73ـ أبو حازم سلمة بن دينار وسليمان بن عبد الملك

73ـ أبو حازم سلمة بن دينار وسليمان بن عبد الملك

73ـ أبو حازم سلمة بن دينار وسليمان بن عبد الملك

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَأْنُ العُقَلَاءِ التَّنَاصُحُ وَالتَّرَاحُمُ، لِأَنَّ النُّصْحَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ دَافِعِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالوُدِّ وَالحُبِّ، قَالَ تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.

وَلَوْلَا النُّصْحُ لَهَلَكَتِ الأُمَّةُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.

وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ النُّصْحُ في هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ شَعِيرَةً مِنْ شَعَائِرِهِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»

وَأَجْمَلُ النُّصْحِ مَا كَانَ مُذَكِّرًا بِالمَوْتِ وَالآخِرَةِ، وَبِالوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ النُّصْحَ بِذَلِكَ يُحَقِّقُ للمَنْصُوحِ العُبُودِيَّةَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَمَا أَجْمَلَ هَذَا النُّصْحَ إِذَا كَانَ لِوُلَاةِ الأُمُورِ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ».

وَفي رِوَايَةٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ».

لَا يُغِلُّ: مِنَ الإِغْلَالِ، وَهِيَ الخِيَانَةُ.

أَو لَا يَغِلُّ: مِنَ الغِلِّ، وَهُوَ الحِقْدُ وَالشَّحْنَاءُ، أَيْ: لَا يَدْخُلُهُ حِقْدٌ يُزِيلُهُ عَنِ الحَقِّ.

يَعْنِي: المُؤْمِنُ لَا يَخُونُ في هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يُدْخِلُ في قَلْبِهِ خِيَانَةً أَو حِقْدًا يَمْنَعُهُ مِنْ تَبْلِيغِ العِلْمِ.

نَصِيحَةُ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ أَبِي حَازِمٍ لِسُلَيْمَانَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَدَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُوسَى قَالَ: مَرَّ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُرِيدُ مَكَّةَ، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا فَقَالَ: هَلْ بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَدْرَكَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالُوا لَهُ: أَبُو حَازِمٍ. ـ هوَ سَلَمَةُ بنُ دِينَارٍ التَّابِعِيُّ الوَاعِظُ، شَيخُ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ ـ

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا حَازِمٍ، مَا هَذَا الْجَفَاءُ؟

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَيَّ جَفَاءٍ رَأَيْتَ مِنِّي؟

قَالَ: أَتَانِي وُجُوهُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ تَأْتِنِي.

قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أُعِيذُكَ بِالله أَنْ تَقُولَ مَا لَمْ يَكُنْ، مَا عَرَفْتَنِي قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ وَلَا أَنَا رَأَيْتُكَ.

قَالَ: فَالْتَفَتَ سُلَيْمَانُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: أَصَابَ الشَّيْخُ وَأَخْطَأْتُ.

قَالَ سُلَيْمَانُ: يَا أَبَا حَازِمٍ، مَا لَنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ؟

قَالَ: لأَنَّكُمْ أَخْرَبْتُمُ الآخِرَةَ وَعَمَّرْتُمُ الدُّنْيَا، فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَنْتَقِلُوا مِنَ الْعُمْرَانِ إِلَى الْخَرَابِ.

قَالَ: أَصَبْتَ يَا أَبَا حَازِمٍ، فَكَيْفَ الْقُدُومُ غَداً عَلَى اللهِ؟

قَالَ: أَمَّا الْمُحْسِنُ فَكَالْغَائِبِ يَقْدُمُ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَّا الْمُسِيءُ فَكَالآبِقِ ـ الهارِبِ ـ يَقْدُمُ عَلَى مَوْلَاهُ.

فَبَكَى سُلَيْمَانُ وَقَالَ: لَيْتَ شِعْرِي مَا لَنَا عِنْدَ اللهِ؟

قَالَ: اعْرِضْ عَمَلَكَ عَلَى كِتَابِ اللهِ.

قَالَ: وَأَيُّ مَكَانٍ أَجِدُهُ؟

قَالَ: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾.

قَالَ سُلَيْمَانُ: فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللهِ يَا أَبَا حَازِمٍ؟

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: يَا أَبَا حَازِمٍ فَأَيُّ عِبَادِ الله أَكْرَمُ؟

قَالَ: أُولُو الْمُرُوءَةِ وَالنُّهَى.

قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: فَأَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ مَعَ اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ.

قَالَ سُلَيْمَانُ: فَأَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: دُعَاءُ الْمُحْسَنِ إِلَيْهِ لِلْمُحْسِنِ.

قَالَ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟

قَالَ: لِلسَّائِلِ الْبَائِسِ، وَجُهْدُ الْمُقِلِّ لَيْسَ فِيهَا مَنٌّ وَلا أَذىً.

قَالَ: فَأَيُّ الْقَوْلِ أَعْدَلُ؟

قَالَ: قَوْلُ الْحَقِّ عِنْدَ مَنْ تَخَافُهُ أَوْ تَرْجُوهُ.

قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟

قَالَ: رَجُلٌ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللهِ وَدَلَّ النَّاسَ عَلَيْهَا.

قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَحْمَقُ؟

قَالَ: رَجُلٌ انْحَطَّ في هَوَى أَخِيهِ وَهُوَ ظَالِمٌ فَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ.

قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: أَصَبْتَ، فَمَا تَقُولُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؟

قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوَتُعْفِينِي؟

قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: لَا وَلَكِنْ نَصِيحَةٌ تُلْقِيهَا إِلَيَّ.

قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ آبَاءَكَ قَهَرُوا النَّاسَ بِالسَّيْفِ وَأَخَذُوا هَذَا الْمُلْكَ عَنْوَةً عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا رِضَاهُمْ حَتَّى قَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، فَقَدِ ارْتَحَلُوا عَنْهَا، فَلَوْ أُشْعِرْتَ مَا قَالُوا وَمَا قِيلَ لَهُمْ.

فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: بِئْسَمَا قُلْتَ يَا أَبَا حَازِمٍ.

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: كَذَبْتَ، إِنَّ اللهَ أَخَذَ مِيثَاقَ الْعُلَمَاءِ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ يَكْتُمُونَهُ.

قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: فَكَيْفَ لَنَا أَنْ نُصْلِحَ؟

قَالَ: تَدَعُونَ الصَّلَفَ ـ الزيادةُ في المِقدَارِ مع الكِبْرِ ـ وَتَمَسَّكُونَ بِالْمُرُوءَةِ وَتَقْسِمُونَ بِالسَّوِيَّةِ.

قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: كَيْفَ لَنَا بِالْمَأْخَذِ بِهِ؟

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: تَأْخُذُهُ مِنْ حِلِّهِ وَتَضَعُهُ في أَهْلِهِ.

قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا حَازِمٍ أَنْ تَصْحَبَنَا فَتُصِيبَ مِنَّا وَنُصِيبَ مِنْكَ؟

قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ.

قَالَ سُلَيْمَانُ: وَلِمَ ذَاكَ؟

قَالَ: أَخْشَى أَنْ أَرْكَنَ إِلَيْكُمْ شَيْئًا قَلِيلًا فَيُذِيقَنِي اللهُ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ.

قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: ارْفَعْ إِلَيْنَا حَوَائِجَكَ.

قَالَ: تُنْجِينِي مِنَ النَّارِ وَتُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ.

قَالَ سُلَيْمَانُ: لَيْسَ ذَاكَ إِلَيَّ.

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَمَا لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ غَيْرُهَا.

قَالَ: فَادْعُ لِي.

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ سُلَيْمَانُ وَلِيَّكَ فَيَسِّرْهُ لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَإِنْ كَانَ عَدُوَّكَ فَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ إِلى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى.

قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: قَطُّ.

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: قَدْ أَوْجَزْتُ وَأَكْثَرْتُ، إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، فَمَا يَنْفَعُنِي أَنْ أَرْمِيَ عَنْ قَوْسٍ لَيْسَ لَهَا وَتَرٌ.

قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: أَوْصِنِي.

قَالَ: سَأُوصِيكَ وَأُوجِزُ، عَظِّمْ رَبَّكَ وَنَزِّهْهُ أَنْ يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ أَوْ يَفْقِدَكَ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكَ.

فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ بَعَثَ إِلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنْ أَنْفِقْهَا وَلَكَ عِنْدِي مِثْلُهَا كَثِيرٌ.

قَالَ: فَرَدَّهَا عَلَيْهِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أُعِيذُكَ بِاللهِ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُكَ إِيَّايَ هَزْلًا أَوْ رَدِّي عَلَيْكَ بَذْلًا وَمَا أَرْضَاهَا لَكَ، فَكَيْفَ أَرْضَاهَا لِنَفْسِي؟

وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهَا رِعَاءً يَسْقُونَ، وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ جَارِيَتَيْنِ تَذُودَانِ فَسَأَلَهُمَا فَقَالَتَا: ﴿لَا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾.  وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ جَائِعًا خَائِفًا لَا يَأْمَنُ فَسَأَلَ رَبَّهُ وَلَمْ يَسْأَلِ النَّاسَ، فَلَمْ يَفْطِنِ الرِّعَاءُ وَفَطِنَتِ الْجَارِيَتَانِ، فَلَمَّا رَجَعَتَا إِلَى أَبِيهِمَا أَخْبَرَتَاهُ بِالْقِصَّةِ وَبِقَوْلِهِ: فقالَ أَبُوهُمَا ـ وَهُوَ شُعَيْبٌ ـ هَذَا رَجُلٌ جَائِعٌ، فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا: اذْهَبِي فَادْعِيهِ.

فَلَمَّا أَتَتْهُ عَظَّمَتْهُ وَغَطَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ: ﴿إِنَّ أَبي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾. فَشَقَّ عَلَى مُوسَى حِينَ ذَكَرَتْ: ﴿أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾. وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ يَتْبَعَهَا لأَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْجِبَالِ جَائِعًا مُسْتَوْحِشًا، فَلَمَّا تَبِعَهَا هَبَّتِ الرِّيحُ فَجَعَلَتْ تَصْفِقُ ثِيَابَهَا عَلَى ظَهْرِهَا فَتَصِفُ لَهُ عَجِيزَتَهَا، وَكَانَتْ ذَاتَ عَجُزٍ، وَجَعَلَ مُوسَى يَعْرِضُ مَرَّةً وَيَغُضُّ أُخْرَى، فَلَمَّا عِيلَ صَبْرُهُ نَادَاهَا: يَا أَمَةَ اللهِ كُونِي خَلْفِي وَأَرِينَي السَّمْتَ ـ الطَّريقَ ـ بِقَوْلِكِ.

فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى شُعَيْبٍ إِذَا هُوَ بِالْعَشَاءِ مُهَيَّأً، فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: اجْلِسْ يَا شَابُّ فَتَعَشَّ.

فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَعُوذُ بِاللهِ.

فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: لِمَ؟ أَمَا أَنْتَ جَائِعٌ؟

قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عِوَضًا لِمَا سَقَيْتُ لَهُمَا، وَأَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ لَا نَبِيعُ شَيْئًا مِنْ دِينِنَا بِمِلْءِ الأَرْضِ ذَهَبًا.

فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: لَا يَا شَابُّ، وَلَكِنَّهَا عَادَتِي وَعَادَةُ آبَائِي، نُقْرِي الضَّيْفَ وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ.

فَجَلَسَ مُوسَى فَأَكَلَ.

فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِائَةُ دِينَارٍ عِوَضًا لِمَا حَدَّثْتُ فَالْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ في حَالِ الاِضْطِرَارِ أَحَلُّ مِنْ هَذِهِ، وَإِنْ كَانَ لِحَقٍّ لي في بَيْتِ الْمَالِ فَلي فِيهَا نُظَرَاءُ، فَإِنْ سَاوَيْتَ بَيْنَنَا وَإِلَّا فَلَيْسَ لي فِيهَا حَاجَةٌ. اهـ.

**   **    **

تاريخ الكلمة:

يوم الإثنين: 5/ رمضان / 1444 هـ، الموافق: 27/ آذار / 2023 م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ﴾

08-05-2023 120 مشاهدة
83ـ شريح القاضي

ابْتَاعَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الأَعْرَابِ وَنَقَدَهُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ امْتَطَى صَهْوَتَهُ وَمَضَى بِهِ. لَكِنَّهُ مَا كَادَ يَبْتَعِدُ بِالفَرَسِ طَوِيلًا حَتَّى ظَهَرَ فِيهِ ... المزيد

 08-05-2023
 
 120
19-04-2023 125 مشاهدة
82ـ امرؤ سريرته كعلانيته (الحسن البصري)

حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: لَقِيتُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ في الحِيْرَةِ فَقَالَ لِي: أَخْبِرْنِي عَنْ حَسَنِ البَصْرَةِ، فَإِنَّي أَظُنُّ أَنَّكَ تَعْرِفُ مِنْ أَمْرِهِ مَا لَا يَعْرِفُ سِوَاكَ. فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيرَ، ... المزيد

 19-04-2023
 
 125
14-04-2023 105 مشاهدة
81ـ أتحلف من أجل درهمين

وُلِدَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَرُبِّيَ في بَيْتٍ يَتَضَوَّعُ الوَرَعَ وَالتُّقَى (يَنْتَشِرُ انْتِشَارَ المِسْكِ) مِنْ كُلِّ رُكْنٍ مِنْ ... المزيد

 14-04-2023
 
 105
11-04-2023 134 مشاهدة
80ـ حتى لا يتثاقل مظلوم عن رفع ظلامته

يَرْوِي قَاضِي المُوصِلِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ فَيَقُولُ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَطُوفُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَسْوَاقِ حِمْصَ لِيَتَفَقَّدَ البَاعَةَ وَيَتَعَرَّفَ عَلَى الأَسْعَارِ، إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ... المزيد

 11-04-2023
 
 134
11-04-2023 76 مشاهدة
79ـ أشهد لي بذلك أيها أمير

يَرْوِي دُكَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ الرُّجَّازِ البُدَاةِ فَيَقُولُ: امْتَدَحْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ يَوْمَ كَانَ وَالِيًا عَلَى المَدِينَةِ، فَأَمَرَ لِي بِخَمْسَ عَشْرَةَ نَاقَةً مِنْ كَرَائِمِ الإِبِلِ. ... المزيد

 11-04-2023
 
 76
11-04-2023 88 مشاهدة
78ـ ما أبعد ما ترجوه

يَرْوِي العَابِدُ الزَّاهِدُ زِيَاد بْنُ مَيْسَرَةَ المَخْزُومِيُّ بِالوَلَاءِ فَيَقُولُ: أَرْسَلَنِي مَوْلَايَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَيَّاشٍ مِنَ المَدِينَةِ إلى دِمَشْقَ لِلِقَاءِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ في حَوَائِجَ ... المزيد

 11-04-2023
 
 88

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5593
المقالات 3079
المكتبة الصوتية 4569
الكتب والمؤلفات 19
الزوار 410614497
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :