875ـ خطبة الجمعة: العافية مقرونة مع الإقبال على الله تعالى

875ـ خطبة الجمعة: العافية مقرونة مع الإقبال على الله تعالى

875ـ خطبة الجمعة: العافية مقرونة مع الإقبال على الله تعالى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ أَحَبَّ صَلَاحَ الحَالِ فَلْيُصلِحِ الأَعْمَالَ، وَمَنْ أَحَبَّ دَوَامَ العَافِيَةِ فَلْيَتَّقِ اللهَ تعالى رَبَّهُ، وَلَا يَعْرِفُ العَبْدُ الزِّيَادَةَ مِنَ النُّقْصَانِ إِلَّا إِذَا حَاسَبَ نَفْسَهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ رَأَى تَكْدِيرًا في حَيَاتِهِ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ نِعْمَةً أُسْبِغَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَشْكُرْ، أَو زَلَّةً وَقَعَتْ مِنْهُ فَلَمْ يَسْتَغْفِرْ، وَلْيَحْذَرِ العَبْدُ مِنْ نَفَادِ النِّعَمِ وَمُفَاجَأَةِ النِّقَمِ، مَنْ صَفَا صُفِّيَ لَهُ، وَمَنْ كَدَّرَ كُدِّرَ عَلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

العَافِيَةُ مَقْرُونَةٌ مَعَ الإِقْبَالِ عَلَى اللهِ تعالى:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَعَ مُتَغَيِّرَاتِ الزَّمَنِ، وَتَقَلُّبَاتِ الأَحْوَالِ، وَمُثِيرَاتِ الشَّهَوَاتِ، وَفِتَنِ الشُّبُهَاتِ، ثُمَّ مَعَ حُلُولِ مَوَاسِمِ الخَيْرَاتِ، وَفُرَصِ النَّفَحَاتِ كَمْ قُلُوبُنَا بِحَاجَةٍ للتَّذْكِيرِ وَالعِظَاتِ لَعَلَّهَا تَلِينُ بَعْدَ قَسْوَةٍ، وَتَنْقَشِعُ بِهَا غُيُومُ الغَفْلَةِ، وَتَرْتَفِعُ الحُجُبُ عَنْهَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَنْ نَجِدَ طَعْمَ العَافِيَةِ حَتَّى نَكُونَ عَلَى الطَّاعَةِ مُقِيمِينَ، وَلِذِكْرِ اللهِ تعالى وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ مِنَ التَّالِينَ، وَللأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ مُلَازِمِينَ، وَعَلَى التَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا مُحَافِظِينَ.

فَلَا أَنِيسَ لَنَا في وَحْشَةِ قُبُورِنَا إِلَّا العَمَلُ الصَّالِحُ، وَلَا يَقِي مِنْ عَذَابِ النِّيرَانِ إِلَّا الإِيمَانُ، وَلَا يُثَبِّتُ الأَقْدَامَ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَّا الاسْتِقَامَةُ عَلَى صِرَاطِ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ، فَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ وَهُمْ أَهْلُ السَّلَامَةِ سَلِمَ، وَمَنِ انْحَرَفَ عَنْ نَهْجِهِمْ نَدِمَ وَهَلَكَ، فَالعِزُّ عِزُّ الطَّاعَاتِ، وَالأُنْسُ أُنْسُ الإِحْسَانِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الفَائِزِينَ فَازَ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الهَالِكِينَ هَلَكَ، فَطُوبَى لِمَنْ تَذَكَّرَ وَاعْتَبَرَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: تَعَوَّذُوا بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْ تَمُرَّ بِكُمْ مَوَاسِمُ الخَيْرَاتِ وَالنَّفَحَاتِ، وَلَا تَزْدَادُونَ قُرْبًا مِنَ اللهِ تعالى وَهُدًى وَاسْتِقَامَةً، تَعَوَّذُوا بِاللهِ تعالى مِنْ أَنْ تَكُونُوا مِمَّنْ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.

يَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ في مَوَاسِمِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وَقَدِ انْقَضَى نِصْفُهَا، كَمَا انْقَضَى شَهْرُ رَمَضَانَ، فَهَلْ مِنْ مُغْتَنِمٍ لِمَا بَقِيَ مِنْهَا؟ وَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ لِأَهْلِ الطَّاعَاتِ فِيهَا؟

يَا عِبَادَ اللهِ: سِلْعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، فَشَمِّرُوا عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ لَهَا، بِكَثْرَةِ تِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ تعالى، مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَحْمِيدٍ وَتَكْبِيرٍ، وَصَلَاةٍ وَسَلَامٍ عَلَى سَيِّدِ الوُجُودِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ، التي يُحِبُّ اللهُ تعالى فِيهَا العَمَلَ الصَّالِحَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: أُذَكِّرُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِالحَدِيثِ القُدْسِيِّ الذي يَرْوِيهِ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ».

أَكْثِرُوا في هَذِهِ الأَيَّامِ مِنَ النَّوَافِلِ مِنْ صَلَاةٍ وَقِيَامٍ وَصَدَقَةٍ، وَخَاصَّةً الأُضْحِيَةَ لِمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا، فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: تَفَكَّرُوا في عَوَاقِبِ الدُّنْيَا، وَتَفَكَّرُوا فِيمَا أَنْتُمْ مُقْبِلُونَ عَلَيْهِ، فَلَا تَغْتَرُّوا بِصِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ، وَمَالٍ وَجَاهٍ وَسِيَادَةٍ وَرِيَادَةٍ، تَذَكَّرُوا المَوْتَ وَمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَعْظَمُ عُقُوبَةٍ تَقَعُ عَلَى العَبْدِ هِيَ عُقُوبَةُ عَدَمِ الإِحْسَاسِ فِيهَا، لَا يَفْرَحُ عَبْدٌ بِمَالٍ حَرَامٍ، وَلَا بِذَنْبٍ تَمَكَّنَ مِنْهُ، وَمِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ العُقُوبَاتِ سَلْبُ لَذَّةِ مُنَاجَاةِ اللهِ تعالى، لَذَّةِ الإِقْبَالِ عَلَى اللهِ تعالى، لَذَّةِ الطَّاعَاتِ، وَالوُقُوعُ في المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ.

اللَّهُمَّ أَشْرِكْنَا في دُعَاءِ عِبَادِكَ الحُجَّاجِ وَالمُعْتَمِرِينَ وَالزَّائِرِينَ لِجَنَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 5/ ذو الحجة /1444هـ، الموافق: 23/ حزيران / 2023م

 2023-06-22
 2626
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

01-12-2023 242 مشاهدة
892ـ خطبة الجمعة: الإسلام رفع الإنسان فوق كل المقدسات

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدِ اعْتَادَ شَيَاطِينُ الإِنْسِ الذينَ دَارُوا في فَلَكِ شَيَاطِينِ الجِنِّ عَلَى التَّسَتُّرِ وَرَاءَ شِعَارَاتٍ بَرَّاقَةٍ وَاهِيَةٍ، تَبْدُو في ظَاهِرِهَا مَعْقُولَةً وَجَمِيلَةً وَحَسَنَةً، يُلْقِي ... المزيد

 01-12-2023
 
 242
23-11-2023 1188 مشاهدة
891ـ خطبة الجمعة: قوم لن يغلبوا

إِنَّ مَعْرَكَةَ الإِسْلَامِ مَعَ الكُفْرِ لَيْسَتْ وَلِيدَةَ اليَوْمِ، بَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ مُنْذُ أَنْ وُجِدَ الإِنْسَانُ، وَلَنْ يَخْلُوَ زَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ مِنْ تِلْكَ المَعْرَكَةِ الضَّارِيَةِ، غَيْرَ أَنَّ النُّورَ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا ... المزيد

 23-11-2023
 
 1188
16-11-2023 2132 مشاهدة
890ـ خطبة الجمعة: لا تزال الابتلاءات الأمة

إِنَّ مَعْرَكَةَ الإِسْلَامِ مَعَ الكُفْرِ لَيْسَتْ وَلِيدَةَ اليَوْمِ، بَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ مُنْذُ أَنْ وُجِدَ الإِنْسَانُ، وَلَنْ يَخْلُوَ زَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ مِنْ تِلْكَ المَعْرَكَةِ الضَّارِيَةِ، غَيْرَ أَنَّ النُّورَ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا ... المزيد

 16-11-2023
 
 2132
05-10-2023 3229 مشاهدة
889ـ خطبة الجمعة: القرآن العظيم منهج حياة

يَا مَنْ أَسْعَدَكُمُ اللهُ تعالى بِالإِيمَانِ، وَشَرَحَ صُدُورَكُمْ للإِسْلَامِ، اعْلَمُوا أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ لَكُمْ مِيرَاثًا، إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ نِلْتُمْ مَا نَالَهُ ... المزيد

 05-10-2023
 
 3229
28-09-2023 2185 مشاهدة
888ـ خطبة الجمعة: ميراث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

لَقَدْ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا تَكُونَ حَياَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَوِيلَةً، فَكَانَتِ الأَرْبَعُونَ عَامًا مِنْهَا تَهْيِئَةً رَبَّانِيَّةً للمُهِمَّةِ العَظِيمَةِ ... المزيد

 28-09-2023
 
 2185
21-09-2023 1601 مشاهدة
887ـ خطبة الجمعة: اختياره صلى الله عليه وسلم من الأزل

في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ يَتَجَدَّدُ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ حُبُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي هُوَ أَصْلُ شَرَفِنَا وَمَصْدَرُ فَخْرِنَا وَعِزِّنَا في هَذَا العَالَمِ. نَعَمْ، ... المزيد

 21-09-2023
 
 1601

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5601
المقالات 3123
المكتبة الصوتية 4671
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 410681454
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2023 
برمجة وتطوير :