَ السَّنَوَاتِ التي شُغِلَتْ فِيهَا السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِإِنْجَابِ أَوْلَادِهَا جَمِيعًا، فَقَدْ رُزِقَتْ في هَذِهِ الفَتْرَةِ بِالسَّيِّدَةِ زَيْنَبَ، ثُمَّ السَّيِّدَةِ رُقَيَّةَ، ثُمَّ السَّيِّدَةِ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَبِعَبْدِ اللهِ الذي عُرِفَ بِالطَّيِّبِ وَالطَّاهِرِ، ثُمَّ القَاسِمِ الذي كَانَ يُكْنَى بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بِفَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَكَانَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مُنْشَغِلَةً بِتَرْبِيَةِ هَؤُلَاءِ الأَوْلَادِ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، ثُمَّ شَاءَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتعالى أَنْ يَخْتَارَ إلى جِوَارِهِ سَيِّدَنَا عَبْدَ اللهِ الصَّغِيرَ، ثُمَّ القاسِمَ، وَلَكِنَّهَا في الوَقْتِ الذي كَانَتْ قَدِ انْشَغَلَتْ فِيهِ بِتَرْبِيَةِ هَؤُلَاءِ الأَوْلَادِ أَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أَنْ يُكْرِمَهَا بِرِعَايَةِ سَيِّدِنَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا طَلَبَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُعْطِيَهُ عَلِيًّا لِيُرَبِّيَهُ، وَقَدْ لَاحَظَ كَثْرَةَ الأَوْلَادِ عِنْدَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ.

وَقَامَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ بِرِعَايَةِ سَيِّدِنَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَحَنَتْ عَلَيْهِ كَحُنُوِّهَا عَلَى أَوْلَادِهَا، فَتَرَبَّى في بَيْتِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَبَيْنَ سَيِّدَةٍ مِنْ سَيِّدَاتِ نِسَاءِ العَالَمِينَ، فَشَرِبَ مِنْ مَشْرَبِ النُّبُوَّةِ العَزْمَ، وَالحَزْمَ، وَالهِمَّةَ، وَالقُوَّةَ، وَالشَّجَاعَةَ، وَالنَّجْدَةَ، وَالرُّجُولَةَ، وَمِنَ الأُمِّ الكُبْرَى خَدِيجَةَ حُسْنَ السِّيرَةِ، وَطِيبَ الخُلُقِ، وَنَقَاءَ السَّرِيرَةِ، وَالبَذْلَ وَالسَّخَاءَ.

وَتَرَبَّى هَذَا الفِدَائِيُّ عَلَى هَذِهِ الأُسُسِ العَالِيَةِ، وَالأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ، فَكَانَ مِنْهُ مَا كَانَ لَيْلَةَ الهِجْرَةِ، وَذَلِكَ الصُّمُودُ الذي جَعَلَهُ يَفْتَدِي بِنَفْسِهِ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيَنَامُ في فِرَاشِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ القَوْمَ يَتَرَصَّدُونَهُ وَيَتَرَبَّصُونَ بِهِ في الخَارِجِ، وَقَدْ طَمْأَنَهُ الحَبِيبُ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ يَا عَلِيُّ».

ثُمَّ كَانَتْ لَهُ تِلْكَ المُبَارَزَةُ في يَوْمِ بَدْرٍ، وَكَذَلِكَ الثَّبَاتُ العَظِيمُ في يَوْمِ أُحُدٍ، وَفَتْكُهُ بِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ المُتَكَبِّرِ الذي اسْتَصْغَرَهُ وَاسْتَكْبَرَ نَفْسَهُ فَأَرْدَاهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الأَحْزَابِ.

وَهُوَ فَاتِحُ حِصْنِ خَيْبَرَ وَقَاتِلُ مُرَحِّبِ بْنِ مُنَبِّهٍ بَطَلِ اليَهُودِ العَنِيدِ، وَكَمْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ اليَهُودِ، وَكَانَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَاحِبَ الرَّايَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَفَاتِحَ بَابِهَا، وَهُوَ حَبِيبُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحَبِيبُ سَيِّدَتِنَا خَدِيجَةَ، أَحَبَّاهُ وَتَرَبَّى بَيْنَهُمَا، فَكَانَ ذَلِكَ الصِّنْدِيدَ، وَكَانَ ذَلِكَ البَطَلَ الذي يَتَحَدَّثُ عَنْهُ التَّارِيخُ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا.

وَهُوَ مَنْ قَالَ لَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» رَوَاهُ التّرْمِذِيُّ. «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ، مِنْ مُوسَى» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

وَهُوَ زَوْجُ الحَبِيبَةِ أُمِّ أَبِيهَا السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَهُوَ أَبُو الحَسَنَيْنِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ، وَأَبُو الأَطْهَارِ مِنْ آلِ البَيْتِ الأَخْيَارِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ نَسَبَهُ الكَرِيمَ، وَحُسْنَ تَرْبِيَتِهِ عَلَى يَدِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ، وَتَحْتَ رِعَايَتِهَا هُوَ مَا سَاهَمَ في بَلْوَرَةِ شَخْصِيَّتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبَعْدَ سَيِّدِنَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَشْهَدُ فَضْلَ هَذِهِ السَّيِّدَةِ الكَرِيمَةِ وَهِيَ تُرَبِّي بَطَلًا آخَرَ مِنْ حَوَارِيِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ الزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عِنْدَمَا مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ في الثَّانِيَةِ مِنْ عُمُرِهِ، وَأُمُّهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَقَدْ أَرَادَتْ هَذِهِ السَّيِّدَةُ أَنْ تَنْكَفِئَ عَلَى ابْنِهَا وَتُرَبِّيَهُ، وَلَكِنَّ الأُمَّ الكُبْرَى بِحَنَانِهَا وَبِعَطْفِهَا وَبِإِنْسَانِيَّتِهَا حَرَصَتْ عَلَى أَنْ يَتَرَبَّى هَذَا الإِنْسَانُ في بَيْتِ النُّبُوَّةِ، فَيَحْظَى بِخَيْرِ تَرْبِيَةٍ بَيْنَ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ، فَيَسْلُكَ مَسْلَكَهُمْ وَيَشْرَبَ مِنْ مَشَارِبِهِمْ.

وَعَاشَ الزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمِّهِ صَفِيَّةَ مُكَرَّمًا مِنَ الجَانِبَيْنِ، مَحْفُوفًا بِالكَرَامَةِ، وَمُؤَيَّدًا بِالعِزَّةِ الإِلَهِيَّةِ، فَكَانَ رَابِعَ مَنْ أَسْلَمَ، وَأَوَّلَ مَنْ سَلَّ سَيْفًا في الإِسْلَامِ عَلَى الكَافِرِينَ، وَكَانَ دُونَ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ، وَهَابَتْهُ قُرَيْشٌ رَغْمَ أَنَفَتِهَا وَقُوَّتِهَا، وَهُوَ صَاحِبُ الجَوَادِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالثَّابِتُ يَوْمَ أُحُدٍ، يَدْفَعُ الأَشْرَارَ عَنِ الوُصُولِ إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيَفْدِيهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ أَنِ انْهَزَمَ مَنِ انْهَزَمَ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ جَيْشِ المُسْلِمِينَ.

وَالزُّبَيْرُ هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الذي كَانَ لَهُ الدَّوْرُ البَارِزُ في حُرُوبِ الرِّدَّةِ، وَلَمْ يُشَقَّ لَهُ غُبَارٌ، وَكَانَ هُوَ كَاسِرَ شَوْكَةِ الرُّومِ في اليَرْمُوكِ، وَفَاتِحَ حِصْنِ بَابليون في مِصْرَ، وَجَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ عَلَى مَنْهَجِهِ، وَأَبْنَاؤُهُ كُلُّهُمْ أُسُودُ حَرْبٍ، وَرِجَالُ عِلْمٍ، وَهِمَّةٍ وَنَجْدَةٍ وَعَزِيمَةٍ.

ثُمَّ هَذَا سَيِّدُنَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، هَذَا الابْنُ المُتَبَنَّى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِأُمِّنَا الكُبْرَى خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، حَيْثُ رَبَّتْهُ وَعُنِيَتْ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلَ الذي لَا يُشَقُّ لَهُ غُبَارٌ، وَرَعَتْهُ زَوْجُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ أَنِ اشْتَرَتْهُ مِنْ سُوقِ الرَّقِيقِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ كَلْبِ بَنِي عَامِرٍ، اخْتَطَفَهُ المُجْرِمُونَ في غَيْبَةٍ عَنْ أَهْلِهِ، وَأَحَبَّهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَامَلَهُ المُعَامَلَةَ الكَرِيمَةَ.

وَلَمَّا رَأَتِ السَّيِّدَةُ الكُبْرَى خَدِيجَةُ إِحْسَانَ زَوْجِهَا المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ، وَهَبَتْهُ لَهُ، فَازْدَادَ حُبُّهُ لَهُ، وَازْدَادَ تَعَلُّقُ سَيِّدِنَا زَيْدٍ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَنَسِيَ أَهْلَهُ وَاعْتَبَرَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالسَّيِّدَةَ خَدِيجَةَ هُمَا أَهْلَهُ وَعَشِيرَتَهُ، وَظَلَّ بَنُو عَامِرٍ يَبْحَثُونَ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ عَامَيْنِ حَتَّى أَعْلَمَهُمْ بَعْضُ مَنْ رَآهُ عِنْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَحَ لَهُمْ كَيْفَ يُعَامِلُهُ، وَأَنَّهُ يَرْعَاهُ خَيْرَ رِعَايَةٍ، وَسَمِعَ أَبُوهُ وَعَمُّهُ بِفَضْلِ هَذَا النَّبِيِّ الكَرِيمِ وَهَذَا الشَّرِيفِ مِنْ أَشْرَافِ مَكَّةَ، فَذَهَبُوا إِلَيْهِ وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَدْفَعُوا لَهُ مَا يَطْلُبُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِيَأْخُذُوا ابْنَهُمْ مِنْهُ، فَرَفَضَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْتَدِيَهُ بِأَيِّ مَالٍ، وَقَالَ لَهُمْ: لَا آخُذُ مِنْكُمْ شَيْئًا وَلَا أُسْلِمُهُ لَكُمْ فَتَأَثَّرَ أَبُوهُ وَعَمُّهُ.

فَلَمَّا رَأَى تَأَثُّرَهُمْ قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِيهِ وَعَمِّهِ: هَلْ لَكُمَا في خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟

فَقَالَا: وَمَا هُوَ؟

قَالَ: آتِيكُمْ بِزَيْدٍ وَأُخَيِّرُهُ بَيْنَ البَقَاءِ مَعِيَ وَبَيْنَ الذَّهَابِ مَعَكُمْ، فَإِنِ اخْتَارَكُمْ فَخُذُوهُ بِدُونِ أَنْ أُكَلِّفَكُمْ شَيْئًا، وَإِنِ اخْتَارَنِي فَلَا أُسْلِمُهُ لَكُمْ، وَلَنْ أُسْلِمَ مَنِ اخْتَارَنِي لِأَحَدٍ.

فَقَالَ الأَبُ وَالعَمُّ قَوْلَةً وَاحِدَةً: لَقَدْ أَنْصَفَتْنَا وَأَحْسَنْتَ إِلَيْنَا.

فَأَحْضَرَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا زَيْدُ، أَتَعْرِفُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ؟

قَالَ: نَعَمْ، هَذَا أَبِي وَذَاكَ عَمِّي.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِنْ شِئْتَ فَاذْهَبْ مَعَ أَبِيكَ وَعَمِّكَ، وَإِنْ شِئْتَ فَابْقَ مَعَنَا.

فَقَالَ زَيْدٌ: وَاللهِ لَا أَخْتَارُ أَحَدًا غَيْرَكَ.

فَقَالَ أَبُوهُ: أَتَخْتَارُ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا عَلَى الحُرّيَّةِ مَعَ أَهْلِكَ؟

فَقَالَ زَيْدٌ: مَا أَنَا بِالعَبْدِ مَعَ سَيِّدِي الكَرِيمِ، بَلْ أَنَا فَوْقَ الأَحْرَارِ.

فَوُجِمَ أَبُوهُ وَعَمُّهُ، وَلَكِنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمْسَكَ بِيَدِ زَيْدٍ بَيْنَ النَّاسِ وَقَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّ زَيْدًا ابْنِي أَرِثُهُ وَيَرِثُنِي، فَصَارَ زَيْدٌ يُدْعَى بَعْدَ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ أَهْلُهُ: لَكَ الحَقُّ يَا زَيْدُ أَنْ تَخْتَارَهُ عَلَيْنَا، فَعَاشَ في رِعَايَةِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ.

وَظَلَّ يُعْرَفُ بِزَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ إلى أَنْ جَاءَتْ رِسَالَةُ السَّمَاءِ وَالنُّبُوَّةِ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، فَكَانَ زَيْدٌ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوَّلَ المُسْلِمِينَ، وَتَرَبَّى زَيْدٌ عَلَى المُثُلِ العُلْيَا في القُوَّةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالرُّجُولَةِ وَفُنُونِ الحَرْبِ وَالإِقْدَامِ وَالمُرُوءَةِ، فَكَانَ أَوَّلَ قَائِدٍ يَغْزُو دَوْلَةَ الرُّومِ في الشَّامِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ رَجُلٍ؛ وَسُمِّي بَعْدَ ذَلِكَ بِاسْمِهِ الأَصْلِيِّ، وَلَمَّا نَزَلَتِ الآيَةُ: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ سُمِّيَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ.

وَلَمَّا جَهَّزَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُقَاتِلِينَ لِغَزْوَةِ مُؤْتَةَ عَيَّنَ زَيْدًا أَمِيرًا، وَإِنْ قُتِلَ فَالأَمِيرُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَالأَمِيرُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَمَاذَا كَانَ مَوْقِفُ زَيْدٍ عِنْدَمَا تَكَاثَرَ الرُّومُ وَزَادَ عَدَدُهُمْ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُ المُسْلِمِينَ بِتَرْكِ القِتَالِ وَالرُّجُوعِ، لِأَنَّ القُوَّتَيْنِ غَيْرُ مُتَكَافِئَتَيْنِ في العَدَدِ وَالعُدَّةِ، لَكِنَّ القَائِدَ المُلْهَمَ زَيْدًا قَالَ قَوْلَتَهُ المَشْهُورَةَ: إِنَّمَا جِئْنَا لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ، أَو المَوْتِ في سَبِيلِ اللهِ، وَالْتَقَى بِالرُّومِ يَحْصُدُهُمْ حَصْدًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ وَسَجَّلَ تَارِيخًا مُشَرِّفًا وَمَجْدًا عَظِيمًا.

ذَلِكَ هُوَ الشَّهِيدُ زَيْدٌ الذي تَرَبَّى في مَدْرَسَةِ النُّبُوَّةِ وَفي كَنَفِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفي بَيْتِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَلَقَدْ غَرَسَ زَيْدٌ في ابْنِهِ أُسَامَةَ هَذِهِ الأَخْلَاقَ الحَمِيدَةَ: الرُّجُولَةَ وَالشَّجَاعَةَ وَالإِبَاءَ، فَكَانَ أَنْ تَرَعْرَعَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى نَفْسِ مَنْهَجِ أَبِيهِ، وَأَكْرَمَهُ اللهُ بِنَشْأَةٍ حَسَنَةٍ فَوَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ وَثِقَ بِهِ قِيَادَةَ الجَيْشِ الذي يُحَارِبُ الرُّومَ، وَهُوَ مَا يَزَالُ في السَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ، فَكَانَ القَائِدَ الهُمَامَ الذي اعْتَزَّ بِهِ الإِسْلَامُ، وَأَدْخَلَ الرُّعْبَ في قُلُوبِ المُرْتَدِّينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ حِينَ انْتَصَرَ المُسْلِمُونَ عَلَى الرُّومِ، وَهَكَذَا اسْتَفَادَ مِنْ مَدْرَسَةِ الإِقْدَامِ التي عَاشَهَا في رِحَابِ النُّبُوَّةِ إِنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ الذي تَرَبَّى أَبُوهُ وَأُمُّهُ في بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَأُمُّ أُسَامَةَ هِيَ أُمُّ أَيْمَنَ هَذِهِ السَّيِّدَةُ التي نَالَتِ الخَيْرَ كُلَّهُ، وَعَاشَتْ مَعَ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ وَكَانَ زَوْجُهَا زَيْدٌ قَائِدًا بَطَلًا، وَابْنُهَا كَذَلِكَ قَائِدًا بَطَلًا بَعْدَ أَبِيهِ، وَكَانَتْ هِيَ مَثَلًا أَعْلًى في سُمُوِّ الآدَابِ وَمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ.

وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ هُوَ الوَحِيدُ الذي ذُكِرَ اسْمُهُ في القُرْآنِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ البَطَلُ الذي جَعَلَ نَفْسَهُ فِدَاءً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِجَارَةِ سُفَهَاءِ الطَّائِفِ، وَهُوَ الحِبُّ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ قَالَ عَنْهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِابْنِهِ أُسَامَةَ: هُوَ الحِبُّ ابْنُ الحِبِّ.

ثُمَّ هُنَاكَ مَيْسَرَةُ هَذَا الغُلَامُ الأَمِينُ الصَّادِقُ الذي عَاشَ عِنْدَ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ، فَكَانَتْ تُعَامِلُهُ مُعَامَلَةً كَرِيمَةً وَتُقَدِّرُ لَهُ تَصَرُّفَاتِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ.

ثُمَّ إِنَّ السَّيِّدَةَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كَانَتْ تَرْعَى في المَنْزِلِ أَوْلَادَهَا مِنْ زَوْجَيْهَا السَّابِقَيْنِ وَتُرَبِّيهِمْ عَلَى الخَيْرِ وَالفَضْلِ وَبَذْلِ المَعْرُوفِ، وَكَانَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَتَصَدَّى لِهَذَا الأَمْرِ بِكُلِّ أَمَانَةٍ وَعَزْمٍ وَإِخْلَاصٍ، وَكَانَتْ تَتَحَمَّلُ في تِلْكَ البِيئَةِ الحِجَازِيَّةِ كَامِلَ مَسْؤُولِيَّةِ هَذِهِ الأُسْرَةِ، وَتَقُومُ بِهَا خَيْرَ قِيَامٍ، وَهُوَ أَمرٌ فَوْقَ طَاقَةِ الأَكْثَرِينَ مِنَ الرِّجَالِ الأَقْوِيَاءِ الأَشِدَّاءِ فَضْلًا عَنِ النِّسَاءِ.

فَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُوَاصِلُ مَسِيرَتَهُ لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، وَكَانَ يَتَعَبَّدُ قَبْلَ ذَلِكَ في غَارِ حِرَاءٍ بَعِيدًا عَنِ الخَلْقِ لَعَلَّهُ يَجِدُ الوَسِيلَةَ لِهِدَايَةِ قَوْمِهِ، وَيَلْتَمِسُ طَرِيقَهُ إلى اللهِ سُبْحَانَهُ وتعالى وَكَانَتِ السَّيِّدَةُ الكُبْرَى مَشْغُولَةً بِالأُسْرَةِ وَتَوْفِيرِ مَا يَلْزَمُهَا، في الوَقْتِ الذي كَانَتْ تَشْتَغِلُ فِيه بِتِجَارَتِهَا التي تُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى الأُسْرَةِ، وَعَلَى الوَافِدِينَ عَلَى السَّاحَةِ العُظْمَى، وَكَانَ هَمَّهَا الأَكْبَرَ هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ تَذْهَبُ إِلَيْهِ في غَارِ حِرَاءٍ، في جُنْحِ اللَّيْلِ وَشِدَّةِ الظَّلَامِ، فَأَيُّ امْرَأَةٍ هَذِهِ؟!

إِنَّهَا المَوْصُولَةُ بِاللهِ رَبِّ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الحَافِظُ لَهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

ثُمَّ كَانَتْ تَصْعَدُ الجَبَلَ وَتَبْذُلُ الجُهْدَ الشَّاقَّ الذي لَا يَتَحَمَّلُهُ إِلَّا القَلِيلُ، وَكَانَتْ تَسِيرُ كُلَّ هَذَا الطَّرِيقِ لِتُوَفَّرَ لَهُ المَأْكَلَ وَالمَشْرَبَ، وَتَسِيرُ إلى غَارِ حِرَاءٍ في طُرُقَاتٍ وَعِرَةٍ، وَمُرْتَفَعَاتٍ عَالِيَةٍ، وَمُنْخَفَضَاتٍ هَاوِيَةٍ، تَسِيرُ بَيْنَ الصُّخُورِ وَالأَحْجَارِ، لَا تَهْتَمُّ إِلَّا بِرَاحَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ تَسِيرُ وَهِيَ وَاثِقَةٌ أَنَّهَا في حِمَايَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرِعَايَتِهِ، وَتَرَى الحَبِيبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَبَّهُ، وَتَتَأَمَّلُ مَقَامَهُ، وَتَوَدُّ لَو أَنَّهَا كَانَتْ لَهَا خَلْوَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْهُ، لِتَقُومَ بِخِدْمَتِهِ بِصُورَةٍ أَكْبَرَ وَأَقْرَبَ، وَلَكِنَّهَا تَحْرِصُ عَلَى خُصُوصِيَّتِهِ، وَتُؤْثِرُ أَنْ تَتْرُكَهُ في وَحْدَتِهِ مَعَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَعُودُ إلى بَيْتِهَا لِتَرْعَى كُلَّ أُولَئِكَ البَنَاتِ وَالصَّبْيَانِ وَتُكْرِمُهُمْ وَتُوَفِّرُ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.

وَهُنَا قَدْ يَسْأَلُ سَائِلٌ: لِمَ لَا تَخَافُ السَّيِّدَةُ الكُبْرَى مِنَ جَفْوَةِ الطَّرِيقِ وَبُعْدِهِ السَّحِيقِ، وَلِمَاذَا لَا تَخْشَى مِنَ اللِّصِّ الغَادِرِ، وَالمُجْرِمِ الفَاجِرِ، أَو السَّبُعِ الكَاسِرِ، وَهِيَ امْرَأَةٌ وَحِيدَةٌ لَا حَوْلَ لَهَا وَلَا قُوَّةَ، تَسِيرُ في جُنْحِ اللَّيْلِ وَظَلَامِهِ، بَيْنَ الصُّخُورِ وَالمُرْتَفَعَاتِ، وَلَا تَخْشَى أَحَدًا أَبَدًا، لِمَاذَا لَمْ تَخَفْ هَذِهِ السَّيِّدَةُ؟

لِأَنَّ اللهَ تعالى كَانَ مَعَهَا يَحْفَظُهَا وَيَرْعَاهَا، وَقَدْ هَيَّأَهَا لِمُهِمَّةٍ شَاقَّةٍ تَتَحَمَّلُ فِيهَا أَعْبَاءَ رِعَايَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، في سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ وَفَرَحٍ، وَتَحَمَّلَتْ أَعْبَاءَ الاهْتِمَامِ بِمَنْزِلِهَا وَبِكُلِّ الذينَ يَعِيشُونَ فِيهِ مَعَ تَنَوُّعِهِمْ وَتَعَدُّدِ مَنَابِتِهِمْ، لَكِنَّهُمْ كَانُوا في وِئَامٍ كَامِلٍ، وَمَا سَمِعْنَا عَنْهُمْ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُمْ مُمَارَاةً، وَلَا مُخَاصَمَةً، وَلَا مُجَافَاةً، بَلْ كَانُوا جَمِيعًا إِخْوَانًا مُتَحَابِّينَ، فَسُبْحَانَ مَنْ نَزَعَ مَا في صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ فَعَاشُوا تَحْتَ ذَلِكَ الظِّلِّ، في رِحَابِ السَّيِّدَةِ وَرِعَايَتِهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَكَانَتْ تُوَفِّرُ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ مَطَالِبِ الحَيَاةِ في وَقْتٍ كَانَ فِيهِ النَّاسُ يُعَانُونَ مِنْ ضِيقِ العَيْشِ وَقِلَّةِ القُوتِ، في وَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِ اللهِ المُحَرَّمِ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَتْ تُوَفِّرُهُ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا لِأَوْلَادِهَا، وَلِمَنْ تَرْعَاهُمْ في مَنْزِلِهَا مِنْ أَهْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِنَّهَا سَيِّدَةٌ ثَبَّتَهَا اللهُ بِالقَوْلِ الثَّابِتِ، وَجَمَّلَهَا بِالتَّقْوَى، وَقَوَّاهَا بِالعَزِيمَةِ الصَّادِقَةِ، وَاخْتَارَهَا لِتَكُونَ بِجِوَارِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

