931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله   

931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله   

931ـ خطبة الجمعة: الدافع إلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: الإنْسَانُ السَّوِيُّ مَجْبُولٌ وَمَفْطُورٌ مِنْ أَصْلِ خَلْقِهِ عَلَى الحُبِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إِنْسَانٍ سَوِيٍّ عَاقِلٍ بِدُونِ حُبٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الحُبُّ مُدَنَّسًا أَمْ مُقَدَّسًا، فَالمُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ هُوَ المُحِبُّ حُبًّا مُقَدَّسًا لَا مُدَنَّسًا.

فَالإِنْسَانُ مَفْطُورٌ عَلَى حُبِّ نَفْسِهِ، وَعَلَى حُبِّ وَلَدِهِ، وَلَوْلَا هَذَا الحُبُّ لَمَا تَعَمَّرَتِ البُيُوتُ، وَلَمَا تَعِبَ الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ، مَفْطُورٌ عَلَى حُبِّ جَمَالِ الخَلْقِ وَجَمَالِ الخُلُقِ، مَفْطُورٌ عَلَى حُبِّ مَنْ جَلَبَ لَهُ نَفْعًا، أَو دَفَعَ عَنْهُ ضَرَراً، وَالإِنْسَانُ يُحِبُّ مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهِ، وَيُحِبُّ الخَيْرَ لِلْغَيْرِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا كَانَ الإِنْسَانُ مَفْطُورًا عَلَى حُبِّ جَمَالِ الخَلْقِ وَالخُلُقِ، وَعَلَى حُبِّ مَنْ يَجْلِبُ لَهُ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَراً، فَلَنْ يَجِدَ في الكَوْنِ إِنْسَانًا كَامِلًا بِخَلْقِهِ وَخُلُقِهِ، وَيَجْلِبُ النَّفْعَ لَهُ، وَيَدْفَعُ الـضَّرَرَ عَنْهُ، إِلَّا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

الدَّافِعُ إِلَى مَحَبَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الدَّوَافِعَ إِلَى مَحَبَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، أَعْلَاهَا وَأَعْظَمُهَا أَمْرُ اللهِ تعالى وَأَمْرُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَمِنْ دَوَافِعِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، قَالَ تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَإِذَا كَانَ الوَلَدُ يُحِبُّ أَبَاهُ لِأَنَّهُ سَبَبُ وُجُودِهِ في هَذِهِ الدُّنْيَا، دَارِ التَّعَبِ وَالشَّقَاءِ، وَهُوَ الَّذِي رَبَّاهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَحَبَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ هِيَ الأَوْلَى، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَبَبُ نَجَاتِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

وَمِنْ دَوَافِعِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حِرْصُ المُؤْمِنِ عَلَى مَعِيَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا كَانَ رَجُلَانِ تَحَابَّا في اللهِ تعالى اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، حَشَرَهُمَا اللهُ تعالى تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ، وَالمُتَحَابُّونَ في جَلَالِ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَخَاهُ في اللهِ أَحَبَّهُ اللهُ تعالى، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الحَاكِمُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ».

فَكَيْفَ بِمَنْ يُحِبُّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا عَرَفَتِ البَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ رَسُولًا مِنَ الرُّسُلِ الكِرَامِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى أُمَّتِهِ كَسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى أُمَّتِهِ وَعَلَى نَجَاتِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَذَابِ اللهِ تعالى، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي».

وَقَدْ بَيَّنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ آخِذٌ بِحُجَزِ أُمَّتِهِ حَتَّى لَا يَقَعُوا في النَّارِ، وَهُمْ يَتَفَلَّتُونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ لِيَقَعُوا فِيهَا، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ نَجَاتَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ تعالى، وَهُمْ يُرِيدُونَ هَلَاكَ أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ سَعَادَتَهُمْ في الدَّارَيْنِ، وَهُمْ يُرِيدُونَ شَقَاوَتَهُمْ في الدَّارَيْنِ؛ فَهَلْ يُعْقَلُ هَذَا الأَمْرُ؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20/ جمادى الأولى /1446هـ، الموافق: 22/ تشرين الأول / 2024م

 2024-11-22
 223
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-11-2024 282 مشاهدة
932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ... المزيد

 28-11-2024
 
 282
14-11-2024 507 مشاهدة
930ـ خطبة الجمعة: غرس الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم في الجمادات وغيرها

لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ نَبِيَّنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ المِيزَاتِ وَالخَصَائِصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ ... المزيد

 14-11-2024
 
 507
04-10-2024 2782 مشاهدة
929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. ... المزيد

 04-10-2024
 
 2782
27-09-2024 1746 مشاهدة
928ـ خطبة الجمعة: الآداب المطلوبة من كل مسلم

لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَتَأَدَّبُ مَعَ حَبِيبِهِ ... المزيد

 27-09-2024
 
 1746
20-09-2024 1265 مشاهدة
927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد

 20-09-2024
 
 1265
13-09-2024 1301 مشاهدة
926ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (2)

العَارُ كُلُّ العَارِ أَنْ لَا يَعْرِفَ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ المَعْرِفَةِ لَمْ يَرْتَبْ وَلَمْ يَشُكَّ في صِدْقِهِ وَفي صِدْقِ مَا جَاءَ ... المزيد

 13-09-2024
 
 1301

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5633
المقالات 3197
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 419062436
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :