5ـ عهود رمضانية: العهد الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(1)

5ـ عهود رمضانية: العهد الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(1)

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد حبيب رب العالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فالعهد الذي نأخذه على أنفسنا في هذا اليوم هو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولكن هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حُرِمه الرجال والنساء إلا من رحم ربي سبحانه وتعالى، قلَّما أن تجد في المجتمع آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، وخاصة في صفوف النساء، وطبعاً المرأة تتعلم من زوجها وأبيها وأخيها وولدها وعمها وخالها، فإذا كان الزوج والولد والأب والعم والخال والجد ومحارم المرأة لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فمن أين تتعلم هذه المرأة؟ فبسبب سكوت الرجال عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمت المنكرات، واختفى المعروف في المجتمع، وربما وصلنا وبكل أسف أن نرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً. وطبعاً ينبغي أن نطمئن أنه في هذه الأمة لن يموت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وربِّ الكعبة، ولكن هل يا ترى لي ولك الشرف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أم إننا نقول: فلان يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتهت المسألة؟

لماذا تحرم نفسك أنت من هذا الشرف؟ ولماذا لا تسمع قول الله سبحانه وتعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} فإذا أردت أن تكون من المفلحين فعليك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا فكيف تطلب جنة الله؟ لو طلبت الجنة من دون عمل أتصل إليها؟ لو أن واحداً جالساً في هذا المسجد وهو يقول: يا رب، يا رب، ويقول بصدق: يا رب أوصلني إلى بيتي، نقول له: قم فامش، يقول: لا، الله قادر، نعم، الله قادر، ولكن الله طلب منك أن تأخذ بالأسباب، فقال: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} فإذا أردت الفلاح فهذا هو الطريق.

وربنا عز وجل مدح أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} وانظر كيف قدَّم الحق جلَّ وعلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مسألة الإيمان، فكأنه سبحانه وتعالى يقول: ما من مؤمن إلا وهو آمر بالمعروف وناه عن المنكر، وطبعاً عندما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فهذا لمصلحتك، فلو رأيت مدخناً فقل له: يا أخي اتق الله، حرام عليك، لا تشرب الدخان، وإن كنت أنت تشرب الدخان، لأن ذلك يدفعك أنت أن تقلع عن شرب الدخان حتى لا تكون ممن قال فيهم ربنا جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون}، أما إذا لم تأمر بالمعروف وتنه عن المنكر لأنك تفعل هذه المعصية، فأنت بوقوعك في هذا المنكر هذه معصية، وأضفت إليها معصية ثانية وهي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولذلك ربنا عز وجل عندما أقسم بالدهر قال: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يكون موصياً بالحق وبالصبر، ولذلك سيدنا لقمان رضي الله عنه عندما أوصى ولده قال له: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر}. أما أنا وأنت فبماذا نوصي أولادنا؟ دراستك، وعملك، وليس من شأنك أن تأمر أحداً بالصلاة أو الصيام، وبقراءة القرآن وبحضور مجالس العلم والذهاب إلى المسجد لا نريد مشاكل وما شابه ذلك! أبهذا تأمر ولدك؟ لنتذكر قول الله عز وجل: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} كل واحد يقول: هذا ليس شأني، انظر إلى الشر وابتعد عنه، فمن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إذاً؟ هل هذا من اختصاص طلاب العلم فقط، طالب العلم هل سيدخل إلى بيتك ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ فلا أقل من أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في دائرتك، ولو أن كلَّ واحد منا فعل ذلك في بيته مع أولاده وإخوته وأخواته، لصلح المجتمع. ولكن وبكل أسف تركنا مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا من رحم ربي.

ولذلك قال سيدنا لقمان رضي الله عنه: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر} وانتبه إلى قوله يا بني أقم الصلاة، وإقامة الصلاة أن تأتي بها شبحاً وروحاً، وشبحها القيام والقراءة والركوع والسجود والقعود الأخير... أما روحها فإنما هو الخشوع فيها، فإذا أتيت بالصلاة بهذا الشكل فربنا يقول: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} فإذا أقمت الصلاة انتهيت عن الفحشاء والمنكر، وعندما انتهيت عن الفحشاء والمنكر أصبحت أهلاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولذلك قال له: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر} ثم ماذا؟ لا تتأمل إن أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر أن يمدحك الناس، ويقبلوا يدك... ولكن إن أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فاصبر، ولذلك قال: {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} بمجرد أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وطّن نفسك للأذى، وقد يقول قائل: ألا أريح نفسي من هذا الأمر؟ نقول: إذاً هيئ نفسك للتعب الثاني، فإن لم تأمر بالمعروف ولم تنه عن المنكر فلن تطمئن على مالك وعرضك وأرضك ولا على دينك، لأنك إن كنت مستقيماً على طاعة الله عز وجل فإنك تكون قد قدمت الخير للمجتمع، ولكنك إذا لم تأمر بالمعروف ولم تنه عن المنكر، ـ وطبائع النفوس أمارة بالسوء، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق ـ، فإذا قدمت الخير للمجتمع فالمجتمع الذي لم يأتمر بالمعروف ولم ينته عن المنكر سيقدم لك الشر، فأصبح دينك ومالك وعرضك في خطر، وهذا هو واقعنا. كم وكم من أناس عندهم بيوت لا يؤجرونها، وأناس عندهم رؤوس أموال لا يشغلونها، وأناس عندهم بنات عازبات لا يزوجونهنّ، لأنهم لا يجدون صاحب الدين والخلق والأمانة، إذاً فنحن نعاني، وربما أن نرى بعض الناس ممن حافظ على الجمعة والجماعة وهو من أهل التقى والاستقامة، ولكنه متعب، خائف على ماله ونفسه وأرضه وعرضه وعلى نعم الله عز وجل، خائف من الناس، إذا فأنت قدمت الخير للمجتمع ولكنك ما حصدت من المجتمع إلا شراً لأنك لم تأمر بالمعروف ولم تنه عن المنكر. فعندما تكون رجلاً صالحاً في حي من الأحياء فإن أهل الحي كلهم آمنون منك، وإذا كان جارك شريراً؟ فهو آمن منك، وأما أنت فخائف منه، إذاً من مصلحتك أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر، ولذلك من أكبر الأخطاء أن تدعو الله على من ظلمك، لأنك إذا دعوت عليه وازداد ضلاله فإنه يشقيك ويشقي غيرك، ويتعبك ويتعب غيرك، أما عندما تدعو الله عز وجل له وتدعوه إلى الإسلام فقد ضمنت حقك وحق الآخرين.

ولذلك عندما يحدثنا النبي صلى الله عليه وسلم، كما يروي أبو داود عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله) قلت: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: (أجر خمسين منكم).

فمعنى: {عليكم أنفسكم} أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤدي الوظيفة، فإن رأيت بعد ذلك شحاً مطاعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك، ولكن تكون قد قمت بالواجب الذي عليك. وقد يقول قائل: أنا أريح نفسي من البداية. إذاً فلتتحمل النتائج. لذلك الحصاد الذي نجنيه في حياتنا من الشقاء من خيانة بالأموال والأعراض وخيانة للأرض وللعرض كل ذلك بسبب ترك الأمر بالمعروف وما نهينا عن المنكر، فهل نعاهد الله على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أولاً في دائرة البيت، ادخل إلى البيت وانظر ماذا يوجد فيه؟ التلفاز موجود، والمستقبل الفضائي موجود، ولا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر، وبعد ذلك حياتنا شقاء وجحيم، فالأمر طبيعي. فعندما نخطئ ونتوغل في الخطأ، ثم نرى التعب، فذلك نتيجة أعمالنا.

خطب رجل فتاة متبرجة، وكان هو غير مستقيم، ثم أكرمه الله بالهداية، فجاء إلى البيت، إن لم تتحجبي فأنت طالق بالثلاثة، وإن لم تمتنعي عن الاختلاط فأنت طالق بالثلاثة، وهكذا... يا أخي أنت الذي اخترتها بهذا الشكل، فعليك أن تتأنى، أنت عندما قصّرت وهدمت البيت، فعليك أن تبني بناء جديداً، لا أن تدمر هذا البيت وتعمر بدله آخر. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم) [رواه البخاري ومسلم].

عليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في دائرة الأهل، راقب زوجتك، وراقب أولادك، وراقب بناتك، وقد تلقى شيئاً من الأذى فاصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

 

 2007-10-07
 5803
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 348 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 348
26-05-2022 706 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 706
26-05-2022 528 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 528
29-04-2022 396 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 396
29-04-2022 837 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 837
29-04-2022 960 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 960

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414399307
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :