11ـ كلمة في حفل المولد في جامع سيدنا شعيب عليه السلام بإدلب

11ـ كلمة في حفل المولد في جامع سيدنا شعيب عليه السلام بإدلب

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

نعمة الإيمان أعظم النعم على الإطلاق:

فإن أعظم نعمة منَّ الله عز وجل علينا بها هي نعمة الإيمان بالله عز وجل، ونعمة الإيمان بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وسوف تتجلى عظمة هذه النعمة علينا عندما نرى العبد الكافر يوم القيامة وهو يعضُّ على يديه حسرة وندامة لأنه ما آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}.

وعندما نرى حسرة العبد الكافر الذي عصى الله تعالى، وعصى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا}.

أيها الإخوة الكرام: نعمة الإيمان بالله تعالى، والإيمان بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من أجلِّ وأعظم النعم، فطوبى لمن ولد عليها، وعاش عليها، ومات عليها.

أسألك يا رب بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تديم علينا هذه النعمة حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا، يا أرحم الراحمين.

كلُّ شيء في خدمة الإنسان:

أحبابَ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، الكلُّ يعلم قول الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}. فالوجود كلُّه من فرشه إلى عرشه مخلوق لله عز وجل، فالله تعالى خالق السموات والأرض، وخالق ما بينهما، فالجماد خلقه، والنبات خلقه، والحيوان خلقه، والإنسان خلقه.

وجعل الله تعالى الجماد خادماً للنبات والحيوان والإنسان، وجعل النبات خادماً للحيوان والإنسان، وجعل الجماد والنبات والحيوان خادماً للإنسان، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ}. الكلُّ قائم بوظيفته بالقهر لخدمة هذا الإنسان، ولا يتخلَّف واحد منهم عن خدمة هذا الإنسان سواء كان مؤمناً أم كافراً.

فما هي وظيفتك أيها المخدوم؟

أيها الإخوة الكرام: إذا عرفنا هذا، وجب علينا أن نعرف ما هي وظيفتنا في هذه الحياة، الكلُّ في خدمة الإنسان، والإنسان المخدوم ما هي وظيفته؟

إذا كان العبد ينسى أو يتناسى وظيفته، فإني أقول: أخي الكريم الحجة قائمة عليك، لأنك مُلَقَّنٌ وظيفتك من حيث تدري ومن حيث لا تدري، من منا لم يحفظ قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}؟

أنت مطلوب منك الانقياد لأوامر الله تعالى بالاختيار، وهذا من تكريم الله تعالى لك أن جعلك غير منقاد لأمره بالقهر.

فلا تكن أيها العبد المخدوم غافلاً عن وظيفتك التي خُلقت من أجلها، ولا تنساها بل ولا تتناساها، لأن العبد إذا كان غافلاً عن مهمته كان كلُّ شيء خيراً منه وأفضل عند الله عز وجل.

الوجود كلُّه يعقل عن الله تعالى:

أيها الأحبة الكرام: لا يليق بالإنسان العاقل الذي ينظر إلى كل شيء دونه مما لا يعقل أن يكون غافلاً عن الله عز وجل، لأن الحقيقة أن كل شيء دونك لا يعقل، هذا صحيح، ولكن هو لا يعقل بالنسبة لك، ولا يستطيع أن يعقل عنك، كما أنك لا تستطيع أن تعقل عنه، كما لو أتاك إنسان يتكلم بغير لغتك فأنت لا تعقل عنه، وهو لا يعقل عنك إلا إذا فقهت لغته وفقه لغتك.

ولكن هذه الجمادات والنباتات والحيوانات كلها تعقل عن الله تعالى، وتقوم بوظيفتها التي خلقت من أجلها.

الأدلة على أن كلَّ شيء يعقل عن الله تعالى:

أيها الأحبة: قد يستغرب أحدنا هذا، ولكن من قرأ القرآن بتدبُّر فإنه لا يستغرب هذا على الإطلاق أبداً، فالأدلة في القرآن الكريم على أن كلَّ شيء يعقل عن الله تعالى كثيرة، منها:

أولاً: يقول الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين}. قال لها مولانا عز وجل، وقالت هي لمولانا عز وجل.

ألا ترون أيها الإخوة، أن هذه الجمادات من عالم السماء والأرض أعقل من العبد الكافر الذي يتمرَّد على أوامر الله تعالى؟

ولا تقل يا أخي الكريم: بأي لغة تكلَّم الله تعالى معها، وبأي لغة أجابت مولانا عز وجل، هذا ليس من وظيفتنا، فطوبى لعبدٍ اشتغل بوظيفته التي خُلِق من اجلها.

ثانياً: قول الله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}. وقوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}. جاء في صيغة الماضي، وقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}. بصيغة المضارع والاستمرارية، فكلُّ شيء في الوجود من فرشه إلى عرشه يسبِّح بحمد الله تعالى، والإنسان لا يفقه هذا التسبيح.

ثالثاً: جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام البيهقي عن عبد الله بن حفص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (ما من شيء إلا يعلم أني رسول الله، إلا كفرة - أو فسقة - الجن والإنس). وهذا دليل على أنها تعقل، ولكن ليست تعقل عن الإنسان، كما أن الإنسان لا يعقل عنها إلا إذا شاء الله تعالى.

رابعاً: هذه الجمادات لها انفعالات رضا وغضب من ابن آدم، وهذا ما جاء بيانه في القرآن العظيم، وفي السنة المطهرة.

أما في القرآن قول الله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}. انفعال غضب من الجمادات نحو العبد الكافر الذي نسب الولد لله عز وجل.

وأما في السنة، فالكل يعرف حديث جبل أحد، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ).

وحديث الجذع كلُّنا يعرفه كذلك، الذي رواه الإمام أحمد جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه يَقُولُ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَسْتَنِدُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ مِنْبَرُهُ اسْتَوَى عَلَيْهِ، اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ كَحَنِينِ النَّاقَةِ، حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى نَزَلَ إِلَيْهَا فَاعْتَنَقَهَا فَسَكَنَتْ، وَقَالَ رَوْحٌ: فَسَكَتَتْ، وَقَالَ ابْنُ بَكْرٍ: فَاضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ، وَقَالَ رَوْحٌ: اضْطَرَبَتْ كَحَنِينِ).

ويقول سيدنا أنس رضي الله عنه: (يا معشر المسلمين، الخشب يحنُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفليس الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا إليه ؟) رواه عبد الله بن المبارك في مسنده.

استجابة الجمادات لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:

أيها الإخوة الكرام: هذه الجمادات التي لا تعقل في نظرنا، هل تعلمون أنها كانت تستجيب لأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟ والأدلة على ذلك كثيرة منها:

أولاً: انشقاق القمر، قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر}. انفلق القمر فلقتين بإذن الله تعالى عندما أشار إليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، عندما طلب منه قومه آية تدلُّ على صدقه.

ثانياً: استجابة السحاب لإشارة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة، فقام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله أن يسقينا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة سحاب، فدار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن المنبر حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته الشريفة، قال: فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، ادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا قال: فما جعل يشير بيديه إلى ناحية السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجونة، حتى سال الوادي شهراً فلم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود).

ثالثاً: استجابة الشجرة لدعوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كما جاء في كتاب الشفا عن بريدة سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم آية فقال له: قل لتلك الشجرة: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدعوك، قال: فمالت الشجرة عن يمينها وشمالها وبين يديها وخلفها، فتقطعت عروقها، ثم جاءت تخدُّ الأرض تجرُّ عروقها مغبرة حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: السلام عليك يا رسول الله، قال الأعرابي: مرها فلترجع إلى منبتها، فرجعت فدلَّت عروقها فاستوت، فقال الأعرابي: ائذن لي أسجد لك، قال: لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، قال: فأذن لي أن أقبِّل يديك ورجليك، فأذن له).

أين استجابة العقلاء لأمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:

أيها الإخوة الكرام: إذا عرفنا هذا، فتعالوا نتساءل: أين استجابة العقلاء لأمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟ مع أن الله تعالى يقول لنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون}.

لأن الغاية من الاحتفال أن نعرف ما هو مطلوب منا، وليست الغاية من الاحتفالات بذكرى المولد التبرُّك، فنحن لا ننكر التبرُّك أبداً، لأن هذا ثابت في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مع أصحابه الكرام.

أيها الإخوة الكرام: المطلوب منَّا، أن نتعلَّم وجوب الطاعة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، لأن الله تعالى بيَّن لنا بنصِّ القرآن العظيم الغاية من بعثته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}.

فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أرسله الله تعالى لنطيعه، ولنأخذ عنه ما آتانا، كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب}. كما جعله تعالى لنا أسوة سلوكية فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.

فمن أعرض عن الطاعة، ولم يتَّبع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقد عرَّض إيمانه للضياع لا قدَّر الله تعالى، وذلك لقوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.

أما من تشرَّف فأطاع أمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وتشرَّف باتباعه في أقواله وأفعاله كان في الجنة بإذن الله تعالى، قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا}. وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (كُلُّ أُمَّتِي يدْخُلُونَ الْجنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى، قِيلَ: وَمَنْ يَأَبى يا رسول اللَّه؟ قالَ: منْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجنَّةَ، ومنْ عصَانِي فَقَدْ أَبِي) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

خلق من أخلاق الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:

أيها الحفل الكريم: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هو قدوتنا الحسنة، حيث كان خلقه القرآن العظيم، كما تقول أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها.

أيها الإخوة الكرام: ربنا عز وجل أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين}. هل أخذ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالعفو أم لا؟ وأمر بالمعروف أم لا؟ وأعرض عن الجاهلين أم لا؟

لا شك ولا ريب بأن الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أخذ بالعفو، وأمر بالمعروف، وأعرض عن الجاهلين، وتجلَّى هذا في موقفه مع عدو الله عبد الله بن أبي بن سلول، الذي قال: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ). وهو الذي قال: (لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا). وهو الذي قال: (سمِّن كلبك يأكلك). وهو الذي افترى على الصديقة بنت الصدِّيق حبيبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، المبرَّأة من فوق سبع سموات ـ عليه من الله ما يستحق ـ.

هذا الخبيث الذي قال ما قال، وقف يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فاعترضه سيدنا عمر رضي الله عنه، روى البخاري وغيره عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}، وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ، قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}.

أيها الإخوة الكرام: صاحب الذكرى العطرة يقول لنا: (صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ) رواه الإمام أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. بعد أن امتثل أمر الله تعالى، وطبَّق ذلك على نفسه، أمرنا بهذا الأمر، فهل نمتثل أمره أم لا؟

أيها الإخوة: إن امتثال أمره في هذا الجانب هو بطاقة رابحة لنا دنيا وأخرى، وذلك لقوله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}.

اغتنموا أيها الإخوة أنفاس أعماركم قبل نهاية الأجل، حتى إذا جاءت سكرات الموت قلتم كما قال بعض أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عندما جاءته سكرات الموت: (واطرباه، غداً ألقى الأحبة محمداً وصحبه).

لأنَّ هناك من يقول عند سكرات الموت: {رَبِّ ارْجِعُون * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون}. وهناك من يقول: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُون}. وهناك من يقول: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}.

أحبابَ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، إن الفرح الحقيقي بذكرى المولد هو أن تتخلَّق بأخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم أكرمنا بذلك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

**     **     **

 

الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 

التعليقات [ 1 ]

m.wasem
 2011-03-05

جزاك الله كل خير وبارك فيك وجعلك الله من عباده المخلصين والعلماء العاملين. لقد غفل كثير من الناس عن هذه الحقيقة وهي أن المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بالاتباع. كم من الناس لا يدع حفلاً للمولد إلا ويحضره ولا يتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم, أين هذا من الحب؟ بارك الله فيك يا شيخنا وسدد الله خطاك لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله.

 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

09-04-2024 120 مشاهدة
142ـ كلمات في مناسبات: فجر عيد الفطر 1445 هـ

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَخَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، دَخَلْنَا هَذَ المَوْسِمَ العَظِيمَ، حَيْثُ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، ... المزيد

 09-04-2024
 
 120
28-09-2023 695 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 695
07-03-2023 696 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 696
28-09-2022 649 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 649
09-07-2022 545 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 545
08-07-2022 477 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 477

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414149276
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :