873ـ خطبة الجمعة: وصايا للطلاب أيام الامتحان

873ـ خطبة الجمعة: وصايا للطلاب أيام الامتحان

873ـ خطبة الجمعة: وصايا للطلاب أيام الامتحان

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: في هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ يَعِيشُ طُلَّابُ وَطَالِبَاتُ المُسْلِمِينَ هُمُومَ الامْتِحَانَاتِ وَالاخْتِبَارَاتِ، أَسْأَلُ اللهَ تعالى العَلِيَّ القَدِيرَ أَنْ يُعِينَهُمْ وَيُوَفِّقَهُمْ وَيَشْرَحَ صُدُورَهُمْ، وَيُذَكِّرَهُمْ مَا نَسُوهُ، وَيُعَلِّمَهُمْ مَا جَهِلُوهُ، وَيَفْتَحَ عَلَيْهِمْ فُتُوحَ عِبَادِهِ المُوَفَّقِينَ، وَيَجْعَلَهُمْ قُرَّةَ عَيْنٍ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِوَالِدِيهِمْ وَللمُسْلِمِينَ عَامَّةً، وَلِأَهْلِ هَذَا البَلَدِ خَاصَّةً.

وَصَايَا للطُّلَّابِ أَيَّامَ الامْتِحَانِ:

أَيُّهَا الطُّلَّابُ وَالطَّالِبَاتُ، خَيْرُ الوَصَايَا وَأَنْفَعُهَا وَأَصْلَحُهَا، وَصِيَّةُ اللهِ تعالى للأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ﴾.

وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّ مَنِ اتَّقَى اللهَ تعالى جَعَلَ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾.

كُونُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّ مَنِ اتَّقَى اللهَ تعالى جَعَلَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا، وَجَعَلَ لَهُ العَسِيرَ يَسِيرًا، وَآتَاهُ اللهُ تعالى خَيْرًا كَثِيرًا؛ هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: بَعْدَ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ تَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ تعالى، لَا عَلَى حِفْظِكُمْ، وَلَا عَلَى ذَاكِرَتِكُمْ وَجِدِّكُمْ وَاجْتِهَادِكُمْ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.

تَوَكَّلُوا عَلَى الحَيِّ القَيُّومِ العَلِيمِ الخَبِيرِ، وَقُولُوا في سُجُودِكُمْ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، لَا تَكِلْنَا إلى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ؛ فَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ تعالى كَفَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى نَفْسِهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا هَلَكَ.

ثَالِثًا: اتَّقُوا اللهَ تعالى في أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ، لَا تُحَمِّلُوا أَنْفُسَكُمْ مَا لَا تُطِيقُونَ مِنَ السَّهَرِ، فَإِنَّ المُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى.

رَابِعًا: إِيَاكُمْ وَالغِشَّ وَالتَّزْوِيرَ، فَإِنَّهُ خِيَانَةٌ، وَمَنْ بَنَى عِلْمَهُ عَلَى الغِشِّ سَلَبَهُ اللهُ تعالى خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَمَنْ نَجَحَ بِالغِشِّ وَالتَّزْوِيرِ كَانَ فَاشِلًا، وَكَانَ ضَرَرًا عَلَى أُمَّتِهِ وَأَهْلِ بَلَدِهِ، وَوَاقِعُنَا يُصَدِّقُ هَذَا.

خَامِسًا: كُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنَ الحَسَدِ، تَنَافَسُوا وَلَكِنْ عَلَى النَّحْوِ الذي يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، احْذَرُوا مِنْ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ غَيْرِكُمْ، فَالحَسَدُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ.

سَادِسًا: كُونُوا رَاضِينَ عَنِ اللهِ تعالى في قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَاحْذَرُوا مِنَ التَّسَخُّطِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا مَعْشَرَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، ارْحَمُوا أَبْنَاءَكُمْ وَبَنَاتِكُمْ، وَارْتَقُوا بِهِمْ، خُذُوهُمْ بِالعَطْفِ وَالحَنَانِ، وَاشْمَلُوهُمْ بِالمَوَدَّةِ وَالإِحْسَانِ، وَأَعِينُوهُمْ عَلَى هُمُومِ الاخْتِبَارِ وَالامْتِحَانِ، وَخَفِّفُوا عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ وَيَسِّرُوا عَلَيْهِمْ، وَبَشِّرُوهُمْ وَلَا تُنَفِّرُوهُمْ، أَعِينُوهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَشُدُّوا هِمَمَهُمْ، وَعَلِّمُوهُمُ الرِّضَا عَنِ اللهِ تعالى فِيمَا قَضَى وَقَدَّرَ.

أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ، شَارِكُوا أَوْلَادَكُمْ أَفْرَاحَهُمْ وَأَحْزَانَهُمْ، وَأَدْخِلُوا السُّرُورَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ ذُرِّيَّةٌ ضَعِيفَةٌ، تَحْتَاجُ مِنْكُمْ إلى عَطْفٍ وَإِحْسَانٍ، اللهَ اللهَ في كَسْرِ القُلُوبِ، اللهَ اللهَ في أَذِيَّةِ الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ بِكَلِمَاتٍ جَارِحَةٍ، أَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّ جَبْرَ الخَاطِرِ في جَبْرِ الخَاطِرِ، وَكَسْرَ الخَاطِرِ في كَسْرِ الخَاطِرِ.

أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا المُعَلِّمُونَ وَالمُعَلِّمَاتُ، أَيُّهَا المُرَبُّونَ وَالمُرَبِّيَاتُ، اللهَ اللهَ في فِلْذَاتِ أَكْبَادِ المُسْلِمِينَ، اتَّقُوا اللهَ تعالى فِيهِمْ، كُونُوا أَشِدَّاءَ بِدُونِ عُنْفٍ، وَرُحَمَاءَ بِدُونِ ضَعْفٍ، وَأَعْطُوا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَزِنُوا بِالقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ.

وَاعْلَمُوا أَيُّهَا المُعَلِّمُونَ وَالمُعَلِّمَاتُ، أَنَّ الاخْتِبَارَ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّعْجِيزُ وَالأَذِيَّةُ وَالإِضْرَارُ، فَالطُّلَّابُ ذُرِّيَّةٌ ضَعِيفَةٌ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، إِيَّاكُمْ أَنْ تَشُقُّوا عَلَيْهِمْ، فَتُكَلِّفُوهُمْ مَا لَا يَسْتَطِيعُونَ، أَو تُحَمِّلُوهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَاسْمَعُوا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

اللهَ اللهَ أَنْ يُشَقَّ عَلَيْكُمْ، فَاتَّقُوا اللهَ تعالى في أَبْنَاءِ المُسْلِمِينَ، وَأَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ، ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، قَدِّرُوا ضَعْفَهُمْ، وَاشْمَلُوهُمْ بِالعَطْفِ وَالحَنَانِ.

اللَّهُمَّ تَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20/ ذو القعدة /1444هـ، الموافق: 9/ حزيران / 2023م

 2023-06-09
 880
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-04-2025 147 مشاهدة
934ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (2)

لَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ، وَوَعْدُهُ تَعَالَى لَا يُخْلَفُ، بَلْ أَوْضَحَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ أَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ ... المزيد

 17-04-2025
 
 147
10-04-2025 487 مشاهدة
933ـ خطبة الجمعة: أسباب النصر (1)

مِنَ المَعْلُومِ عِنْدَ كُلِّ إِنْسَانٍ مُسْلِمٍ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعَدَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرَ هَذَا الدِّينَ، وَأَنْ يُمَكِّنَ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ... المزيد

 10-04-2025
 
 487
28-11-2024 3993 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 3993
22-11-2024 1460 مشاهدة
931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ... المزيد

 22-11-2024
 
 1460
14-11-2024 1732 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 1732
04-10-2024 5748 مشاهدة
929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. ... المزيد

 04-10-2024
 
 5748

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5679
المقالات 3209
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422621134
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :