215ـ مع الحبيب المصطفى: في بيت أبي أيوب الأنصاري رَضِيَ اللهُ عَنهُ

215ـ مع الحبيب المصطفى: في بيت أبي أيوب الأنصاري رَضِيَ اللهُ عَنهُ

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

215ـ في بيت أبي أيوب الأنصاري رَضِيَ اللهُ عَنهُ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَمَّا نَزَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ على أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، خَرَجَتْ جَوَارٍ من بَنِي النَّجَّارِ، يَضْرِبْنَ بالدُّفُوفِ، ويَقُلْنَ:

نَحْنُ جَوَارٍ من بَنِي النَّجَّارِ   ***   يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِن جَارِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ قَلْبِي يُحِبُّكُنَّ» رواه ابن ماجه والبيهقي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وجَاءَ في نُورِ اليَقِينِ في سِيرَةِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ: خَرَجَتْ وَلَائِدُ بَنِي النَّجَّارِ يَقُلْنَ:

نَحْنُ جَوَارٍ من بَنِي النَّجَّارِ   ***   يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِن جَارِ

فَخَرَجَ إِلَيْهِنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: «أَتُحْبِبْنَنِي؟».

فَقُلْنَ: نَعَمْ.

فَقَالَ: «اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ قَلْبِي يُحِبُّكُنَّ».

أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ الصُّورَةُ التي اسْتَقْبَلَتْ بِهَا المَدِينَةُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، تَكْشِفُ لَنَا عَن مَدَى المَحَبَّةِ الشَّدِيدَةِ التي كَانَتْ تَفِيضُ بِهَا أَفْئِدَةُ الأَنْصَارِ من أَهْلِ المَدِينَةِ، رِجَالاً ونِسَاءً وأَطْفَالاً؛ ومَا ذَاكَ إلا لِنَتَعَلَّمَ أَنَّ مَحَبَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لَيْسَتْ في مُجَرَّدِ الاتِّبَاعِ، بَلِ المَحَبَّةُ لَهُ هِيَ أَسَاسُ الاتِّبَاعِ وبَاعِثُهُ، فَلَولا المَحَبَّةُ العَاطِفِيَّةُ في القَلْبِ لَمَا وُجِدَ وَازِعٌ يَحْمِلُ على الاتِّبَاعِ في العَمَلِ، ولذلكَ جَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مِقْيَاسَ الإِيمَانِ باللهِ تعالى امْتِلاءَ القَلْبِ بِمَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» رواه الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وقَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ واللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.

في بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَن أَيَّامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عِنْدَهُ:

لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في بَيْتِي نَزَلَ في أَسْفَلِ البَيْتِ، وَأَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ في العُلُوِّ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنِّي لأَكْرَهُ وأُعَظِّمُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَكَ وَتَكُونَ تَحْتِي، فَاظْهَرْ أَنْتَ فَكُنْ في الأَعْلَى، ونَنْزِلُ نَحْنُ نَكُونُ في السُّفْلِ.

فَقَالَ: «يَا أَبَا أَيُّوبَ، إِنَّهُ لأَرْفَقُ بِنَا وَبِمَنْ يَغْشَانَا أَنْ نَكُونَ في أَسْفَلِ البَيْتِ».

قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في سُفْلِهِ وَكُنَّا فَوْقَهُ في المَسْكَنِ، ولَقَد انْكَسَرَتْ جَرَّةٌ لَنَا فِيهَا مَاءٌ يَوْمَاً، فَقُمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ بِقَطِيفَةٍ لَنَا، مَا لَنَا لِحَافٌ غَيْرَهَا نُنَشِّفُ بِهَا المَاءَ، تَخَوُّفَاً أَنْ يَقْطُرَ على رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مِنْهُ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ، فَنَزَلْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا مُشْفِقٌ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَعْطِفْهُ حَتَّى انْتَقَلَ إلى العُلُوِّ.

قَالَ: وَكُنَّا نَضَعُ لَهُ العَشَاءَ، ثمَّ نَبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِ، فإذا رَدَّ عَلَيْنَا فَضْلَهُ تَيَمَّمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ مَوْضِعَ يَدِهِ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغِي بذلكَ البَرَكَةَ، حَتَّى بَعَثْنَا إِلَيْهِ لَيْلَةً بِعَشَائِنَا وَقَد جَعَلْنَا لَهُ فِيهِ بَصَلاً وَثُومَاً، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَلَمْ أَرَ لِيَدِهِ فِيهِ أَثَرَاً، فَجِئْتُهُ فَزِعَاً فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، رَدَدْتَ عَشَاءَكَ وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَوْضِعَ يَدِكَ، وَكُنْتُ حَينَمَا تَرُدُّ عَلَيْنَا فَضْلَ طَعَامِكَ أَتَيَمَّمُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ مَوْضِعَ يَدِكَ نَبْتَغِي بذلكَ البَرَكَةَ.

فَقَالَ: «إِنِّي وَجَدْتُ فِيهِ رِيحَ هذهِ الشَّجَرَةَ، وَأَنَا رَجُلٌ أُنَاجِي، فَأَمَّا أَنْتُم فَكُلُوهُ».

قَالَ: فَأَكَلْنَاهُ، ثمَّ لَمْ نَضَعْ في طَعَامِهِ شَيْئَاً من الثُّومِ أو البَصَلِ بَعْدُ.

التَّبَرُّكُ بِآثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: سَيِّدُنَا أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لَمْ يَكُنْ من المُوسِرِينَ، لَكِنَّهُ كَانَ عَظِيمَ الفَرَحِ بِنُزُولِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في بَيْتِهِ، كَبِيرَ الاعْتِدَادِ والشُّكْرِ لهذهِ الكَرَامَةِ التي أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِهَا.

أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ الصُّورَةُ التي رَأَيْنَاهَا في مُقَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في مَنْزِلِهِ تَكْشِفُ لَنَا مَظْهَرَاً آخَرَ من مَحَبَّةِ أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لَهُ.

والذي يَهُمُّنَا من ذلكَ هُنَا، هُوَ التَّأَمُّلُ في تَبَرُّكِ أَبِي أَيُّوبَ وَزَوْجَتِهِ، بِآثَارِ أَصَابِعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في قَصْعَةِ الطَّعَامِ، حِينَمَا كَانَ يَرُدُّ عَلَيْهِمَا فَضْلَ طَعَامِهِ، وبذلكَ نَعْلَمُ أَنَّ التَّبَرُّكَ بِآثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ قَد أَقَرَّهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

روى الإمام البخاري عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلَاثَ أَصَابِعَ مِنْ قُصَّةٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ؛ فَاطَّلَعْتُ فِي الْجُلْجُلِ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرَاً.

إِسْرَائِيلُ: هُوَ الرَّاوِي للحَدِيثِ الشَّرِيفِ.

القُصَّةُ: خُصْلَةٌ من الشَّعْرِ.

مِخْضَبَهُ: إِنَاءَهُ.

الْجُلْجُل: هُوَ شِبْهُ الجَرَسِ، وَقَد تُنْزَعُ مِنْهُ الحَصَاةُ التي تَتَحَرَّكُ، فَيُوضَعُ فِيهِ مَا يُحْتَاجُ إلى صِيَانَتِهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ إذا أَصَابَ أَحَدَاً من الصَّحَابَةِ عَيْنٌ أَو أَذَىً أَرْسَلَ إلى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها إِنَاءً فِيهِ مَاءٌ، فَجَعَلَتِ الشَّعْرَاتِ في المَاءِ، ثمَّ أَخَذُوا المَاءَ يَشْرَبُونَهُ تَوَسُّلَاً للاسْتِشْفَاءِ، والتَّبَرُّكِ فِيهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: إذا كَانَ هذا شَأْنَ التَّوَسُّلِ بِآثَارِهِ المَادِّيَّةِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَكَيْفَ بالتَّوَسُّلِ بِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللهِ عزَّ وجلَّ؟ وكَيْفَ التَّوَسُّلُ بِكَوْنِهِ رَحْمَةً للعَالَمِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟

نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا:

أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا وَلَيْسَتْ فِيهِ.

قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا، فَأُتِيَتْ فَقِيلَ لَهَا: هَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ نَامَ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ.

قَالَ: فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ ـ الْأَدِيمُ: الْجِلْدُ أَوْ أَحْمَرُهُ أَوْ مَدْبُوغُهُ ـ عَلَى الْفِرَاشِ، فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا ـ وَهُوَ الصُّنْدُوقُ الصَّغِيرُ، تَجْعَلُ الْمَرْأَةُ فِيهِ مَا يَعِزُّ مِنْ مَتَاعِهَا ـ فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا.

فَفَزِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا.

قَالَ: «أَصَبْتِ».

وفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ فِيهَا.

فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟»

قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ.

وكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ من الرَّضَاعَةِ، حَيْثُ كَانَتْ خَالَتَهُ من الرَّضَاعِ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: اِتَّفَقَ العُلَمَاءُ على مَشْرُوعِيَّةِ التَّبَرُّكِ بِآثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ولَقَد نَقَلَ عُلَمَاءُ السِّيرَةِ والحَدِيثِ أَخْبَارَاً كَثِيرَةً تُمَثِّلُ تَبَرُّكَ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِأَنْوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ من آثَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، من هذهِ الأَخْبَارِ:

أولاً: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إذا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ على وَضُوئِهِ لِفَرْطِ حِرْصِهِم على التَّبَرُّكِ بِمَا مَسَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِبَدَنِهِ الشَّرِيفِ، وكَانَ مَنْ لَمْ يُصِبْ من وَضُوئِهِ شَيْئَاً يَأْخُذُ من بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ.

روى الشيخان عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالَاً أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئَاً تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئَاً أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ.

ثانياً: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لا يَبْصُقُ بُصَاقَاً، ولا يَتَنَخَّمُ نُخَامَةً إلا تَلَقَّوْهَا، وأَخَذُوهَا من الهَوَاءِ، وَوَقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُم، فَدَلَّكُوا بِهَا وُجُوهَهُم وأَجْسَادَهُم، ومَسَحُوا بِهَا جُلُودَهُم وأَعْضَاءَهُم تَبَرُّكَاً بِهَا، وكَانَ يَتْفُلُ في أَفْوَاهِ الأَطْفَالِ، وكَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم يَأْتُونَ بِأَطْفَالِهِم لِيُحَنِّكَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ رَجَاءَ البَرَكَةِ.

ثالثاً: روى أبو يعلى والبيهقي في الدَّلَائِلِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يَحْتَجِمُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «يَا عَبْدَ اللهِ، اِذْهَبْ بِهَذَا الدَّمِ فَأَهْرِقْهُ حَتَّى لا يَرَاكَ أَحَدٌ».

فَلَمَّا بَرَزَ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عَمَدَ إلى الدَّمِ فَشَرِبَهُ.

فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: «يَا عَبْدَ اللهِ، مَا صَنَعْتَ؟».

قَالَ: جَعَلْتُهُ في أَخْفَى مَكَانٍ عَلِمْتُ أَنَّهُ خَافٍ عن النَّاسِ.

قَالَ: «لَعَلَّكَ شَرِبْتَهُ؟».

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: «وَلِمَ شَرِبْتَ الدَّمَ؟ وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ، وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ».

فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ القُوَّةَ التي بِهِ من ذلكَ الدَّمِ.

وفي رِوَايَةٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ مَسَّ دَمِي دَمَهُ لَمْ تُصِبْهُ النَّارُ».

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُلْهِمَنَا الرُّشْدَ، ويُعَطِّفَ عَلَيْنَا قَلْبَ الحَبِيبِ الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الاثنين: 25/شوال /1435هـ، الموافق: 10/آب / 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2362 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2362
20-06-2019 1403 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1403
28-04-2019 1189 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1189
28-04-2019 1196 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1196
21-03-2019 1836 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1836
13-03-2019 1705 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1705

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3164
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414788595
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :