مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
313ـ ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى مُتَمَنِّنَاً عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمُعَرِّفَاً لِقَدْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَدَيْهِ: ﴿وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمَاً﴾.
فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ رَسُولَاً.
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ النَّاسِ، لِأَنَّ المَوْلَى تَبَارَكَ وتعالى تَوَلَّى تَعْلِيمَهُ، وَرَجَّحَ عَقْلَهُ الشَّرِيفَ عَلَى سَائِرِ العُقُولِ، فَكَانَ أَكْمَلَ النَّاسِ عَقْلَاً وَأَرْجَحَهُمْ رَأْيَاً.
مَا تَرَكَ فِيهَا شَيْئَاً إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِمَّا يَدُلُّ عَلَى سَعَةِ عِلْمِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ اللهَ عَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُهُ عَلَيْهِ عَظِيمَاً، ما رواه الإمام البخاري عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً، مَا تَرَكَ فِيهَا شَيْئَاً إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ؛ عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الشَّيْءَ قَدْ نَسِيتُ، فَأَعْرِفُ مَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ إِذَا غَابَ عَنْهُ فَرَآهُ فَعَرَفَهُ.
وروى أبو داود عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَصْحَابِي، أَمْ تَنَاسَوْا؟ وَاللهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَائِدِ فِتْنَةٍ، إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا، يَبْلُغُ مَنْ مَعَهُ ثَلَاثَ مِائَةٍ فَصَاعِدَاً، إِلَّا قَدْ سَمَّاهُ لَنَا بِاسْمِهِ، وَاسْمِ أَبِيهِ، وَاسْمِ قَبِيلَتِهِ.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي زَيْدٍ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، وَصَعِدَ المِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ العَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ؛ فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا.
وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ تَرَكَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُحَرِّكُ طَائِرٌ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إِلَّا أَذْكَرَنَا مِنْهُ عِلْمَاً.
هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ مِنَّةٍ مَنَّ اللهُ بِهَا عَلَيْنَا:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَعْظَمَ مِنَّةٍ مَنَّ اللهُ تعالى بِهَا عَلَيْنَا هِيَ أَنْ بَعَثَ فِينَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَمُعَلِّمَاً وَمُرْشِدَاً، وَنَاصِحَاً أَمِينَاً، فَقَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولَاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةَ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ دَعَا بِقَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولَاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾.
فَمَا قُبِضَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عَلَّمَ النَّاسَ كُلَّ شَيْءٍ، وَجَعَلَهُمْ بِالعِلْمِ وَالعَمَلِ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ.
لَقَدْ أَفْنَى عُمُرَهُ الشَّرِيفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سَبِيلِ تَعْلِيمِ الأُمَّةِ، وَنَشْرِ هَذَا الدِّينِ، فَكَانَ يُعَلِّمُ الصَّحَابَةَ في خُطَبِ الجُمُعَةِ، وفي مَوَاعِظِهِ، وَفي بُيُوتِهِ وَبُيُوتِ أَصْحَابِهِ، في حَلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، وفي حَجِّهِ، وَمَا كَانَ يَدَعُ فُرْصَةً للتَّعْلِيمِ إِلَّا اغْتَنَمَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
كَانَ يُعَلِّمُ الغِلْمَانَ وَالشَّبَابَ وَالشُّيُوخَ، وَالرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، مُجْتَمِعِينَ وَمُتَفَرِّقِينَ، جَمِيعَ العُلُومِ بِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ، روى الإمام مسلم عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الخِرَاءَةَ.
قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا هُوَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ مِمَّنْ لَا عَقْلَ لَهُ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾؟
فَإِذَا جَهِلَهُ النَّاسُ، فَيَكْفِيهِ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾.
سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَرَفَ قَدْرَكَ إِلَّا اللهُ، وَمَا عَرَفَ مَزَايَاكَ إِلَّا اللهُ، وَإِنْ وَضَعَكَ النَّاسُ عَلَى رَأْسِ القَادَةِ للبَشَرِيَّةِ وَعُظَمَائِهَا، فَمَا وَضَعُوكَ عَلَى رَأْسِ الجَمِيعِ إِلَّا لِتُشَرِّفَهُمْ جَمِيعَاً، فَجَزَاكَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيَّاً عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَ إِيمَانَنَا بِكَ حُجَّةً لَنَا لَا عَلَيْنَا. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الأربعاء: 13/ رجب /1439هـ، الموافق: 20/ آذار / 2019م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد
الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد
الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد
لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد
وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد
العِبَادَةُ غَايَةٌ مِنْ أَجْلِهَا خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الإِنْسَانَ، فَقَالَ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. فَيَجِبُ عَلَى العَبْدِ المُؤْمِنِ أَنْ يَتَفَطَّنَ لِذَلِكَ، وَأَنْ يَعِيشَ مِنْ ... المزيد