 

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 3/ شعبان /1444هـ، الموافق: 23/شباط / 2023م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع أمهاتنا أمهات المؤمنين رضي الله عنهن

17-02-2023 60 مشاهدة
31ـ صورة عملية لمعنى اليقين

إِذَا رَسَخَ الإِيمَانُ حَتَّى بَلَغَ حَقَّ اليَقِينِ، غَمَرَ النَّفْسَ بِسَكِينَةٍ لَا تُزَلْزِلُهَا الأَحْدَاثُ، وَلَا تَعْصِفُ بِهَا النَّوَازِلُ، مَهْمَا كَانَتْ شَدِيدَةَ الوَطْأَةِ، مُثِيرَةً للوُجْدَانِ وَالعَوَاطِفِ، فَرِبَاطُ الإِيمَانِ ... المزيد

 17-02-2023
 
 60
22-12-2022 104 مشاهدة
30ـ فاطمة الزهراء رضي الله عنها

وُلِدَتْ قَبْلَ البِعْثَةِ بِخَمْسِ سَنَوَاتٍ، وَعَاشَتْ في كَنَفِ أَعْظَمِ وَالِدَيْنِ، وَصَحِبَتْ أَبَاهَا في أَسْعَدِ الأَيَّامِ، ثُمَّ في أَقْسَاهَا مَرَارَةً، وَلَقَدْ كَانَتْ أَحَبَّ أَوْلَادِهِ إِلَيْهِ، صَحِبَتْ أَبَوَيْهَا في حِصَارِ ... المزيد

 22-12-2022
 
 104
04-11-2022 134 مشاهدة
29ـ أَوْلَادُ الُمصطَفَى مِنَ السَّيِدَةِ خَديجة

إِنَّهُمْ ذُرِّيَّةُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِنَّهُمُ النُّطَفُ الطَّاهِرَةُ، وَالأَوْلَادُ البَرَرَةُ، أَبُوهُمْ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ... المزيد

 04-11-2022
 
 134
26-08-2022 123 مشاهدة
28ـ زواج تم بتقدير الله واختياره

لِمَاذَا تَزَوَّجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؟ هَذَا سُؤَالٌ يُرَدِّدُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا أَكْبَرُ ... المزيد

 26-08-2022
 
 123
06-08-2022 210 مشاهدة
27ـ الزواج الميمون

عَادَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، أُسْتَاذِهَا وَمُسْتَشَارِهَا الذي تَطْمَئِنُّ إلى قَوْلِهِ وَتَثِقُ في عِلْمِهِ، فَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا أَنَّهُ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، ... المزيد

 06-08-2022
 
 210
21-07-2022 237 مشاهدة
26ـ السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها وتجارتها

انَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا تُرْسِلُ الرِّجَالَ في تِجَارَتِهَا إلى الشَّامِ، وَإلى أَمَاكِنَ أُخْرَى، وَكَانَتْ دَائِمًا تُدَقِّقُ وَتُمَحِّصُ، وَتَخْتَارُ أَكْثَرَ النَّاسِ أَمَانَةً، حَتَّى تَضْمَنَ سَلَامَةَ ... المزيد

 21-07-2022
 
 237

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5587
المقالات 3054
المكتبة الصوتية 4465
الكتب والمؤلفات 19
الزوار 409450213
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :